От кредо к революции (3): Справедливость

Хасан Ханафи d. 1443 AH
149

От кредо к революции (3): Справедливость

من العقيدة إلى الثورة (٣): العدل

Жанры

72

وهل النشاط الاقتصادي كله مركز في الأسعار؟ ماذا عن الإنتاج والأجر ورأس المال والربح وتوزيع الدخل ومقدار العمل كقيمة للشيء؟ يبدو أن تحديد الأسعار فيها كان عند القدماء هو الوسيلة الأولى للتحكم في الأسواق في المجتمع التجاري القديم، والعجيب أنه في أصل الوحي لا وجود لمفهوم السعر، أما الثمن فلا يعني إلا القليل.

73 (د) الفقر والغنى؛ وهو الموضوع الأخير في خلق الأفعال، وأحيانا يكون الغنى والفقر، يبدو أحيانا أصلا مستقلا، ويبدو أحيانا فرعا على الأرزاق، وهو موضوع اقتصادي يظهر البعد الاجتماعي لأفعال الشعور والأوضاع الاجتماعية الناتجة عنها، وقد وضعه القدماء في صيغة تفاضل، أيهما أفضل: الفقر أم الغنى، دون تحديد لمعاني الفقر ومعاني الغنى، ودون وصف للبنية الاجتماعية التي يظهر فيها الفقر والغنى، ودون تحليل لأسبابهما أو لمقدارهما أو لكيفية التقريب بينهما أو تركهما على ما هو عليه، يوضع السؤال هكذا على العموم دون تفصيل، وعلى الإطلاق دون الإشارة إلى مجتمع معين أو حالة معينة، فالتفضيل نظري خالص، وكأن الأمر مجرد استحسان وتذوق لحالي الغنى والفقر كما هو الحال في الأمثال العامية والآداب الشعبية التي تقرظ الفقر أو تلك التي تمدح الغنى، والحقيقة أنه لا يمكن التفاضل بين مقولتين مجردتين، الغنى والفقر، أو حتى بين شخصين معينين، الغني والفقير؛ لأنهما وضعان اجتماعيان يوجدان في زمان ومكان معينين، وقد يوجد فقير مناضل ثوري، وغني مستغل محتكر، وفي هذه الحالة يكون الفقير الأول أفضلهما، وقد يوجد فقير كسول خامل متواكل، وغني نشط منتج يستثمر أمواله للصالح العام، لا يحتكر ولا يستغل ولا يكتنز، وفي هذه الحالة الغني الثاني أفضل.

