Смерть уважаемого министра
موت معالي الوزير سابقا
Жанры
حرك جسده قليلا في المقعد وكأنما يهم بالوقوف، لكنه ظل جالسا إلا أن رأسه كان لا يزال يتحرك، وعيناه تنتقلان من وجه إلى وجه، وكأنما يود لو تعرف عليه أحد. وتخلل التصفيق صوت القاضي الغاضب ودقات مطرقته السريعة الحادة فوق المائدة، ثم ما لبث أن انسحب القاضي ومن معه إلى حجرة المداولة. ودب الصمت من جديد في القاعة، صمت طويل رهيب، التقطت أذناه خلاله بعض الهمسات الخافتة: سيطبخون القضية في حجرة المداولة، هذه هي عادتهم، لا يوجد عندنا قضاء أو عدالة، سيعلنون بعد قليل أن الجلسة العلنية انتهت، إنها بطلة - ولا شك - لتظل حية حتى اليوم. تصور هذه الفتاة الصغيرة الجالسة هناك في قفص الاتهام تسبب كل هذا الهلع للحكومة. هل تعرف كيف عذبوها؟ انتهك جسدها عشرة رجال واحدا وراء الآخر، داسوا على شرفها وشرف أبيها بالأحذية. مسكين أبوها! هل تعرفه؟ يقولون: إنه مريض في الفراش، ربما لم يعد قادرا على مواجهة الناس بعد أن انتهكوا شرفه.
في هذه اللحظة ارتفعت يداه لتضغطا على أذنيه حتى لا يسمع، وتضغطا على رأسه حتى يدخل رأسه داخل صدره، وتضغطا أكثر وأكثر ليدخل جسده داخل المقعد أو تحت المقعد أو تحت الأرض. يريد أن يتلاشى، ألا يراه أحد أو يعرفه أحد. إن اسمه ليس الفرجاني ولا الشرقاوي ولا الزفتاوي ولا أي شيء. ليس له اسم وليس له وجود؛ فماذا يبقى للرجل منا بعد أن ينتهك شرفه؟ وقد قلت لها مرارا: يا ابنتي السياسة ليست مجال النساء ولا البنات لكنها لم تسمع كلامي، لو كانت رجلا ما كنت أتعذب كما أتعذب الآن، وما كان باستطاعة كلب منهم أن يمس شرفي وعرضي، الموت أفضل لي ولها الآن.
لا زال الصمت يخيم فوق القاعة، ولا زال القاضي وحاشيته لم يظهروا بعد، وعيناها لا تزالان تفتشان في محاولة للرؤية، تبحثان عن وجه بين الوجوه، عن عينين تعرفهما، عن كثافة من الشعر الأبيض بلون لبن الأطفال، لكن كل ما تراه ليس إلا دوائر ومربعات سوداء وبيضاء متداخلة ومتحركة على الدوام. أيمكن أن تتغيبي يا أمي؟ وأبي ألا زال مريضا؟ أنفها أيضا يتحرك هنا وهناك باحثا عن الرائحة المألوفة، عن رائحة الصدر الدافئ المليء باللبن، ورائحة الشمس ورذاذ المطر فوق العشب، لكن أنفها أصبح عاجزا أيضا عن التقاط الرائحة. كل ما يستطيع أن يلتقط هو رائحة جسدها المكوم فوق المقعد، وذلك الجرح النازف بين ساقيها، رائحة الصديد والدم، وأنفاس عطنة وعرق عفن لعشرة رجال، لا تزال آثار أظافرهم فوق جسدها، وأصواتهم البذيئة وبصقاتهم وصوت مخاطهم، وأحدهم يقول لها وهو جاثم فوقها: هذه هي طريقتنا لتعذيب النساء؛ أن ننتهك أعز ما يملكن. كان جسدها من تحته باردا كالجثة، لكنها استطاعت أن تفتح فمها وتقول له: يا غبي، إن أعز ما أملكه ليس بين ساقي! كلكم أغبياء! وأكثركم غباء هو كبيركم.
مدت عنقها لترفع رأسها وتشق الضباب بعينيها الضعيفتين، الرءوس الكثيرة لا تزال متلاصقة، وعيناها لا تزالان تجاهدان. لو استطاعت أن ترى أمها لحظة أو أباها أو حتى أختها الصغيرة لقالت لهم شيئا غريبا، لقالت لهم إنهم كفوا عن استخدام هذه الوسيلة من التعذيب حين اكتشفوا أنها لم تكن لتعذبها، وبدءوا يبحثون عن وسائل أخرى.
