Маздакизм: Истоки социализма
المزدكية هي أصل الاشتراكية
Издатель
دار الكتاب
Номер издания
الأولى
Год публикации
١٣٩٤ هـ - ١٩٧٤ م
Место издания
الدار البيضاء
Жанры
عبد اللطيف بن علي السلطاني
المزدكية
هي أصل
الاشتراكية
(١٣٩٤ - ١٩٧٤)
1 / 1
عبد اللطيف بن علي السلطاني
المزدكية
هي أصل
الاشتراكية
١٣٩٤ - ١٩٧٤
1 / 2
الطبعة الأولى ١٣٩٤ - ١٩٧٤
جميع الحقوق محفوظة للمؤلف
1 / 3
الإهداء
إلى روح من كان السبب - بعد الله - في خروجي إلى هذا العالم.
إلى روح من لم يمتعني الله بحنوه وحنانه.
إلى من لم يسعدني القدر بالتعرف على شخصه وملامحه، وإن كنت لمست آثار أعماله، ورأيت تأثيرها في أهل زمانه.
إلى روح الذي عاش داعيا إلى الله، ومحاربا للباطل وأنصاره، لا تأخذه في ذلك لومة لائم.
إلى روح الذي وهب كل حياته للعلم، بين التعلم والتعليم، حتى فارق هذه الحياة المملوءة بالأتعاب راضيا مرضيا عليه.
إلى روح والدي الشيخ علي ابن السلطاني أهدي كتابي هذا، مع الدعوات له بالعفو والرضوان، من رب واسع الرحمة كثير الغفران.
1 / 4
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم:
الحمد لله الحي القيوم، الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، تفرد بالربوبية الحقيقية، وتقدس عن الشرك والشركية، الخالق المدبر لكل شيء وحده، لا شريك له ولا معين، المتصرف في خلقه بما جرت به حكمته، وفق إرادته ومشيئته، نحمده على ما أنعم به علينا مخلصين، ونشكره بكل جوارحنا صادقين، والصلاة والسلام على خاتم رسله وأنبيائه محمد بن عبد الله أكرم رسله أجمعين، عليهم من ربنا أفضل الصلاة وأزكى التسليم، ورضوان الله عن صحابته الأبرار، وأهل بيته الأخيار، من المهاجرين والأنصار، ﴿الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ وقفوا إلى جنبه وقفة صادقة، قضت على الشرك والضلال، واقتلعت جذور الوثنية والشر والفساد، ونشروا نور الهداية بين الأنام، وأوقفوا نفوسهم وباعوها لله وفي سبيل الله، وللدعوة للحق والهدي، فأعانوا على تثبيت قواعد الإسلام، بما بذلوه من نفوس أبية، وأموال زكية، وأوقات جليلة، كل ذلك بإيمان صادق، وعزم راسخ، لم يرجوا من وراء ذلك إلا الخير والسعادة لبني الإنسان - وخاصة - الذين: ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ﴾ فجزاهم الله أحسن ما جازى به عباده العاملين آمين.
وبعد فيقول العبد المفتقر إلى رحمة الله الغني، عبد اللطيف بن علي بن أحمد ابن السلطاني القنطري، كان الله له وليا ونصيرا، وكان في عون العاملين المخلصين
1 / 5
على نشر الفضيلة ومحاربة الرذيلة - هاديا ودليلا: إن ما يطرأ في هذا العالم - بين الحين والآخر - من أحداث ومذاهب، قد يكون فيها الخير والشر، والصلاح والفساد، والرشد والغي، والنفع والضر، وقد يخفى شرها وفسادها وضرها وغيها على بعض الناس، ولا يفطن له إلا ذوو الأبصار والبصائر الحية، ومن أجل هذا رأينا الكثير من علماء المسلمين - في كل زمان ومكان - كانوا حراسا أمناء على هذا الدين، يقظين بالمرصاد لكل طارئ يطرأ، ممن يحاول العبث بدين الله، فنصحوا وبينوا، وكشفوا وأوضحوا، حتى لا يتجرأ مفتر زنديق على الأمانة التي هم مسؤولون عنها - أمام الله، وأمام التاريخ، وأمام أمتهم - فيسلبها منهم - شأن اللصوص الماهرين - وهم ينظرون إليه صامتين، فواجبهم الديني أن يكونوا مع الدين: حاملين وعاملين، داعين ومناصرين ومدافعين، إن كانوا من العلماء النزهاء العدول، الذين قال فيهم الرسول ﷺ كما في الأثر -: «يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين» يقولون الحق لله وللحق، في غير مطمع ولا مطمح، في دنيا أو جاه فأولئك هم العلماء الرجال، الذين لا يرضون - أبدا - أن يهان الإسلام وهم ينظرون، أو تعطل أحكامه وآدابه وأخلاقه وهم ساكتون لاهون.
