От вероисповедания к революции (1): Теоретические предпосылки
من العقيدة إلى الثورة (١): المقدمات النظرية
Жанры
19
ويدخل التواتر نفسه كجزء في نظرية أعم، وهي نظرية الخبر وقسمته إلى تواتر وآحاد ومتوسط بينهما، وهو ما فعله علماء أصول الفقه في باب الأخبار. ويظهر أثر هذه القسمة في النظر والعمل على السواء؛ فالتواتر يورث اليقين في النظر والعمل، في حين أن الآحاد يورث اليقين في العمل فقط، ويكون النظر ظنيا. وإذا كان التواتر يورث علما ضروريا والآحاد علما مكتسبا، فإن التوسط بينهما يقوم على قرائن واستدلالات أخرى. والأخبار كلها من تواتر وآحاد ومستفيض تدخل في قسمة أعم للخبر من حيث هو خبر إلى خبر صادق وخبر كاذب. فالخبر الصادق مطابق للواقع، والخبر الكاذب غير مطابق للواقع. والخبر هو المعلن بلسان شخص حي مرئي وليس رسالة أو تبليغا باطنيا أو خارجيا؛ أي إنها الروايات التاريخية الشفاهية أو المدونة، وهي أساس المعرفة التاريخية.
20
وقد اختلف القدماء في ترتيبها، أو في عددها.
21
والحقيقة أنه يمكن تصنيفها في مجموعات ثلاث: الحس، والعقل، والخبر؛ فالحس يشمل الأوليات والحدسيات والقضايا التي قياساتها معها. ثم يأتي الخبر في النهاية الذي لا يستقل بذاته ويعتمد على مقدمات الحس الثلاث ومقدمات العقل الثلاث.
22
لم يغفل القدماء تحليلات الشعور ولم تكن تحليلات الشعور غائبة عندهم؛ فالنظر حركة للنفس نحو المبادئ وترتيبها نحو المطلوب، النظر عمليتان شعوريتان، الفكر حركة النفس في المعاني، حديث النفس، والعلم الضروري علم بداهة الأشياء في النفس، والاستدلال نظر القلب للمطلوب، والإيمان تصديق النفس. وهي عظيمة النفع في العلوم، مشتركة بين الناس، يسهل إقناع الآخرين بها. ليس النظر تحليل العقل لذاته والتفكير في موضوعات صورية خالصة، بل هو التأمل والتفكر في النفس وفي الطبيعة وفي معاني النصوص والآيات. فالموضوع إما نص لغوي أو ظاهرة طبيعية، والإنسان جزء من الطبيعة. النظر نظر في موضوع، والموضوع الخارجي يتحول إلى موضوع داخلي وجودا وعدما. النظر هو الاعتبار؛ أي رؤية الدلالة في الشعور، وموضوعات علم أصول الدين موضوعات شعورية أساسا، يمكن تأسيسها عقلا أو بناؤها واقعا. هي موضوعات إنسانية. التوحيد بناء شعوري، والحرية تجربة شعورية، والفعل تحقيق شعوري، والعمل تحليل شعوري، والنبوة بعد شعوري، والمعاد اتجاه شعوري. فبالرغم من أن شهادات الوجدان لم يكن لها قسم خاص في المقدمات القطعية إلا أنها موجودة في كل نوع وكأن الحس والعقل والخبر أبعاد للشعور، وكأن الشعور يتخارج في الحس والعقل والخبر.
23
وفي حياتنا المعاصرة تأخرنا عما عرضه القدماء، فغلبنا الخبر على شهادات الحس وأوائل العقول، وأصبح الدليل الوحيد هو: «قال الله» و«قال الرسول»، في حين أن الخبر له شروط وفي مقدمتها الاتفاق مع شهادات الحس وبداهات العقل. وأسقطنا المدركات الحسية والتحليلات العقلية من مقدماتنا النظرية، وتحولت شهادات الوجدان إلى انفعالات عامة تنم عن ضيق النفس وتبرمها بالبيئة ورفضها للواقع ورغبتها في الثأر والانتقام. فضمر الوحي، وتحجرت النبوة، وتقوقع النص داخل نفسه. يتحدث المؤمنون لبعضهم البعض دون ما قدرة على الحوار مع غيرهم، وأصبحت المقدمات القطعية في العلم هي مسلمات الإيمان أو موضوعات الغيب التي تدخل فيها روايات الدين الشعبي وخيالاته، والتي تكون أكبر دعامة للسلطة السياسية وللنظم القائمة. وفي علم الكلام المتقدم كانت هذه المقدمات السبع التفصيلية مجرد أقسام للعلم الضروري الذي يشمل: (أ)
Неизвестная страница