بحبل الله متعاونون على طاعة الله.
فاعرف كلا من الفريقين بشواهد الأحوال والأعمال، واستشهد على كل من الفريقين بصريح القرآن وصحيح الأخبار، واستدع بكتب العلماء المحققين العدول الأخيار، فإن البهرج لا يميزه إلا أولو البصائر والاستبصار؛ ومن لم يميز الناس بتمييز الله لهم عظمت مصيبته ودامت حسرته.
امتحان الله الناس في الفتن للتمييز بينهم
فإن الله- وله الحمد- أجرى العادة بمقتضى الحكمة البالغة أن يبتلي عباده بوقوع الفتن ليميز الصادق من الكاذب والمؤمن من المنافق، بما يضمرونه ويظهرونه من ترك طاعته والعمل بمعصيته، ومن هو بخلاف ذلك ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى﴾ ١. قال الله تعالى:؟ ﴿الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ ٢ إلى قوله: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ﴾ ٣ – إلى آخر السياق-.
وقال تعالى: ﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ ٤. وقال تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ ٥.
وقد بلا الله أخبار الناس بما جرى في هذه الأعوام وميز بها من قاتل أهل الإسلام وسبهم، ممن والاهم وأحبهم، والله يعلم أنا لم نرد بهذا تشيين أحد أو عداوته، ولكنا تأثمنا من كتمان العلم، ورغبنا في إرشاد العباد إلى طاعة ربهم ومعبودهم، لما ابتُلينا بأناس من أهل نجد يقولون على الله بلا علم، ويتكلمون في أشياء من غير رواية ولا فهم.
فكان الواجب على من منحه الله علما أن ينشر منه ما تيسر وقت الاحتياج إليه، وخصوصا في هذه الأزمنة لما قل العلم وكثر الجهل وغلبت الأهواء اشتغل الناس فيه بمحبة دنياهم، وإيثارها على طاعة مولاهم والعمل لأخراهم
_________
١ سورة النجم آية: ٣١.
٢ سورة العنكبوت آية: ١: ٣.
٣ سورة العنكبوت آية: ١٠.
٤ سورة آل عمران آية: ١٧٩.
٥ سورة التوبة آية: ١٦.
1 / 308