موقف الشوكاني في تفسيره من المناسبات
موقف الشوكاني في تفسيره من المناسبات
Жанры
فعلى فرض صحة الحديث فإن عبد الله بن عباس ﵄ لم يعترض على ترتيبهما في المصحف، وإنما يتساءل عن الحكمة في الإقران بينهما وجعلهما كسورة واحدة واعتبارهما في السبع الطوال، علما بأن الأنفال من المثاني وبراءة من المئين.
ولقد رد عثمان ﵁ ببيان أن ترتيب المصحف وفق الترتيب التوقيفي الذي تعلمه الصحابة من رسول الله ﷺ، لا مجال للاجتهاد في ذلك، وإنما قرن بينهما عثمان واعتبرهما كسورة واحدة لما بينهما من التشابه في الموضوع والهدف مع أن الأنفال من أول ما نزل في المدينة، والتوبة من آخر ما نزل، لكن العبرة ليست بترتيب النزول؛ من ثم لم يقرن بينهما بالبسملة واعتبرهما كوحدة واحدة أو كسورة واحدة بها ينتهي قسم الطوال. ويؤيد هذا ما رواه النحاس في الناسخ والمنسوخ عن عثمان ﵁ -قال: " كانت الأنفال وبراءة يدعيان في زمن رسول الله ﷺ القرينتين، فلذلك جعلتهما في السبع الطوال " (١) يعني عدهما كسورة واحدة تنتهي بها السبع الطوال.
فليس في الحديث ما يشير إلى أن عثمان ﵁ هو الذي رتبهما في المصحف أو أنه أدمج بينهما فجعلهما سورة واحدة، ولو كانت الأنفال والتوبة سورة واحدة لكان لهما اسم واحد ولكان عدد السور القرآنية ١١٣ سورة، لكن الأمة مجمعة على أن عدد السور ١١٤، وأن لكل منهما اسما مستقلا٠
وإنما لم تستهل سورة براءة بالبسملة لما ورد في أولها من البراء والوعيد للمشركين؛ فلم تبدأ بالبسملة المتضمنة للرحمة لأن المقام لا يناسبه الحديث عن الرحمة.
قال الطيبي: " دل هذا الكلام على أنهما نزلتا منزلة سورة واحدة وكمل السبع الطول بها ثم قيل السبع الطول هي البقرة وبراءة وما بينهما " (٢)
_________
(١) - الناسخ والنسوخ لأبي حعفر النحاس حديث ٥٥٢-٢/٣٩٧
(٢) - تحفة الأحوذي ٨/ ٣٨١..
1 / 32