وقد ظهرت في هذا العصر - في غير بلاد المسلمين - مذاهب ونزعات - أو إن شئت فقل نزغات - تخالف شرائع الله التي جاء بها الرسل الكرام، عليهم من الله الصلاة والسلام، ظهرت في غير بلاد الإسلام، وتسربت فدخلت إلى أرض المسلمين، فأفسدت على الضعفاء عقيدتهم، وعلى المحاويج دينهم، بدعاوى شيطانية، وأطماع دنيوية، ووعود لماعة، وأماني خلابة، وما هي في الواقع والحقيقة إلا: ﴿كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾.
من هذه النزعات - بل النزغات - الشيوعية الملحدة الكافرة بالخالق وبالأديان والأخلاق الفاضلة، التي تسترت بستار وشعار (الاشتراكية) لتخفي على البسطاء مقاصدها وأهدافها، فضربت لهم على النغم الذي يحبونه، ويخلب عقول الضعفاء - بالخصوص - مدعية أنها رحمة جاءت لترحم المحرومين، ونعمة سابغة للمضطهدين، وما هي في الحقيقة إلا سم ناقع، وداء قتال يقتل - فيمن ابتلي به - الشعور بالكرامة الإنسانية، لهذا لم يقبل عليها ويتقبلها إلا النادر
1 / 6
القليل - عن طواعية واختيار - وإن تبنتها وحمتها بعض الهيآت الحاكمة في بعض البلاد الإسلامية، واتخذتها منهاجا تسير عليه، فساء من أجل ذلك الحال، وانشرت الفوضى وسوء السلوك في الأعضاء الحساسة في هياكل الأمة - التي تسربت إليها - بالرغم من التمويه والتدليس على ضعفاء الأحلام، فقد فشلت ولم تنجح إلا في الضلال والتضليل، لهذا أخذت تتراجع عن أشياء كانت من مبادئها.
والدارس للتاريخ القديم يعلم - بالمقارنة - أن هذه (الشيوعية) أو (الاشتراكية) وليدة نزعة قديمة ظهرت في الأمه الفارسية قبل الإسلام، ظهرت من رجل اسمه: مزدق - أو مزدك - دعت الناس إلى ما تدعو إليه الاشتراكية الشيوعية اليوم، من إلحادية مضللة وإباحية فاجرة، فواجب على كل مسلم في دينه لرب العالمين، مؤمن بالله ألا يسكت عنها، فإن هدفها القضاء على الدين والأخلاق الكريمة، ويتأكد ذلك الواجب - بالخصوص - على علماء الدين الأحرار المخلصين، فهذا هو جهادهم المطالبون به، يتقدمون إلى ميدانه في شجاعة وصدق عزيمة ونزاهة، لا تأخذهم في قول الحق لومة لائم.
ومن المؤسف المحزن أننا رأينا بعض المنتسبين للعلم والذين كتبوا فيها، فمنهم الداعي والمؤيد لها، ومنهم المنتحل لها الأسباب الداعية إليها، وقليل منهم المنكرون لها، فبعضهم سماها إشتراكية الإسلام، وآخر أطلق عليها اشتراكية عمر بن الخطاب، ومنهم من سماها الاشتراكية العربية، ومنهم من نسبها إلى حزبه السياسي الخ كل ذلك ترضية للهيئة الحاكمة، أو طمعا في مال أو جاه أو منصب، وهنا ضاعت جوهرة الحقيقة في رمال الأطماع، وفي يوم الحساب يجد كل واحد جزاءه.
ومن العلماء - الصادقين - من كتب فيها بصدق وإخلاص ونزاهة وأمانة، فأظهر حقيقتها مكشوفة كما هي، فأدى الأمانة - أمانة العلم والدين - ونصح لله رب العالمين، غير راغب ولا راهب - من المخلوق شيئا - عملا بقول الصادق المصدوق ﷺ: «الدين النصيحة، قلنا: لمن؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم» (١).
