От вероисповедания к революции (1): Теоретические предпосылки
من العقيدة إلى الثورة (١): المقدمات النظرية
Жанры
23
ولا يمكن أن تكون معارف الوحي مثل «إثبات الصانع وصفاته والنبوات» نموذجا للمعارف الضرورية لأن الوحي يقوم على الاستدلال، والجاهل بها مكلف بالنظر. وأن الغاية من العلم إثبات العقائد بالنظر. لا يوجد إلا علم ضرورة بالمشاهدة بعد انقضاء زمن المعجزات؛ فقد أدت المعجزات دورها في التاريخ، وهو تحرير الشعور من أسر الطبيعة، وإبراز التوحيد - التعالي - في شعور الإنسان. بعد أن تحقق ذلك، واستقل الشعور والعقل والفعل أصبح العلم قائما على شهادة الحواس وبداهات العقول وليس فقط على إثارة المشاعر وإلهاب الخيال.
24
وهناك فرق بين المعارف الضرورية والأفعال الاختيارية. الأولى ضرورية تتعلق بأفعال الشعور الداخلية، والثانية تتعلق بإرادة الإنسان وأفعالها الخارجية. الأولى لا يستطيع لها الإنسان دفعا لأنها مرتبطة بحياة الإنسان الشعورية، والثانية أفعال إرادية خالصة يكون الإنسان فيها مخيرا بين الفعل والترك.
25
ولا يمكن إنكار البديهيات العقلية بحجة أنها أضعف من الحساب؛ فهي فرع لها، ولأن «من فقد حسا فقد فقد علما.» أو بالاعتماد على عدة حجج كلها لا تثبت للنقد، وقابلة للتفنيد.
26
فإن قيل: إن أجلى البديهيات مثل أن الشيء إما أن يكون أو لا يكون غير يقيني، فبين الوجود والعدم هناك الحال، وهو التوسط بينهما، كما أن هناك أشياء لا هي وجود ولا عدم. ومثل ما يقال في البديهيات المشهورة، الكل أعظم من الجزء فهناك جزء آخر معتبر وغير معتبر، أو أن الأشياء المساوية لواحد متساوية، فهي واحدة وليست واحدة، أو أن الجسم الواحد لا يكون في آن واحد في مكانين؛ فالألم في جسمين، والجسم الآخر معتبر وغير معتبر. كما أنها تتوقف على تصور المعدوم وتصور المعدوم يجعله ثابتا وهذا تناقض . كما يتوقف على تميز المعدوم عن الموجود. وكذلك يستحيل ثبوت الشيء وعدمه في نفسه أو لغيره. والحقيقة أن ذلك نقل صوري للبداهة من مستوى العقل النظري إلى مستوى الميتافيزيقا الخالصة التي يكون فيها العقل محلا للتجارب الإنسانية وليس عقلا بديهيا صوريا خالصا. البديهات أمور بديهية، والقدح فيها افتعال غير بديهي. والعلوم الرياضية كلها تقوم على البديهات، والقدح في البديهات هدم لأسس العلوم الرياضية. وإن قيل: هناك صعوبة في التمييز بين البديهيات العقلية وبديهيات العاديات لاستنادهما إلى «القادر المختار» الذي أوجبهما عند المتكلمين أو للأوضاع الفلكية عند الحكماء، وهذا أيضا شك في البديهيات، فإنه بالإمكان التمييز بين بديهيات العقل ومجرى العادات. وكلاهما في نهاية الأمر بديهي بصرف النظر عن نشأتهما. ولا يمكن إدخال احتمال تدخل «القادر المختار» في هذه اللحظة من تأسيس العلم لأنها لم تكتمل بعد. وما زال موضوع «ذات الله وصفاته وأفعاله» مطلوبا إثباته بعد تأسيس نظرية العلم إجابة على سؤال: كيف أعلم؟ وتأسيس نظرية الوجود إجابة على سؤال: ماذا أعلم؟
27
وحتى على فرض الانتهاء من هذا الإثبات، فإن «الله» لا يكون مخادعا، وليس من صفاته ولا أفعاله التمويه والإيهام والإيقاع في الخلط بين بديهيات العقل وبديهيات العادات. كما أن افتراض الأوضاع الفلكية عند الحكماء لم يثبت بعد في نظرية العلم تحت التأسيس. وهو أقرب إلى أن يكون افتراضا أسطوريا خالصا لا يتحول إلى فرض علمي إلا في علوم الفلك والأرصاد الجوية. وإن قيل: إن للأمزجة والعادات تأثيرا في الاعتقادات مما يمنع وجود بديهيات مستقلة، فمع ذلك، العقل البشري قادر على تجريد البديهيات وعلى الإدراك المباشر وحدس الماهيات، وإلا لكان الفكر البشري كله نتاج الأمزجة والعادات. ولما أمكن التخاطب بين البشر والاتصال بين المجتمعات والتفاهم بين الأجيال على مختلف العصور. ولما كانت هناك حكمة واحدة للشعوب وخبرة مشتركة للجنس البشري. وإن قيل: كثيرا ما تتعارض البديهيات فيما بينها فأيهما نصدق؟ قال إنه يستحيل أن يتعارض القطعيان. وإن تعارضا فلربما لخطأ في المقدمات أو في تصور البديهيات أو لكون أحدهما قطعيا والآخر ظنيا. لا تعارض إذن بين البديهيات العقلية، كما أنه لا تعارض بين المتواترات . وقد نشأ علم بأكمله «علم التعارض والتراجيح» لحل التعارض بين القطعيات المتواترة. ولا تختلف البديهيات حسب الزمان والعصر والتطور واختلاف المصالح والأهواء؛ لأنها توجد على مستوى العقل الخالص. ربما يحدث تدخل للزمان والتطور في التعبير عنها وتأويلها وتحقيقها، ولكنها تبقى دون تغير بالرغم من تغير الظروف والأحوال. كما تتجاوز البديهيات حدود المذاهب والعقائد والملل والنحل. فالخلاف بين المعتزلة والأشاعرة حول حسن الصدق وقبح الكذب، بالعقل أم بالشرع خلاف مذهبي، ولا يرجع إلى البديهيات بقدر ما يرجع إلى المواقف الذهبية. وكذلك الخلاف حول خلق الأفعال والرؤية وبقاء الأعراض والوجود والعدم بين الحكماء والأشاعرة أو بين أنصار التنزيه حول الوجود إما مقارن للعالم أو مباين له، وبين الحكماء والمتكلمين حول نهاية الأجسام إلى ملاء أو خلاء، أو بين أنصار الحدوث وأنصار القدم حول قدم الزمان، أو بين الحكماء والمتكلمين حول الخلق من عدم، أو حول الترجيح بمرجح، أو حول محل الألم الإنسان أم الجسم، كل ذلك خلافات مذهبية وليست بديهيات عقلية، تكشف عن المذهب وليس عن ضرورة العقل. والمذهب بناء عقلي يعبر عن انتماء فلسفي، وموقف اجتماعي وسياسي. إن العقل البديهي قادر على إدراك أوائل العقول، وهو مرتبط بصفاء النفس وتجرد الشعور وحياده منعا للهوى. العقل ليس وسيلة مستقلة للعلم، بل أحد وظائف الشعور العاقل.
Неизвестная страница