130

وثانيا: أن قياسكم فاسد لوجود الفارق، فإن اللقمة حقيرة عند الملك والمحتاج والسامع، فلا جرم عد الشاكر عليها ساخرا، بخلاف نعم الله تعالى، فإنها جليلة عند الشاكر والسامع، فلا يعد الذاكر لها ساخرا، وإنما مثال نعمه تعالى مثال من أعطاه أحد ملوك الدنيا بدرة من الذهب، فإن تلك البدرة حقيرة بالنسبة إلى ما يملكه هذا الملك، وهي عظيمة بالنظر إلى المحتاج، والسامع يشكره عليها، فكذلك نعم الله تعالى.

على أنا لا نسلم حقارة نعمه تعالى لقوله تعالى: {وكان فضل الله عليك عظيما }[النساء:113] ونحوها، وقد ألزمهم الإمام القاسم بن محمد" الكفر بمقالتهم هذه لردهم لهذه الآية، وألزمهم أيضا أن يجعلوا لله صفة نقص حيث أمر أن يسخر به في قوله: {وأما بنعمة ربك فحدث }[الضحى:11].

قلت: وفيه نظر لأنهم لا ينفون وجوبه مطلقا، وإنما نفوا وجوبه العقلي، وقد عرفت أن هذه الحجة غير مطابقة لدعواهم، ولا أظن أنهم يحتجون بها، سيما الرازي، ولعل المتكلف لها بعض أتباعهم على غير بصيرة، وغره أن فيها إبطال دعوى الوجوب بلزوم القبح، ولم يتنبه للزوم القبح على أصلهم. والله الموفق.

واعلم أن القول بأن وجوب شكر المنعم مما يقضي به العقل قضية مبتوتة هو قول أمير المؤمنين عليه السلام .

قال عليه السلام : (لو لم يتوعد الله على معصيته لكان يجب ألا يعصى شكرا لنعمته). رواه في النهج.

وناهيك به إماما وهاديا، ودالا على الصدق وداعيا، معدن كل حكمة، ومصباح كل ظلمة، ومفتاح كل مبهمة، ودفاع كل معضلة صلوات الله عليه.

الحجة الثانية: لو لم يكن القبح عقليا لجاز كذب الصادق وتصديق الكاذب، فلا يوثق بخبر الله تعالى ولا يعلم صدق نبي لجواز الكذب على الله سبحانه، وخلق المعجز على يد الكاذب، وفي ذلك إبطال الشرائع، وبعثة الرسل؛ إذ لا يتميز صدقه تعالى عن كذبه، ولا النبي من المتنبئ، وهذه الحجة إلزامية.

Страница 130