_________
(١) رواه مسلم في صحيحه عن أبي رقية تميم بن أوس الداري ﵁
1 / 7
وسأذكر في هذا الكتاب الذي أسميته ـ[المزدكية هي أصل الاشتراكية]ـ بحول الله وقوته أصل هذه النحلة القديمة - المزدكية - وأذكر أقوال المؤرخين النزهاء من المسلمين وغيرهم فيها، ثم أقابل ذلك - في مناقشة - بما شاع في وقتنا هذا وما هو جار في مجتمعنا الإسلامي - مما له صلة وثيقة بها - وبالمقارنة وذكر الأهداف والغايات يظهر لذوي العقول النيرة أن هذه الاشتراكية ما هي إلا فرع عن تلك المزدكية القديمة، فقد طلعت علينا بأحداث ووقائع كشفت عن المستور من النيات، والمخبوء من المقاصد والغايات.
والله المسؤول أن يوفقنا لما يحب ويرضى، ويسدد خطانا في سبيل الحق والصلاح، وهو من وراء القصد: ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾.
القبة (الجزائر) في ٣ جمادى الأولى عام ١٣٩٣ هـ الموافق لـ ٤ جوان سنة ١٩٧٣ م.
1 / 8
الباب الأول
تمهيد:
١ - ما هي المزدكية؟
٢ - من ابتدعها؟
٣ - أين نبتث شجرتها؟
٤ - ما هو هدفها؟
1 / 9
الفصل الأول:
ما هي المزدكية؟
المزدكية هي نحلة من النحل - أو مذهب من المذاهب - البشرية، والأحرى دعوة تدعو الناس إلى ما دعا إليه إبليس من قبل، فهي تتزعم حركة (إصلاحية) كما قال صاحبها ... المقصود منها - حسب قوله أيضا - نشر الأمن والسلام في الأرض - كما يدعي - وهي إلى جانب هذا تلزم أتباعها ومعتنقيها العاملين بها وبمبادئها: بأن يزيلوا من بينهم جميع الفروق وأنواع الاختصاص، فلا فرق فيما بينهم، ولا يختص الواحد منهم على أخيه فيها بأي شيء من أنواع الاختصاص حتى في المخصصات الفطرية، كالعرض والشرف، فلا شرف عند المزدكيين، ولا عرض ولا غيرة - والغيرة غريزة حتى عند الحيوانات التي لا تعقل - مثلما هو معروف عند شرفاء النفوس.
وسأعمل - ما استطعت - بإذن الله على توضيحها، وتوضيح شقيقتها العصرية (الاشتراكية الشيوعية) فإنها نبتت من بذرتها وأصلها، واتحدت معها في المبادئ والغايات، فهما كما قال القائل القديم:
فإن لم تكنه أو يكنها فإنه ... أخوها غذته أمه بلبانها
سأعمل على توضيح ذلك حتى يدرك الواقف على هذا الكتاب مدى شرورها وآثامها، ومفاسدها ومكائدها، وما نشرته في زمانها من فوضى في الأموال والأعراض، الأمر الذي تألم منه العقلاء في وقتها، ولم يتنفسوا الصعداء، ولم يستريحوا من كيدها إلا بعد أن قضي عليها، فطهرت الأرض من رجسها، بعد أن دنست بأفعال (مزدك وجماعته) الفظيعة والمنكرة، وسأدعم مما أقوله بأقوال السابقين، من العلماء والمؤرخين الذين كتبوا عنها وعن الطوائف والنحل الأخرى، كي يتبين خطرها وشرها للعقلاء منا، فإن المتقدمين كشفوها للناس،
1 / 11
فهتكوا سترها الذي تسترت به، وفضحوا حيلها ومكائدها، وحذروا بذلك عقلاء الناس من أمرها، حتى لا ينخدعوا بدعوتها التي جعلتها وسيلة لنيل مرادها وما ترمي إليه، من إلحاد في الدين وفساد للعقيدة، وشر في الأرض.
إذن ما هي إشتراكية مزدك ...؟
تعتمد (المزدكية) أو إشتراكية مزدك على عنصرين اثنين هامين في حياة الفرد والأمة، هما عنصر المال، وعنصر المرأة، لهذا نجده - كما نجد من سلك سبيله - فتح ثلمتين في حصن الفرد والأمة، نفذ منهما إلى قلب الفرد والأمة، ومن استولى على المال والمرأة ... فقد استولى على كل شيء، وسخر كل شيء في سبيل أغراضه ومطامحه، واتبعه لذلك أكثر الناس، لأن الأكثرية من الناس تقدم - في الاعتبار - هذين العنصرين على ما سواهما.
