في الذهاب كنت أشرح نظريتي، وفي الإياب خلال أربعة أو خمسة أيام كنت أجد مضيفنا منهمكًا في الحرث.
لقد عاودني الحنين على الرغم من ذلك كله إلى تبسة. واستبدت بي حاجة إلى رؤية الأهل، وخصوصًا أمي.
ثم رأيتني أحن إلى الأسطوانة المصرية وباهي وأقاصيصه.
...
ربما كنا في شهر آذار (مارس) من عام ١٩٢٨.
توقفت في قسنطينة قبل أن آخذ عربة تِبِسّة. لقد أردت أن ألتقي الشيخ بن باديس خاصة. فمجلة (الشهاب) قد جدَّدَتْ في نفسي خلال إقامتي في (أفلو) الأفكار التي كنت أروجها في مقهى بن يمينة والمدرسة.
مررت أولًا بمقهى بن يمينة، وكان يحتفظ بنشاطه الذي عهدته فيه. استقبلوني استقبال الأخ الاكبر. و(الأخوان مشاي) من قالما احتفلا بي كمن يحتفل بمرشده. فحين كنت مدرسيًا كنا نقرأ وننقد سوية نصوصًا فرنسية وعربية.
وحينما مر الشيخ بن باديس في طريقه إلى مكتبه تبعته. كان معه بضعة أشخاص، ولربما كان يرى لأول مرة هذا الفتى ذا النظارتين والسروال والحزامين عند ساقه والرأس الحاسر؛ لذا لم يدعُني للجلوس. وتحدثت إليه واقفًا عن أشياء عديدة، وأذكر أني حدثته خاصة عن مشكلة الأرض في جبل عمور. وكان باديًا أن الشيخ لم يُعِر ذلك أي اهتمام، كان متملصًا ومهذبًا معًا.
خرجت من عنده وفي نفسي شيء من خيبة الأمل. فَعَجِلْتُ إلى رؤية (باهي) في تبسة والاستماع إلى أسطواناته وقصصه.
وجدت تبسة تغلي بحمى الإصلاح. لقد بُني المسجد الجديد والمدرسة. وقد جُمعت التبرعات من الناس من أجل البناء.