146

وأجابوا عن مسألة الهارب ونحوه بمنع تساوي غيرين في المقصود منهما من كل وجه، ولو فرض استحال اختيار أحدهما من دون مرجح، ورد بأنكم لا تنكرون أن الله قادر أن يخلق رغيفين مستويين من كل وجه، وأنه يصح منه ذلك، وأنه قادر على أن يخلق للعبد علما ضروريا باستوائهما، فإن أنكرتم هذا خرجتم من الدين، وإذا أقررتم به فنقول: هل يقدر سبحانه على أن يخلق له داعيا إليهما على البدل لا على الجمع أم لا، ولا معنى للداعي إلا أنه يوجد له علما بأن في كل واحد منهما له نفعا خالصا، وأن المنفعة بتناول أحدهما حاصلة على الاستواء، لا بد لكم من الإقرار بقدرته تعالى على إيجاد هذين العلمين، وبه يصح ما منعتموه من استواء غيرين من كل وجه، وإذا صح ذلك فنقول: هل قد خلقت فيه القدرة على ذلك الفعل أم لا.

الثاني: خلاف الفرض فإذا كانت قد خلقت فيه صح إيجاده بها، وإلا بطل كونها قدرة عليه، والمرجح ليس جزءا من القدرة ولا من الباعث، فبطل الاحتياج إليه، وأما قولهم بلزوم سد باب إثبات الصانع، فإنما يلزم لو جوزنا حصول الجائز من غير مؤثر فيه، ولم نقل بذلك أصلا.

قلت: وفي إطلاق الحكاية عن (المجبرة) بأنه لا بد من المرجح نظر، فإن صاحب المواقف حكى عن الأشعرية أن الفعل لا يحتاج إلى مرجح، وصرح صاحب المقاصد بأن القول بأن الفعل الواقع بلا مرجح اتفاقي، إنما هو إلزام للمعتزلة القائلين بأن قدرة العبد لا تؤثر في فعل إلا إذا انضم إليه مرجح يسمونه الداعي.

Страница 146