هذا هو الأساس الذي أرسى عليه (مزدك) بنيان دعوته إلى اشتراكيته.
الفصل الثاني: من ابتدعها؟
مبتدع هذه النحلة، أو الدعوة، أو المذهب - بل مجددها لأنها قديمة - رجل مجوسي من مجوسيي الفرس ادعى النبوة، وجاء بهذه النحلة أو المذهب، على أنها شريعة من الله أرسلها إلى عباده بواسطته هو، واسم هذا الرجل (مزدق بن بامداذ) والفرس يبدلون القاف كافا، فينطقون به (مزدك)، وادعى أن الله أمره هو ومن اتبعه بالعمل بها، فإذا عملوا بشريعته كان لهم الثواب الكثير والأجر العظيم.
هذا (النبي) صاحب هذه الشريعة هو مزدك كما قلنا آنفا، وإليه تنسب نحلته فيقال لها: (المزدكية).
متى ظهرت هذه النحلة؟
ظهرت هذه النحلة - حسبما ذكره المؤرخون - سنة (٤٨٤) ميلادية. ومزدك هذا إذا قلت أنه شيطان، بل هو من أكبر شياطين الإنس لم أكن - حقا - من المبالغين أو المخطئين، فهو شيطان - ذكي - علم أن الناس ينقادون إليه بيسر، ويقبلون على شريعته برغبة، ويعملون بها بسرعة وبدون تردد، إذا هو جاءهم بشريعة توافق ما تميل إليه النفس البشرية، فتبيح لهم الشهوات
1 / 12
والملذات، بل ويرضى عنهم الله تعالى - حسب دعواه - ويثيبهم على أفعالهم تلك إذا هم اتبعوا شريعة مزدك.
وشريعة (مزدك) كما تقدم مبنية على عنصرين هامين في الحياة البشرية:
(١) عنصر المال و(٢) عنصر المرأة، أما العنصر الأول وهو (المال) فهو قدر مشترك بين أتباع هذه الشريعة، فلا يختص أي واحد منهم بأي شيء من المال، فكل الأتباع فيه شركاء، فلا يتميز واحد منهم بدار، أو ببستان، وهكذا فأين وجد الواحد من أتباعه دارا أو غيرها أخذها ودخلها واستولى عليها، لأن شريعة مزدك تبيح له ذلك.
وأما العنصر الثاني - في المزدكية - وهو (النساء) فقد أباحت شريعته لأتباعها جميع النساء، فلا يختص رجل بامرأة، ولا تختص امرأة برجل معين، فكل المزدكيين شركاء في نسائهم.
هذه خلاصة شريعة (مزدك) المجوسي الذي كان يعيش في الربع الأخير من القرن الخامس وبداية القرن السادس المسيحي، أي قبل ولادة الرسول محمد ﷺ، كما مر قريبا.
توضيح دعوته:
قال هذا النبي الفاجر الكذاب: (رأيت الناس إنما تكون بينهم الخصومات والأحقاد، بل وحتى القتال والحروب - من أجل الأموال والنساء - لهذا رأيت أن أزيل من بينهم الأسباب التي تؤدي بهم إلى الخلاف والخصام والعداوة والقتال. من أجل هذا يجب أن نزيل الأسباب حتى لا تكون المسببات، ومن العداوة والخصام تكون الحروب بين الناس، من أجل ذلك يجب أن يعيش الناس كلهم في اتفاق وأخوة وسلام.
فشريعته كما رأيناها من خلال دعوته فكرة شيطانية، تفسد المجتمع الذي تطبق فيه، فتفسد أخلاقه وتجعله مجتمعا إباحيا حيوانيا كسولا، لا قيمة له بين الشعوب في الأرض، بل إن شريعته على العكس مما قال، تقوي العداوة بين الناس لا أنها تزيلها وتقضي عليها كما زعم زعيمها.
وقد وجد أصحاب الشهوات البهيمية في هذه الشريعة الإباحية، والكسالى الذين لا يحبون أن يعملون ليكسبوا كما يعمل غيرهم ويكسب، كما وجد
1 / 13
فيها الفجار والفساق - ضالتهم المنشودة - وجد كل هؤلاء بغيتهم وما تشتهيه نفوسهم الخبيثة في هذه الشريعة الخبيثة.
