От вероисповедания к революции (1): Теоретические предпосылки
من العقيدة إلى الثورة (١): المقدمات النظرية
Жанры
Axiomatique
وهي في نفس الوقت القوانين التي تتحكم في بناء العلم، والعلاقة بين العلمين عند القدماء، علاقة أصول النظر بأصول العمل؛ فأصول النظر موضوع «علم أصول الدين»، في حين أن أصول العمل موضوع «علم أصول الفقه»، ولما كان الهدف من تأصيل النظر توجيه السلوك يكون علم أصول الدين نظرية السلوك، ويكون علم أصول الفقه معيار السلوك، علم أصول الدين يحدد التصورات للعالم، ويحدد رسالة الإنسان في الحياة، موقفه من العالم، وعلاقاته بالآخرين، بينما علم أصول الفقه يعطيه مقاييس السلوك، ويصف له كيفية تحقق الأفعال في مواقف معينة، فهو إذن علم معياري عملي في حين أن علم أصول الدين علم نظري خالص، يكون نظرية المعيار وأساس القياس.
ويكون التقابل أحيانا بين «علم أصول الدين» و«علم الفقه» دون توسط علم أصول الفقه، وفي هذه الحالة تكون مهمة علم أصول الدين النظر ومهمة علم الفقه العمل، فإذا كان الفقه هو العلم العملي الخالص الذي يصف أفعال الناس، ويقنن سلوكهم، وكان علم أصول الفقه هو العلم «النظري العملي» الذي يعطينا نظرية العمل ومنطق السلوك ومناهج الفعل، فإن علم أصول الدين هو العلم النظري الخالص الذي يضع الأساس النظري للسلوك، هو إذن نظرية «النظرية العملية» أو علم «العلم العملي»، وبتعبير أبسط يكشف التقابل بين علم أصول الدين وعلم الفقه عن أن علاقة التوحيد بالشريعة هي علاقة النظر بالعمل، ولما كان النظر أصل العمل، فعلم أصول الدين أصل علم الفقه.
13
لذلك تقسم الفرق إلى أهل الأصول وأهل الفروع؛ وبالتالي يكون علم أصول الدين هو علم الفرق في الأصول، وعلم الفقه هو علم الاختلاف في الفروع، والأول أخطر من الثاني وأهم.
14
وكان نتيجة فصل العلمين عند القدماء إلى علم للأصول وعلم للفروع أن لم يحدث أن تبين أحد كيف تخرج العلوم العملية من الأصول النظرية، بل قد تحول التوحيد إلى عقائد نظرية مغلقة على نفسها، وكأنها حقائق مستقلة بذاتها وليست أيضا دوافع للسلوك وبواعث على العمل، كما تحول الفقه إلى مجرد طاعة للأوامر واجتناب للنواهي على نحو عملي خالص يصل إلى حد العادات والأعراف، مع أن المهم في التأصيل أيضا هو كيفية خروج العمل من النظر، وتحقق النظر في العمل خاصة وأن كليهما «علم الأصول»؛ ومن ثم تكون تفرقة القدماء بين الاعتقاديات باسم التوحيد والعمليات باسم الفقه قد أدت إلى جعل الاعتقاديات مجرد إيمانيات منفصلة عن العمليات دون أن يكون لها أي أسس عقلية، كما تجعل العمليات مجرد عبادات وشعائر تتم ممارستها بالعادة والتكرار، وكيف تكون العقائد كلها نظرا لا صلة لها بالعمل، ويكون الفقه وحده هو العمل لا صلة له بالنظر؟ وبالرغم من محاولة القدماء الربط بين الاثنين عن طريق الصلة بين اليقين والظن، وهي صلة نظرية منطقية خالصة؛ فالأصول يقينية يمكن الاستدلال عليها والبرهنة على صدقها، والفروع ظنية لأنها مجرد اجتهادات عملية لتحقيق مصالح الناس إلا أن الصلة ظلت أيضا مبهمة، فكيف يخرج الظن من اليقين؟ وإذا كانت الأصول النظرية يقينية لأنها الأسس التي تعتمد على اتساق العقل وقوانين المنطق، وكانت التطبيقات العملية ظنية لأنها الفروع التي تقوم على المصلحة التي قد تختلف من فرد إلى فرد، ومن جماعة إلى جماعة، ومن مكان إلى مكان، ومن عصر إلى عصر، فكيف يكون أساس العمل يقينا ويصدر عنه عمل ظني؟ كيف يمكن من هذه الأسس النظرية الواحدة التي لا تتغير بتغير الزمان والمكان، ولا تختلف باختلاف الشعوب والأوطان استخراج عمليات تختلف باختلاف الزمان والمكان، وباختلاف الشعوب والأوطان؟
15
إن أهمية «الأصل» هو في البحث عن الأساس، والأساس في «العقل المصلحي» الذي يجتمع فيه علم أصول الدين وعلم أصول الفقه أو علم الفقه، العقل المصلحي هو الذي يجمع بين العقل النظري والعقل العملي، لقد أدى الفصل بين العلمين في حياتنا المعاصرة إلى الفصل بين العقيدة والاستدلال؛ وبالتالي غياب التأصيل في العقل وتحول العقائد إلى عواطف إيمانية خالصة تعوضنا عن نقص العمل وانزوائها في دائرة الوجدان، وانغلاقها وتحولها إلى شيء بدلا من انفتاحها على العالم كبواعث للسلوك، ومقاصد للفعل، كما أدى إلى توقف الاجتهاد في العقيدة وحصره في الشريعة وحدها، واعتبار أن العقائد لها أسس واحدة ثابتة لا تتغير مما أدى إلى ضمورها وقدمها وعدم تعبيرها عن واقع الأمة وظروفها الراهنة، ثم حدث الفصل بين العقيدة والمصلحة، وتحولت العقائد إلى بدائل عن المصالح، وضاعت مصالح الناس ولم ترعها إلا الحركة العلمانية التي نشأت أساسا بسببها وكرد فعل على العقائد الإيمانية اللاعقلية الفارغة من أي مضمون، وقد أدى ذلك كله في النهاية إلى فصل النظر عن العمل، وبقاء العقيدة دون شريعة فضاعت الشريعة، ولم تغن عنها العقيدة شيئا، وما دامت العقائد مقدسة من الله والشريعة لصالح الإنسان فقد انتشر في عقليتنا الفكر «اللاهوتي» وغاب الفكر الإنساني المصلحي، فتأكدت محورية الله وهامشية الإنسان. (3) علم التوحيد
وتشير هذه التسمية إلى أول عقيدة وأشهرها، وهي عقيدة التوحيد، وحينئذ يكون السؤال: هل التوحيد نظر أم عمل؟ هل هو عدد الآلهة وأنها واحد، أم أنه تحقيق لتصور الوحدانية في العالم؟ الحقيقة أن التوحيد قد يكون علما وقد يكون عملا، وعلم التوحيد هو الأساس النظري للعمل، وعمل التوحيد هو توحيد الشعور ثم توحيد المجتمع ثم توحيد العالم في نظام واحد هو نظام الوحي؛ فالعالم هو نظام العالم، التوحيد فعل من أفعال الشعور يضع ذاته من حيث هو شعور متوحد ومهيئ إلى تصور وحداني للعالم، التوحيد إذن ليس عقيدة بمعنى أنه ليس تصورا نظريا فحسب، بل هو «عملية توحيد»، والاسم نفسه «توحيد» اسم فعل وليس اسما مجردا فارغا أو حسيا يشير إلى شيء، يدل على عملية ولا يدل على جوهر ثابت كما هو الحال في «واحد» من «فاعل»، التوحيد فعل من أفعال الشعور تتوحد فيه قواه وأبعاده ومستوياته نحو ماهية واحدة مطلقة وشاملة، عامة ومجردة، خالصة ومنزهة، وقد حاولت معظم الحركات الإصلاحية الحديثة من قبل إعطاء الأولوية للتوحيد العملي على التوحيد النظري، وتحويل التوحيد إلى طاقة فعالة لتوحيد الشعور الفردي ولجمع شتات الأمة.
Неизвестная страница