От кредо к революции (3): Справедливость
من العقيدة إلى الثورة (٣): العدل
Жанры
يتم تصور التأليه على أنه بقدر ما يعطي المشخص المؤله من قدرة مطلقة يسلب من الإنسان قدرته، وبقدر ما يكون المشخص المؤله حرا تلغى من الإنسان حريته؛ فالعلاقة بين المؤله المشخص وبين الإنسان علاقة عكسية وليست طردية. بقدر ما يعطى الأول يؤخذ من الثاني، وبقدر ما يؤخذ من الأول يعطى الثاني. وهي علاقة تضارب وصراع تكشف عن مزاحمة بين الله والإنسان، وكأن العالم لا يكون فيه إلا بطل واحد. وهذا تصور خاطئ لأنه لا يوجد مؤله مشخص في الواقع واقف للإنسان بالمرصاد. كلما أراد الإنسان أن يكون حرا سلبت منه حريته. ولا يأتي الإنسان بفعل حر إلا في غفلة عن المؤله أو بمرجح زائد منه.
51
والحقيقة أن العلاقة بين عواطف التأليه باعتبارها أثمن ما لدى الإنسان، والفعل وهو واقع الإنسان؛ علاقة طردية؛ إذ تتحول هذه العواطف إلى أصلها كبواعث على الفعل من داخل الشعور وليست إسقاطات على الطبيعة خارج الشعور وخارج الفعل وضده. ليس للكمال وجود خارجي بل هو باعث إنساني نحو الكمال. ليست الإرادة الشاملة صفة لذات مشخص، بل هي إرادة إنسانية تبغي أوسع نطاق لها وأكبر تأثير. ليس العلم أيضا صفة مطلقة لذات مشخص، بل هو دافع إنساني نحو العلم يعطي الأساس النظري للفعل. ويكون السؤال: لمصلحة من تصور هذه العلاقة العكسية بين الإنسان وقيمه؟ وكيف تثبت القيمة بذاتها إذا سلبت إرادة الإنسان؟ وفي أية قيمة تعمل إرادة الإنسان لو أصبحت القيمة خاوية غير قابلة للتحقيق؟ ولماذا لا تكون العلاقة طردية، بقدر إثبات حرية الإنسان تثبت فاعلية القيمة، وبقدر ما تضمحل فاعلية القيمة تضمر حرية الإنسان؟ في الجبر الذاتي وحده تكون العلاقة طردية. كلما أحس الإنسان بدعوته، وهي القيمة، ازدادت حريته، وكلما ضعف إحساس الإنسان بدعوته قلت حريته وطواه الجبر. (3)
وكما يتم تدمير فعل الإنسان وإرادته المستقلة كذلك يتم تدمير قوانين الطبيعة الثابتة، خاصة ابتداء من القرن السادس بعد ظهور الفلسفة وكأنها الخطر الداخلي بعد درء الأخطار الخارجية من التأليه والتجسيم والتشبيه. والحقيقة أن الحوادث الخارقة للطبيعة التي يظن على أنها دليل على وجود إرادة خارجية هي إرادة الذات المشخص المؤله التي تتدخل في الطبيعة هي في الحقيقة حوادث طبيعية نجهل عللها.
52
فكل ما يظن أنه يحدث من خارج الطبيعة هو في الحقيقة يحدث من داخل الطبيعة، وبتقدم العلم يمكن معرفة القانون الذي تجري طبقا له هذه الحوادث. وإن تقدم العلم مشروط بنقل النظرة العلمية من التفسير الخارجي إلى التفسير الداخلي، ومن الفهم بالقوى الخارجية إلى الفهم بالقانون الداخلي. وقد تكون الحادثة الخارقة للطبيعة إدراكا خاطئا سببه مؤثر انفعالي حاد. فالإدراك الحسن مرتبط بدرجة الشعور الانفعالي كما يرى العطشان الماء سرابا، والجوعان الحذاء دجاجة، وكما يشعر المصاب بزلزال في الأرض وبانفتاح القبور وبدك الجبال كما هو معروف في مشاهد الصلب في الأناجيل الأربعة. وعادة ما تقع أمثال هذه الحوادث في لحظات يكون الشعور فيها في حالة صدمة وفقدان توازن تمنع من الإدراك الحسي السليم. وقد تكون هذه الحوادث الخارقة للطبيعة مجرد صور فنية لا تتعدى حدود اللغة، تعبر عن قدرة مطلقة من أجل إعادة بناء اعتقاد الناس والإيحاء لهم بأن هناك حقا مطلقا وعلما شاملا وإرادة لا غالب لها؛ مما يعطي لهم ثقة بالنفس، ومما يجعلهم قادرين على العمل أكثر مما لو أوحى إليهم بأن هذا العالم هو عالم الثبات المطلق الذي لا يتغير. المقصود من المعجزة كصورة فنية هو أن الطبيعة ميدان عمل ومجال تحقق للإرادة، وأنها طيعة لا عاصية، تقبل كل فعل. وفي الجبر تؤدي هذه الصورة الفنية إلى غرض عكسي وهو اعتبار أن كل شيء في الطبيعة خاضع لسلطة مطلقة وإرادة شاملة لها؛ فتحولت من دافع على الفعل إلى مانع من الفعل، ومن باعث على الإرادة إلى ناف للإرادة. فلو انتقلنا إلى الميدان الاجتماعي قامت الصورة الفنية في الخيال الشعبي ومن خلال أجهزة الإعلام والمؤسسات الدينية بدور مؤيد للسلطة في قضائها على كل معارضة. وإن حدث بعض ما يسمى بالمعجزات فإنه قد حدث في لحظات تاريخية معينة كتغير مفاجئ في ظواهر الطبيعة وتبديل لقوانينها، وذلك في نشأة الكون الأولى. ولكن بعد أن بردت الأرض واستقر نظام الكون انتهت المعجزات، وأصبح الإنسان قادرا بعقله الكامل وبفعله المستقل على فهم العالم والسيطرة عليه. (4)
ويؤدي الجبر إلى عكس ما يقصد إليه. فلو كان المقصود إثبات أحقية المشخص المؤله على الكون فإنه يؤدي في النهاية إلى إثباته متحولا زائلا متأرجحا بين الوجود والعدم. ما دام الفعل له، والفعل المباشر منه، فإنه يرتبط بالأشياء والأفعال، يوجد حيث توجد، ويعدم حيث تعدم. حينئذ يتحول من القبلية الشرعية إلى البعدية العملية وينتقل من المطلق إلى النسبي، ومن الفعل إلى الانفعال، يكون محلا للحوادث وينقلب من النقيض إلى النقيض، ومن المسيطر إلى المسيطر عليه، من الحاكم إلى المحكوم، من القاهر إلى المقهور. يصبح هو والتاريخ شيئا واحدا مثل الكرامية أو مثل آلهة اليونان تدخل حلبة الصراع في معارك البشر.
53
وإذا كان المقصود من الجبر إثبات القدرة الشاملة والعلم المطلق وجميع صفات العظمة والكمال، فإن هذا القصد يتحول إلى نقيضه؛ فيثبت المؤله حالا في الأشياء، فاعلا فيها، قريبا منها. ويصبح حادثا محدودا نسبيا خاضعا لفعل الإنسان.
54
Неизвестная страница