فالرجل لا يتعب نفسه في كسب المال والكد من أجل تحصيله، فالناس يتعبون وهو يجد ما يريد من غير تعب، كذلك لا يكلف نفسه نفقة الزوجة والأولاد، بل يكفيه أن يتبع (مزدك) فكل امرأة تعلقت رغبته بها فهي مباحة له حلال عليه - حسب شريعة مزدك - فكانت دعوته إلى شريعته مقبولة عند السفهاء والفساق والفجار، وعند الكسالى والعاطلين، فانتشرت دعوته بسرعة - لأنها شيطانية - وكثر أتباعه كثرة عظيمة، حتى اضطر ملك البلاد (كسرى) كما يلقب الفرس الساسانيون ملوكهم بهذا اللقب - إلى أتباعه خوفا على ضياع كرسيه، واسم كسرى هذا الذي آمن بـ (مزدك) واتبعه فيما دعا إليه: (قباذ بن فيروز) - بضم القاف، وأجبر على اتباعه لأنه بقي في قلة من أهل الشرف والمروءة والأنفة والحمية، ذلك أن مزدك هدده وتوعده بالخلع عن كرسيه وإبعاده عن العرش الكسروي إذا هو لم يؤمن به ويتبع شريعته، فاتبعه، الملك مضطرا، وذلك سنة (٤٨٨) م وصارت الشريعة المزدكية شريعة الملك - بدخوله فيها وقبوله لها - معترفا بها من قبل القصر الكسروي، فلحق الناس منها عار عظيم لم يمح بقتل مزدك كما سيأتي، بل بقي مكتوبا ومسجلا في التاريخ إلى يوم الناس.
الفصل الثالث: أين نبتت شجرتها؟
ظهر مما ذكر آنفا أن الأرض التي نبتت فيها هذه الشجرة الخبيثة كانت أرض الفرس - بلاد العجم - وسكانها كانوا وثنيين، لهم معبودات شتى من بيوت النار وغيرها، كما كانت لهم شرائع يدينون بها كشريعة (زرادشت) وغيرها، واستمر عملهم بهذه الشرائع أحقابا طويلة إلى أن أنقذهم الله من وثنيتهم تلك بشريعة الإسلام، شريعة التوحيد الخالص، ففتحت أرضهم ودخلها الإسلام في خلافة الفاروق عمر بن الخطاب ﵁، ولا زالت إلى الآن دار إسلام كسائر بلاد الإسلام.
فبعد أن عرفنا شيئا عن هذه النحلة، نرى لزاما علينا أن نأتي هنا بما قاله علماء التاريخ الذين قصوا علينا أخبار هذه الفرقة الضالة، وتتبعوا في جميع مراحلها وأطوارها، كي نزداد بها وبأختها (الاشتراكية) معرفة، ومنها فرارا ويقظة وحذرا.
1 / 14
الباب الثاني
أقوال علماء التاريخ في المزدكية وفي دعوتها
1 / 15
الفصل الأول:
١ - تعريف الشهرستاني لمزدك ونحلته.
جاء في كتاب (الملل والنحل) للشهرستاني عند الكلام على هذه النحلة قوله:
(هو مزدك الذي ظهر في أيام - قباذ والد أنوشروان - ودعا قباذ إلى مذهبه فأجابه، واطلع أنوشروان على خزيه وافترائه فطلبه فوجده فقتله) وجاء فيه أيضا: (وكان مزدك ينهي الناس عن المخالفة والمباغضة والقتال، ولما كان أكثر ذلك إنما يقع بسبب النساء والأموال، فأحل النساء وأباح الأموال، وجعل الناس شركة فيهما كاشتراكهم في الماء والنار والكلاء (١).
٢ - تعريف المسعودي:
ورد في كتاب (مروج الذهب ومعادن الجوهر) للمسعودي عند كلامه على ملوك الفرس قوله: (ثم ملك قباذ بن فيروز، وفي أيامه ظهر (مزدك) الزنديق، وإليه تنسب (المزدكية) وله أخبار مع قباذ، وما أحدثه في العامة من النواميس والحيل، إلى أن قتله أنوشروان في ملكه) وزاد على ما تقدم فقال: (ولما ملك أنوشروان قتل مزدك وأتبعه بثمانين ألفا من أصحابه) (٢) وسيأتي بيان أوسع من هذا يوضح كيف قبل الملك (قباذ) الدخول في مذهبه، وكيف توصل كسرى أنوشروان بن قباذ إلى قتل هذا الزنديق المفسد.
_________
(١) الملل والنحل ج ٢ ص ٦٩ طبع صبيح.
(٢) مروج الذهب ج ١ ص ٢٦٣ - ٢٦٤ طبع السعادة.
