فإن قال : فما إكذابك لمن زعم أنه لم يزل ساكنا في الأزل (¬1) . ؟ فقل : لا يخلو السكون من منزلة واحدة ولا يخرج منها إلى غيرها ولا يكون السكون من الساكن لا في مكان وهو المعقول، فلما كان لا يعقل السكون إلا في مكان فسد أن يكون ساكنا في الأزل لأن ذلك الساكن والمكان والسكون قديما لم يزل فتفسد الوحدانية. ولا يمكن أن يكون قديم خالقا ، وقديم لا خالقا، لأنا لا نجد محدثا مخلوقا ومحدثا لا مخلوقا (¬2) .
¬__________
(¬1) - يريد ما الدلالة على كذبه وباطل قوله ، وقد زعم فريق من المشبهة بأن الله - عز وجل - لم يزل ساكنا في الأزل ، فلما أحدث الأشياء تحرك ، فزعموا أن الإرادة منه حركة جل جلاله عما يقولون علوا كبيرا . والسكون هو الإقامة في المكان ، كما أن الحركة هي الضعن على المكان . فأجابه بأن وجود السكون يقتضي وجود ثلاثة أشياء : سكونا وساكنا ومكانا .
(¬2) - ومعناه أنه ليس يكون قديم غير خالق كما لا يكون خالق غير قديم . وذلك أن الخالق للأشياء المحدث لها لو كان غير قديم كان محدثا مثلها ، فإذا كان محدثا لزمه من حاجة إلى محدث يحدثه ما لزم المحدث الأول ، وللزم مثل ذلك في الثاني والثالث والرابع والخامس إلى ما لانهاية . ولذا بطل أن يكون قديم غير خالق، لأنه لو كان غير خالق وغير فاعل، لوجب أن يكون مخلوقا ومفعولا لاستحالة وجود شيء من الأشياء ،لم يكن فعلا ولا فاعلا . فإذا ثبت بالدليل كون الشيء قديما فخرج من حد الحدث والفعل ثبت لذلك أنه خالق فاعل لهذا الوجه . فقولنا في شيء أنه مخلوق يقتضي حدوثه لأن لفظة المخلوق تحتوي على الحدث وتوجبه لأنه لا يتفق في معنى من المعاني ولا في فعل من الأفعال أن يكون شيء من الأشياء مخلوقا ومفعولا، وهو غير محدث . وكذلك المحدث لا يكون إلا مخلوقا مفعولا لحاجة المحدث إلى محدث يحدثه وفاعل يفعله .
Страница 18