От вероисповедания к революции (1): Теоретические предпосылки
من العقيدة إلى الثورة (١): المقدمات النظرية
Жанры
كما يعني عموم الرسالة أنها أصبحت رسالة للبشر جميعا، وأن هناك حقيقة شاملة يمكن لكل الشعوب معرفتها والوصول إليها.
وبعدما تبدأ المقدمات الإيمانية التقليدية بالحمد لله والصلاة على رسوله، فإنها تشفعهما بالشهادتين، شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وفي حقيقة الأمر، وطبقا لمقتضيات العصر، لا تعني الشهادة التلفظ بهما أو كتابتهما بل تعني الشهادة على العصر، وذلك ببيان المسافة بين نظام الواقع ومقتضى الفكر، وهي الشهادة النظرية ثم محاولة إلغاء هذه المسافة وتوجيه الواقع طبقا لمقتضيات الفكر، والتضحية في سبيل ذلك بكل شيء حتى بالنفس فتتحقق الشهادة، وهي الشهادة العملية، ويصبح الإنسان شهيدا بعد أن كان شاهدا، فالشاهد والشهيد كلاهما موقف شهادة، ليست الشهادتان إذن إعلانا لفظيا عن الألوهية والنبوة، بل الشهادة النظرية والشهادة العملية على قضايا العصر وحوادث التاريخ؛ فالتوحيد نوعان، توحيد قول وتوحيد عمل.
16
ولفظ الشهادة الأولى «لا إله إلا الله» يحتوي على قضيتين: الأولى سالبة «لا إله»، والثانية موجبة «إلا الله»؛ فالتوحيد فعلان: فعل سلبي يقوم فيه الشعور الفعلي العملي بنفي كل آلهة العصر المزيفة التي تصبح تصورات للعالم ودوافع للسلوك عند الناس، وفعل إيجابي يضع فيه الشعور مثلا أعلى مبدأ واحدا عاما وشاملا، بفعل النفي يتحرر الوجدان الإنساني من كل صنوف القهر والظلم والتسلط والطغيان، وبفعل الإيجاب يضع الإنسان مثلا أعلى ويعلن ولاءه للمبدأ الشامل الذي يتساوى أمامه الجميع، الفعل السالب يحرر الشعور الإنساني من كل صور القهر، والفعل الموجب يضع الشعور حرا خالقا مبدعا؛ الأول يحرر الإنسان من التبعية للقيم السائدة في عصره وما به من تطلعات، والثاني يجعل الإنسان متمثلا لقيم جديدة ومرتبطا بمبدأ عام.
17
ولفظ الشهادة الثانية: «أن محمدا رسول الله» إنما تعني الإعلان عن اكتمال الوحي، ونهاية النبوة، وتحقق آخر مراحلها في نظام وتجسده في دولة، وأنه لا يمكن الرجوع إلى الوراء لمراحل سابقة منها، فالتاريخ لا يرجع إلى الوراء، والتقدم جوهر الوعي الإنساني ومسار التاريخ وحركة التطور، فالإنسان بعقله المستقل وبإرادته الحرة قادر على أن يواصل حركة التاريخ وأن يستمر في تقدمه باجتهاده الخاص، فيرث النبوة وتراث الأنبياء، فالعلماء ورثة الأنبياء، والاجتهاد طريق الوحي، والعقل وريث النبوة.
18
ونظرا لفراغ المقدمات الإيمانية التقليدية من أي مضمون فكري أو واقعي، عقلي أو مصلحي، فإنها تعبر عن نفسها بأسلوب السجع المملوء بالتلاعب بالألفاظ التي لا تحمل وراءها إلا عواطف إيمانية، فالعاطفة تنشئ اللغة، واللغة تعبر عن العاطفة، ويغيب الفكر كما يغيب الواقع، تعتمد المقدمات على المحسنات البديعية وعلى الإنشاء الخالص دون فكر ودون رؤية أو تحليل لشيء، لا يكمن وراءها إلا بعض الانفعالات الإيمانية تبلغ أحيانا درجة التصوف، وكأن الإعلان عن العلم لا يتأتى إلا بالإغراق في المواجيد الصوفية، والتعبير عنها بالتراشق اللفظي.
19
يغيب الأسلوب البرهاني والتحليل العقلي والوصف الواقعي للظواهر، ويحل محله أسلوب إيماني خالص يعبر عن العشق والهيام لموضوع فارغ، ويكشف عن مواجيد النفس ولوعات الإيمان، وكأن علم أصول الدين كأحد علوم النظر قد تحول إلى علم التصوف كعلم للذوق، وإذا كانت «الأشعرية» قد ازدوجت بالتصوف في العقائد المتأخرة، فإن التصوف قد حل محل الأشعرية كلية في العقائد الإيمانية، حتى الشروح والملخصات فإنها لا تبين الغاية من الشرح أو التلخيص، بل تقوم بشرح المقدمة الإيمانية، فالحمد تعني الحمد، والله يعني الرحمن، والثناء يعني المدح! فاستعاضت عن الفكر بالسجع واللفظ وبلعبة المترادفات، أما في عصرنا فقد بلغت أزماته ومآسيه درجة أن الاعتناء بالمحسنات البديعية أصبح تعويضا عن الشقاء، وتعبيرا عن الخواء، ورغبة في الحصول على شيء حتى ولو كان رنين الصفائح أو قرع الطبول، وأن أول ما نذكره نحن هو الواقع، أزماته وتقلباته، حاله ومآله، حتى يعي الناس حالهم، فالرموز والصور والتشبيهات تكرار وسجع لفظي لا يكمن وراءه وعي، ولا يغير الواقع قيد أنملة.
Неизвестная страница