1 / 17
معنى أنوشروان:
ولما قتل كسرى أنوشروان (مزدك) وأراح منه ومن شره البلاد والعباد، اجتمع الكهان وخلعوا على الملك هذا اللقب (أنوشروان) شكرا له وتقديرا لما فعل بمزدك وجماعته المفسدين في الأرض، ومن ذلك الوقت صار يدعى (كسرى أنوشروان) ومعناه بالعربية - الروح الخالدة، أو مجدد الملك - لأنه أعاد للأمة الفارسية - ذات الحضارة القديمة - ما كانت أضاعته من أراضيها في أيام الملوك المتقدمين عليه، فجمع ملكها الكبير بعد شتات استمر أزمانا.
٣ - ما قاله المؤرخ الطبري:
وذكر المؤرخ الطبري - مبينا دعوة مزدك - ما يلي: (قال مزدك وأصحابه إن الله إنما جعل الأرزاق في الأرض ليقسمها العباد بينهم بالتآسي، ولكن الناس تظالموا فيها، وزعموا - يقصد مزدك وجماعته - أنهم يأخذون للفقراء من الأغنياء، ويردون من المكثرين على المقلين، وأنه من كان عنده فضل من الأموال والنساء والأمتعة فليس هو بأولى به من غيره، فافترص السفلة (١) ذلك واغتنموه، وكانفوا (٢) مزدك وأصحابه وشايعوهم، فابتلي الناس بهم وقوي أمرهم، حتى كانوا يدخلون على الرجل في داره فيغلبونه على منزله، ونسائه، وأمواله، لا يستطيع الامتناع منهم، وحملوا قباذ على ذلك، وتوعدوه بخلعه، فلم يلبثوا إلا قليلا حتى صاروا لا يعرف الرجل منهم ولده، ولا المولود أباه، ولا يملك الرجل شيئا مما يتسع به، وصيروا قباذ في مكان لا يصل إليه أحد سواهم) (٣).
وهكذا في كل زمان ومكان من قديم الزمان إلى يومنا هذا، إذا أحاطت حاشية السوء والفساق بالملوك - ومن كان في منزلتهم - فإنهم يحولون
_________
(١) السفلة: بفتح السين وكسر التاء وفتح السلام، أو بكسر السين وسكون الفاء وفتح السلام هم: شرار الناس وأراذلهم، وجدوا في دعوة مزدك فرصة لهم فاغتنموها.
(٢) المكاتفة: المعاونة.
(٣) تاريخ الرسل والملوك ج ٢ ص ٩٢ - ٩٣ - طبع المعارف.
1 / 18
بينهم وبين ذوي الحاجات من عامة الناس، فلا يصل إليهم مظلوم ليرفع ظلامته إليهم كي ينصفوه من ظالمه.
٤ - تعريف صاحب المنجد في الأدب والعلوم لمزدك:
جاء في منجد العلوم ما يلي: (مزدق رجل إيراني، دعا إلى مذهب غايته نزع الخلاف بين الناس، بجعل الحق في الأموال والنساء مشاعا بينهم، قد نجح سعيه على أيام الملك (قباذ) (٤٨٨ - ٥٣١) مات قتيلا) (١).
كيف اتبع الملك قباذ مزدك؟ ولماذا؟
فقباذ لم يستجب لـ (مزدك) وجماعته إلا بعد أن توعده وهدده بخلعه وإزالته عن عرشه وكرسيه إذا هو لم يتبعهم ويتركهم يعبثون بأموال الناس ونسائهم كما يشاؤون ويبتغون، فقبل - مكرها - واتبعهم على مذهبهم، وبهذا صار المذهب المزدكي مذهب الملك (كسرى) فاكتسب بذلك قوة، وهكذا قوي الباطل باتباع أهل الرأي الصائب له، ولكن إلى حين.
نعود مرة أخرى إلى المؤرخ ابن جرير الطبري، فنجده ذكر في مكان آخر من تاريخه نبذة من أقوال وأفعال هذا الزنديق الذي نشر الفساد والعار في الأرض، فقال: (وكان مما أمر به الناس وزينه لهم وحثهم عليه:
التآسي (٢) في أموالهم وأهليهم، وذكر أن ذلك من البر الذي يرضاه الله ويثيب عليه أحسن الثواب، وإنه لو لم يكن الذي أمرهم به وحثهم عليه من الدين كان مكرمة في الفعال، ورضا في التفاوض، فحض بذلك السفلة على العلية، واختلط له أجناس اللؤماء بعناصر الكرماء، وسهل السبيل للغصبة إلى الغصب، وللظلمة إلى الظلم، وللعهار إلى قضاء نهمتهم، والوصول إلى الكرائم اللائي لم يكونوا يطمعون فيهن، وشمل الناس بلاء عظيم لم يكن لهم عهد بمثله (٣).