74

وماذا يعني الغنى؟ هل هو غنى المال أم النفس أم الحق أم النبوة؟ وما هو الفقر؟ قد يكون الفقر هو فقر النفس والروح والعقل والقلب. وما هي حدود الغنى وحدود الفقر؟ كل غني يريد أن يزيد غناه فهو فقير، وكل فقير يزداد فقرا كان غنيا من قبل ثم افتقر، ما هو الحد العاقل بين الغنى والفقر؟ هل هو خط الفقر؟ هل هو إشباع الحاجات الأولية من مأكل ومشرب وملبس ومسكن؟ وماذا عن طبيعة المجتمع ومقدار الدخل القومي فيه؟ إذا كان ناتجه القومي ضئيلا وسكانه كثر. فالكل فقير، وإذا كان سكانه أقل يزداد الدخل الفردي، وإذا كان الدخل القومي مرتفعا والعدد كثير فالكل غني، وإذا كان سكانه أقل فالكل أيضا غني ولكن بدرجة أقل، ليس المهم التفاضل في الآخرة بل في الدنيا، التفاضل في الآخرة جزاء وثواب، في حين أن التفاضل في الدنيا كسب وعمل، الأول لا يمكن تغييره في حين أن الثاني يجب تغييره، والأول مشروط بالثاني لما كان الجزاء من جنس العمل طبقا للاستحقاق، والتفاضل في الدنيا أساسا في العمل وليس بالغنى أو الفقر، قد يؤدي العمل إلى الغنى، ولكن يكون الغنى في هذه الحالة مشروطا بقيمة العمل من ناحية وبمقدار الإنتاج والدخل القومي من ناحية أخرى، فلا يمكن لعمل أن يؤدي إلى غنى في بلد محدود الدخل مهما كان هذا العمل فاضلا، ولا يمكن لعمل فاضل أن يؤدي إلى فقر أو إلى ما تحت خط الفقر، وهل اعتبار العمل الصالح مقياسا للتفضيل وليس الفقر أو الغنى هروبا من النشاط الاقتصادي إلى العمل الأخلاقي، أو إيهاما للفقير بأنه أفضل من الغني بالعمل الصالح وبأن الغني أشر منه بعمله الفاسد؟ ولماذا لا تطرح قضية العدالة الاجتماعية مباشرة في مجتمع به الأغنياء والفقراء لإعادة توزيع الدخل القومي طبقا لقيمة العمل وحده؟ ليست المشكلة أخلاقية، بل هي مسألة اقتصادية تعبر عن مضمون العقيدة وعن مضمون التوحيد، ولا توجد حجج نصية لها فحسب، بل تقوم على تحليل النشاط الاقتصادي في المجتمع ونسبته إلى العمل والقيمة والربح والدخل.

ومع ذلك فقد أجاب القدماء على الأخلاق بأفضلية الغنى على الفقر، وأن الغني مطالب بالشكر، وأن الفقير الذي لا غنى له مطالب بالصبر،

75

وكيف يكون الغني الشاكر خيرا من الفقير الصابر؟ وهل الشكر على الغنى فضيلة أم تستر على مصادر الغنى طلبا للمزيد؟ وهل الصبر على الفقر فضيلة أم تسكين وتخدير للفقراء؟ وكيف يتساوى الاثنان في التقوى؟ وهل تقوى الغني صادقة أم ظاهرة؟ وهل تقوى الفقير ممكنة أم عزاء وسلوان وتعويض عن حرمان؟ ألا تعني الاستعاذة من فتنة الفقر وفتنة الغنى ضرورة تغيير الأوضاع الاجتماعية ودرء الفتنتين معا، فتنة الغنى وفتنة الفقر؟ إن كل الحجج النقلية والتاريخية لتفضيل الغنى على الفقر إنما يرددها الأغنياء ترويجا للغنى وتأكيدا عليه كفضيلة، فإغناء الله للرسول لم يكن بالمال بل بالقناعة والزهد والعلم والنبوة، ولم يكن كل الأنبياء أغنياء، بل كان فيهم الفقراء المعدمون الذين لا يملكون شيئا من حطام الدنيا، ولم يكن الصحابة أغنياء بل كان فيهم فقراء المهاجرين، وإن إدانة الفقر ليست لطلب الغنى ولكن للصراع ضد الأوضاع الاجتماعية التي تنتج الفقر ولتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية بين الناس، وليست حرصا على مكسب خاص أو زيادة ربح أو تراكم ثروة شخصية لغني.

ويستحيل أن يكون في الغنى جمع بين عبادة النفس وعبادة المال، فلا بد أن تطغى الثانية على الأولى ويتحول الإيمان إلى ستار ليخفي عبادة المال، صحيح أن المال الصالح ينتج مع الرجل الصالح، ولكن ما الضمان على أن المال الصالح يكون باستمرار بين يدي الرجل الصالح؟ إن المعروف اجتماعيا وتاريخيا أن المال مفسدة، وأن المال في غالبيته فاسد، بل ويفسد الرجل الصالح، والمال الصالح لا يكفي الرجل الفاسد، والأخلاقيات لا تغير من الوضع الاجتماعي والنشاط الاقتصادي والنظام السياسي شيئا،

76

Неизвестная страница