От кредо к революции (3): Справедливость
من العقيدة إلى الثورة (٣): العدل
Жанры
17
والصفات الذاتية للأفعال مستقلة عن حال الفاعل ووضعه الإنساني، سواء كان مخلوقا مربوبا أم حزينا بائسا. ليس الإنسان محدثا أو مملوكا أو مربوبا أو مقهورا أو مغلوبا على أمره حتى يكون قبيحا، بل يكون فعله قبيحا إذا رضي أن يكون مملوكا مربوبا مقهورا مغلوبا. أما إذا ثار على الملكية والقهر والغلبة فإن فعله يكون حسنا. والإنسان السوي الذي لا هو قاهر ولا مقهور ولا غالب ولا مغلوب، ولا مالك ولا مملوك، لا محدث ولا محدث تتضمن أفعاله صفات موضوعية للقبح. تنتزع الصفات منه بسبب أوضاعه الاجتماعية ثم يستردها بفعله الحر. بل إن أفعال القهر والغلبة والسيطرة لا تكون حسنة من الله لأنها مضادة للإنسان، ونفي لحريته وقضاء على وجوده.
18
كما أن الصفات الموضوعية للأشياء مستقلة عن الإرادة الذاتية للأفعال. فإرادة الفعل ليست العلم به، والصفة المستقلة تأتي من العلم لا من الإرادة. وقد يعلم الفاعل صفة القبح للفعل ويأتي به. كما قد يعلم صفة الحسن للفعل ويأتي بفعل قبيح. العلم صفة موضوعية سواء كان مشعورا به أو غير مشعور به.
19
ولا تعني الإرادة القضاء على الصفات الموضوعية للأشياء؛ فعلاقة الإرادة بالصفة ليست علاقة العلة بالمعلول أو الشرط بالمشروط. إذا أسقطت المسألة على الذات المشخص أصبح الحسن والقبح تعبيرين عن العلم المطلق الموضوعي وليس عن الإرادة المطلقة. وكما أن المعلوم له وجوده الموضوعي بالنسبة لحال العالم فكذلك الحسن والقبح لهما وجودهما الموضوعي بصرف النظر عن حال الفاعل سواء كان إنسانا في العالم أم إنسانا مسقطا مشخصا في ذات متعالية مفارقة. فالقياس لا يصح بين صلة العالم بالعلم ودوره الإيجابي في تحويله من اعتقاد إلى يقين بالأدلة وحال فاعل القبح الذي لا يجعل الفعل قبيحا. أما العلم بالنبوات فهو شرط الفعل وليس شرط العلم. العلم شرط الفعل وليس شرط القبح. وإن تأثير أحوال العالم في العلم والقدرة والإرادة ليس كتأثير الفاعل للقبح. فالحالات الأولى من جنس العلم، بينما الثاني من جنس الفعل. وإذا كان العالم يستحق المدح على علمه والذم على جهله، فإن ذلك استحقاق فعل وترك، ولا يعني تأثير العالم أو الجاهل في الحسن أو القبح. أما تأثير الطاهر أو الحائض في فعل الصلاة أو تركها فذلك شرط للعبادة وليس كذلك فاعل الحسن أو القبح. أما تأثير حال الفاعل في شرط الفعل مثل العقل والبلوغ فذلك شرط للفعل وليس تأثيرا فيه. أما الدواعي والغايات والمقاصد فهي من مكونات الفعل وليست من مؤثراته. وكذلك خضوع الفاعل لله وطلبه القرب، أحد الغايات والمقاصد. وكذلك تأثير حال اليقظة والنوم والتذكر والسهو من شروط الفعل. وتأثير الإرادة شرط للفعل وليس كذلك فاعل القبح، وكذلك فعل الصغائر والكبائر. وهذا لا ينفي القول بأن لحال الفعل تأثيرا في بعض أفعاله ولكنه فقط لا يكون مقياسا لفاعل القبح والقضاء على موضوعية الحسن والقبح.
20
ولا يعني تغيير الأفعال طبقا للظروف والأحوال تغيير الحقائق ذاتها بل تبني حقائق أخرى مثل الكذب في بعض المواقف حرصا على الحياة والكذب على الأعداء وخداعهم. فالكذب يظل قبيحا ولكن يدخل تحت قيمة أخرى أعلى وهي الحفاظ على الحياة والدفاع عن النفس.
21
إن تغيير السلوك في المواقف لا يعني هدم القانون العقلي العام أو الوجود الموضوعي للقيمة. وما الحكمة في تصور الله ضد القوانين وضد الحقائق وضد القيم دون مراعاة للظروف؟ إن كل شريعة مرتبطة بظروفها وأسبابها، ولها غاياتها ومقاصدها. قتل من قتل في ظاهره قتل وفي حقيقته حياة،
Неизвестная страница