فقد رأينا من خلال هذا التوضيح، أن الفاحشة وانتهاك الحرمات والاعتداء
_________
(١) المنجد في الأدب والعلوم ص ٤٩٣.
(٢) التآسي المواساة والتعاون.
(٣) تاريخ الطبري ج ٢ ص ٩٩ طبع المعارف.
1 / 19
على كرامة وحرمة الحرائر المصونات، هذا كله يعد قربة وطاعة لله في المذهب المزدكي الشيطاني!!! يا لها من وقاحة وبهتان.
فإذا كانت الفواحش قربة وطاعة فهي - في الحقيقة - للشيطان، فهو الذي يأمر أتباعه بالفواحش ويزينها لهم، ويدعوهم إليها، أما الخالق الحكيم مرسل الرسل الصادقين بالشرائع السماوية الطاهرة حاملة معها قوانين إصلاح البشر وإسعادهم، مبينة لهم الحدود التي لا يجوز للإنسان أن يتعداها ويجاوزها إلى ما وراءها - قلنا أما الخالق الحكيم فحاشاه أن يأمر بالفواحش أو يثيب عليها وهو القائل: ﴿قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ (١).
٥ - ما قاله ابن النديم في المزدكية والخرمية:
وهذا ابن النديم يقص علينا في كتابه "الفهرست" عن محمد بن إسحاق من خبر هذا الشيطان المارد ودعوته الخبيثة الفاسدة المفسدة للمجتمع وأخلاقه - تحت عنوان "مذهب الخرمية والمزدكية" - ما يلي: (وهؤلاء أهل مجوس في الأصل، ثم حدث مذهبهم، وهم ممن يعرف بـ "اللقطية"، وصاحبهم مزدك القديم، أمرهم بتناول اللذات والانعكاف على بلوغ الشهوات، والأكل والشرب والمواساة، والاختلاط وترك الاستبداد بعضهم على بعض، ولهم مشاركة في الحرم والأهل، لا يمتنع الواحد منهم من حرمة الآخر، ولا يمنعه، ومع هذه الحال فيرون أفعال الخير، وترك القتل، وإدخال الآلام على النفوس، ولهم مذهب في الضيافات ليس هو لأحد من الأمم، إذا أضافوا الإنسان لم يمنعوه من شيء يلتمسه كائنا ما كان، وعلى هذا المذهب (مزدك الأخير) الذي ظهر في أيام قباذ بن فيروز، وقتله أنوشروان وقتل أصحابه، وخبره مشهور معروف (٢).
فالمفهوم مما ذكره ابن النديم أن اسم مزدك سمي به رجلان، أولهما مزدك القديم والثاني مزدك هذا الذي ظهر في أيام الملك (قباذ بن فيروز) والذي قتله أنوشروان بن قباذ عندما ورث عرش أبيه، وسيمر بنا قريبا - إن شاء الله -
_________
(١) الآية ٢٨ من سورة الأعراف.
(٢) الفهرست ص ٤٩٣ طبع الاستقامة.
1 / 20
زيادة بيان لهذه النقطة، أما دعوتهما فواحدة في هدفها وما ترمي إليه، لم تختلف حسبما أوضحه المؤرخون.
ما هي الخرمية؟
أما الخرمية (١) التي جاءت في عنوان ابن النديم مع المزدكية فقد بينها وأوضح أهدافها الكثيرون ممن كتبوا عن الطوائف والفرق، ونكتفي هنا بما ذكره العالم المستشرق الألماني (يوليوس فلهوزن)، وهو باحث محقق في التاريخ العربي واليهودي والمسيحي، لأنه كان ابن قسيس، وقد درس المسيحية وأجيز فيها.