في حجرة المداولة المجاورة للقاعة، كان القاضي وأعوانه لا زالوا مجتمعين، يتداولون الأمر، ماذا يفعلون الآن وقد صفق الجمع للمتهمة، وبدأ القاضي يوجه الاتهام بدوره: - نحن لا نلقي عليك الاتهام يا أستاذ، ولكنك سببت لنا الحرج جميعا، وعلى رأي المثل حاولت أن تكحلها فعميتها، كيف تقول يا أستاذ عنه - حفظه الله وأدامه على رأس هذه الأمة الكريمة مدى الحياة - إنه غبي! - حاشا لله يا سيدي، أنا لم أقل ذلك، ولكني قلت إنها هي التي قالت إنه غبي. - ألا تعرف يا أستاذ المثل الذي يقول ما شتمك إلا من بلغك؟ فأنت قد أعلنت على الملأ أنه غبي. - أنا لم أعلن ذلك يا سيدي، أنا رددت ما قالته المتهمة لأثبت عليها التهمة، وهذه هي وظيفتي بالتحديد. - هي وظيفتك يا أستاذ، نحن نعرف ذلك، ولكن كان يجب أن تكون أكثر ذكاء وأكثر كياسة من ذلك. - لا أفهم شيئا. - ألم تر كيف صفق الناس لها؟ - وما ذنبي أنا؟ - ألا تعرف لماذا صفقوا؟ - لا أدري. - لأنك قلت في العلانية ما يقال في الخفاء؛ فأصبح وكأنما يقرر حقيقة بدلا من أن يثبت تهمة. - وماذا كنت أفعل غير ذلك يا سيدي؟ - كان يمكن أن تقول إنها سبت الذات العليا دون أن تقول ماذا قالت بالضبط. - وإذا سئلت عن أنواع هذا السباب؟ - لم يكن أحد ليسألك، لكنك تطوعت بالإجابة دون أن يسألك أحد، وكأنك انتهزت الفرصة لتقول بصوت عال وعلى لسانها ما تريد أن تقوله أنت، أو ربما ما قلته لنفسك في الخفاء. - أنا يا سيدي؟ أيمكن أن تتهمني بهذا الشكل؟! أنا أديت واجبي كما تمليه علي وظيفتي، ولا يستطيع أحد أن يتهمني بشيء، ربما كنت «غبيا» لكني لم أكن بأي حال «سيئ النية». - لكن «الغباء» أحيانا قد يكون أسوأ من «سوء النية»، ألا تعرف أن «الغباء» أسوأ صفة يمكن أن يوصف بها رجل، فما بالك إذا كان رجلا كهذا الرجل؟ إنه يفضل أن يكون ماكرا كاذبا لئيما داهية بل لصا أو خائنا، أما أن يكون «غبيا»؟! الغباء معناه أنه «لا يفكر»، أي إنه بغير عقل؛ أي حيوان، وهذه أسوأ صفة يمكن أن يوصف بها رجل عادي، فما بالك إذا كان حاكما؟! وأنت لا تعرف الحكام يا أستاذ، أنا أعرفهم جيدا، إن الواحد منهم يتصور أن عقله أفضل من عقل أي رجل آخر، إنه ليس تصورا فحسب لكنه إيمان أعمى كالإيمان بالله، ومن أجل هذا الوهم يمكن أن يقتل الآلاف. - لم أكن أعرف هذا يا سيدي، وكيف أنقذ نفسي من هذا المأزق؟ - لا أدري لماذا بدأت بصفة الغباء يا أستاذ، مع أنك لو قرأت كل أقوالها لوجدت أنها نسبت إليه صفات أخرى أقل بشاعة. - وما هي هذه الصفات يا سيدي؟ أرجوا أن تساعدني في انتقاء بعض منها حسب خبرتك، إني لا أريد أن أخرج من هنا متهما بعد أن دخلت في الصباح لأوجه الاتهام. - ولكن مثل هذه الصفات يا أستاذ لا يمكن أن تقال هكذا في العلانية، لا بد أن تكون الجلسة سرية، إن أي صفة مهما كانت أقل بشاعة فسوف يكون لها صدى داخل النفوس إذا ذكرت في العلن؛ ومن أجل هذا وجدت الجلسات السرية يا أستاذ، إن أمورا كثيرة تغيب عن ذهنك، ويبدو لي أنك قليل الخبرة بالقانون.
بعد لحظات قليلة، دب صوت حاد في القاعة، وأخليت القاعة تماما، أما هي فقد ساقوها إلى حيث كانت من قبل.
Неизвестная страница