От вероисповедания к революции (1): Теоретические предпосылки
من العقيدة إلى الثورة (١): المقدمات النظرية
Жанры
فإذا كان هدف القدماء إثبات عقائد «الفرقة الناجية» ضد «الفرق الضالة»، فإن هدفنا هو الدفاع عن اجتهادات الأمة كلها، ووضع العقائد كلها على قدم المساواة ومعرفة كيف نشأت في ظروف العصر القديمة وكيف يمكن أن تحيا في ظروف العصر الجديدة، إذا كان هدف القدماء هو بيان «الفرق بين الفرق» فإن هدفنا هو «الجمع بين الفرق» في وقت الأمة فيه أحوج ما تكون إلى الوحدة الوطنية، إذا كان هدف القدماء بيان «مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين»، فإن هدفنا هو بيان «مقال المسلمين واتفاق المصلين»، إذا كان هدف القدماء عرض «اعتقادات فرق المسلمين والمشركين»، فإن هدفنا هو الكشف عن عقيدة الأمة وكيفية استعمالها من كافة قواها الاجتماعية والسياسية ولصالح من يتم تأويلها وفهمها واستخدامها.
37
وإذا كان القدماء قد اتبعوا نهج الالتزام بقواعد السلف، وبما قاله السابقون، ينقلون عنهم، ويهمشون عليهم، ويشرحون عقائدهم دون تجديد أو إضافة حتى أصبح علم أصول الدين لا يقص تاريخ الأمة، ولا يعكس صورة الأحداث فإن نهجنا هو عدم التأسي بأحد، قدماء أو محدثين، «هم رجال ونحن رجال، نتعلم منهم ولا نقتدي بهم»، وإذا كان القدماء قد آثروا الإتباع دون الإبداع فإننا نرى مأساتنا في الإتباع لا في الإبداع، وأن هناك فرقا بين الابتداع والإبداع؛ الأول خروج على النهج بلا أصول، والثاني تطوير للأصول وتجديد لها، الأول انقطاع بلا تواصل، والثاني تواصل بلا انقطاع. ليس السلف بأفضل من الخلف بالضرورة ولا الخلف أشر من السلف بالضرورة، ولكن لكل عصر اجتهاداته، ولكل جيل إبداعاته، ولكل زمن سلبياته وإيجابياته، ولكن رؤية الماضي كنموذج للإتباع ورؤية المستقبل كنموذج للإبداع كلاهما إسقاط للحاضر من الحساب، وفي ذلك إهدار للإمكانيات البشرية لجيلنا وكأن الحل يوجد خارج عصرنا إما في فردوس الماضي أو في حلم المستقبل، وكلاهما طريقان وهميان للخلاص، وذلك ضد حركة التاريخ ومساره، وتطوره على نحو طبيعي من الماضي إلى الحاضر، ومن الحاضر إلى المستقبل بفعل الأجيال، وطالما أن القدماء لهم الطول على المحدثين فإن الأمة لم تحسم بعد في حياتها معارك النهضة، ولم تحصل بعد على شروط التقدم، بل إن بعض القدماء يضع لفظ «السلف» أو «السنة» في العنوان إيثارا للسلامة، وتحقيقا للإتباع، سواء من المؤلفين أو من الناشرين، ونحن لا نعتمد إلا على البحث الحر، والإيمان بقدرات الأمة على الإبداع، وتطبيق العقل المصلحي في العقائد، فهي إيمان الجماهير والتي تعطيهم تصوراتهم للعالم ودوافعهم على السلوك، كما فضل بعض القدماء ذكر سند الرواية وكأن العقائد أحاديث تروى من شيخ إلى شيخ بالقراءة والإجازة والمناولة إلى آخر ما هو معروف من مناهج الرواية الكتابية القديمة.
38
فإذا كان القدماء قد جمعوا ما في الكتب السابقة المتفرقة وكان التأليف هو التجميع، فإننا نجتهد رأينا من واقع المسئولية، مسئولية الأصوليين الواضعين للعلم والمطورين له.
39
لذلك ارتبط «من العقيدة إلى الثورة» بالعقائد الإصلاحية فهي وحدها التي تركز على دور العقائد في تغيير حياة الناس، تصوراتهم وأساليب حياتهم من أجل تغيير الأنظمة الاجتماعية والسياسية وإعادة نظام التوحيد، بل لقد تأسست دول بأكملها ابتداء من إعادة بناء العقائد، وإن مظاهر الشرك في حياة الناس عديدة ليس فقط زيارة قبور الأولياء والأنبياء، والتبرك بالحجابة والتميمة وممارسة السحر، والرجم بالغيب، والوساطة والشفاعة، وهو الشرك في العبادات، بل أيضا الشرك في المعاملات ووجود مجتمع به أغنياء وفقراء، قاهرون ومقهورون، أصحاب سلطة ومتزلفون منافقون، أو أن يظن إنسان أن لإنسان آخر سلطانا عليه فيمدحه ويداهنه، أو يجبن ويخاف ويسكت على الحق حرصا على الدنيا وإيثار السلامة، ولا يكفي الشرك في العقائد النظرية ابتداء من الغزو الثقافي الحديث إثر حركة الترجمة الثانية وضرورة الرد عليها بالاعتماد على العقائد السلفية والرد على نتائج العلوم الطبيعية والإنسانية الحديثة؛ فذلك نسيان لهموم المسلمين العملية، وإبقاء على النظر دون العمل وإعطاء الأولوية للمستوى النظري القديم على المستوى العلمي الحديث.
40
وقد بدأنا بعلم أصول الدين كأول جزء من «التراث والتجديد»؛ لأنه هو العلم الذي يمد الجماهير بتصوراتها للعالم وببواعثها على السلوك، فهو البديل لأيديولوجياتها السياسية خاصة بعد فشل جميع الأيديولوجيات العلمانية للتحديث،
41
Неизвестная страница