٦ - ما قاله (فلهوزن) في الخرمية والمزدكية:
قال: (أما الخرمية فلم تكن حزبا، بل كانت نزعة إباحية عامة وكان الخرمية - كما يزعمون - لا يرضون عما في الإسلام من نزعة يهودية، أعني أنهم كانوا يعترضون على روح التطهر والتشدد الحزينة في ذلك، فكانوا يريدون أن يجعلوا للطبيعة وللمرح مكانهما في الدين، وهم في ذلك يصلون مذهبهم بالديانة الوثنية التي كانت في بلاد العجم من قبل، ويجوز أنهم كانوا إلى جانب ذلك متأثرين بمبادئ اجتماعية، كانت تلائم ما يطمح إليه الموالي أحسن ملاءمة، ويروى أن الخرمية، والراوندية، قد جددوا الدعوة إلى الشيوعية في النساء، وهي الشيوعية التي كان مزدك قد دعا إليها من قبل) (٢).
فقد اتضح من هذا الرأي الذي أبداه العالم الألماني (يوليوس فلهوزن) أمران: ١) أن الشيوعية متفقة مع الخرمية في مقاصدها وأهدافها
_________
(١) الخرمية بضم الخاء وفتح الراء المشددة وكسر الميم: نسبة إلى خرمة، قال صاحب القاموس: خرمة كسكرة بلدة بفارس ومنها بابك الخرمي، وتخرم دان بدين الخرمية لأصحاب التناسخ والإباحة، وقال ياقوت في معجم البلدان: الخرمية قيل أنه اسم بلدة قرب أردبيل، وإليها ينسب بابك الخرمي، وقيل فارسي معناه: الذين يتبعون الشهوات ويستبيحونها، وهذا يلائم فيها ما قاله (فلهوزن).
(٢) عن كتاب: (تاريخ الدولة العربية) ليوليوس فلهوزن ص ٤٨٨.
1 / 21
وهي الشيوعية في النساء، - ٢ - أن الخرمية - أخت للشيوعية. وهما لا يحبان التطهر والتدين، ويريدان أن يجعلا للطبيعة وللمرح مكانهما في الدين، ومن أجل هذا رأينا في البلاد الاشتراكية والشيوعية عناية كبرى بالغناء والرقص بجميع أصنافهما، وصارت الأموال تنفق عليهما من خزينة الدولة بغير حساب مع مسيس الحاجة إلى تلك الأموال لصرفها في المشاريع المفيدة للأمة، فهذه الفرق - الفنية - الكثيرة يؤتى بها من كل مكان لتقيم الحفلات الساهرة في الليالي العديدة، في المناسبات وفي غير المناسبات - تطبيقا وعملا بهذا المبدأ الذي أشار إليه العالم الألماني - وصار للفن الماجن الخليع انتشار كبير مذهل، وصاروا يلقبون صاحب المجون حامل رسالة، وللفن الفاجر رسالة .. فإن كان الفن الخليع رسالة، وحامله رسولا، فذلك للشيطان، كما صار لهذا الفن، مكانته في وزارات الأخبار والثقافة، وصارت كلمة - الثقافة - تطلق على الرقص والمجون، وما ينشأ عنهما، والأمة في حاجة أكيدة إلى المدارس والجامعات والمستشفيات والمساكن وغير هذا من المشاريع الهامة والنافعة لأبناء الأمة المحرومين من كثير من وسائل الحياة الكريمة.
فالمال الذي ينفق على جلب فرق الرقص والغناء الخليع والماجن ربما يفوق - كثرة - أو يساوي ما ينفق على جلب العلماء لتعليم أبناء الأمة ما يعود عليهم بالنفع والفائدة، من شتى أصناف العلوم والصناعات جاء في المثل العربي (خَرْقَاءُ وَجَدَتْ صُوفًا).
وقد رآى النظارة بواسطة التلفزة الجزائرية - في أيام أسبوع العلم - الذي يقام - عادة - بمناسبة ذكرى وفاة العالم الكبير، والمصلح الجزائري الشيخ (عبد الحميد ابن باديس) - نعمه الله بنعيمه الدائم - الذي لا يستطيع أحد أن ينكر علمه وفضله وورعه وصلاحه وطهارة نفسه، والذي بذل كل جهوده وطاقاته في سبيل بعث الأمة الجزائرية من جديد - وقد أنجح الله جهوده - بواسطة علمه وتقواه لربه وإخلاصه في عمله - أقول رآى النظارة في أسابيع العلم تلك ما يمجه الذوق السليم، وينكره الضمير الحي، وينبذه العقل الواعي، وخاصة في أسبوع هذه السنة - من ١٦ أفريل ١٩٧٣ إلى ٢٢ منه، فقد مر الأسبوع معظمه - إن لم نقل كله - بسهراته في الرقص الخليع، بل شاهد
1 / 22