وحذرهم من المدن التي يدخلونها أن يدعوهم اللئام إلى عبادة أربابها: «فضربا تضرب سكان تلك المدينة بحد السيف، وتحرسها بكل ما فيها مع بهائمها بحد السيف.»
وإذا سمع عن أحد من إسرائيل «أنه يذهب ويعبد آلهة أخرى، ويسجد لها أو للشمس والقمر، أو لكل من جند السماء ... فأخرج ذلك الرجل أو تلك المرأة وارجمه بالحجارة حتى يموت». •••
ولا تتغير هذه الحقيقة بما يقال - تأييدا أو تفنيدا - لنسبة الكتب الخمسة الأولى من العهد القديم إلى موسى - عليه السلام - أو نسبة بعضها إليه، وبعضها إلى الأنبياء من تلاميذه وتابعيه، فإن أنبياء بني إسرائيل جميعا من عهد موسى إلى مبعث عيسى - عليه السلام - لم تكن لهم من مهمة غير هذه المهمة، وهي تحذير بني إسرائيل من عبادة إله غير الإله الذي دعاهم إليه صاحب الشعيرة، وتبكيتهم كلما انحرفوا عن طريقه، واستبدلوا بملته ملة أرباب آخرين.
وهؤلاء إلياس وأرميا وحزقيل من أشد النعاة على بني إسرائيل في هذا الأمر، لم يتجرد أحدهم لرسالة غير هذه الرسالة، ولم يكن هم إلياس إلا أن يحذرهم عاقبة «إغاظة الرب»؛ إذ كان عمري قد ملك على إسرائيل، «وعمل الشر في عيني الرب، وبلغت سيئاته أضعاف سيئات من قبله، وسار في جميع طريق يربعام بن نباط، وفي خطيئته التي جعل بها إسرائيل تخطئ لإغاظة الرب بأباطيلهم، وملك آخاب بن عمري فاتخذ ابنة ملك الصيدونيين زوجة، وسار وعبد البعل وسجد له، وأقام مذبحا له في بيت البعل الذي بناه في السامرة».
ولم تكن رسالة أرميا إلا كهذه الرسالة؛ حيث أنذرهم في بعض مراثيه قائلا: ... إنكم تبخرون للبعل وتسيرون وراء آلهة أخرى لم تعرفوها ... الأبناء يلتقطون حطبا، والآباء يوقدون النار، والنساء يعجن العجين ليصنعن كعكا لملكة السماوات ؛ ولسكب السكائب لآلهة أخرى كي يغيظوني ...
ويمضي النبي منذرا متوعدا ناعيا على عشائرهم جميعا:
إنهم أبوا أن يسمعوا كلامي، وذهبوا وراء آلهة أخرى ليعبدوها، ونقض بيت يهودا وبيت إسرائيل عهدي الذي قطعته مع آبائهم.
ومثل هذا الوعيد يسمع من كتاب حزقيل؛ حيث يقول لشيوخ إسرائيل: «إنني آخذ بيت إسرائيل بقلوبهم؛ لأنهم كلهم قد ارتدوا عني بأصنامهم، وإن كل إنسان من بيت إسرائيل، أو من الغرباء المغتربين في إسرائيل يرتد عني، ويصعد أصنامه إلى قلبه، ويجيء إلى النبي ليسأله عني؛ فإني أنا الرب أجيبه بنفسي، وأجعل وحيي ضد ذلك الإنسان، وأجعله آية ومثلا، وأستأصله من وسط شعبي، فإذا ضل النبي وتكلم كلاما، فأنا الرب قد أضللت ذلك النبي، وسأمد يدي عليه وأبيده من وسط شعبي إسرائيل ...»
فشعب بني إسرائيل لم يستغن قط عن الإقناع المتتابع للإيمان بالإله الواحد، الذي دعاهم إليه موسى - عليه السلام - ولم يتحرك من مصر فرارا بعقيدته، بل كانت هذه العقيدة هي وسيلة الإقناع لحمله على النجاة بنفسه من عواقب البقاء حيث طاب له البقاء، ولم يزل في الطريق يحتاج إلى تجديد هذا الإقناع في كل مرحلة، ويحن إلى العودة بعد كل نقلة، وظل كذلك بعد انتهاء أيام التيه وإيوائه إلى القرار عند أرض كنعان. •••
ونشأة موسى التي عرفناها من مصدرها، الذي لا مصدر لنا غيره، هي التي تطابق بين هذه النشأة وبين الرسالة الموسوية، كما وضحت من الكتب المنسوبة إلى موسى، والكتب التي نسبت إلى الأنبياء من بعده. فخلاصة هذه النشأة أن كليم الله تربى في مصر، وخرج منها خفية بعد مقتل المصري الذي صرعه موسى انتصارا لرجل من بني إسرائيل، ولم يكن خاطر الخروج ببني إسرائيل قد خطر له أو لأحد من ذوي الزعامة بين عشائر قومه، ولكنه عاش في البرية إلى جوار الهداية النبوية في أرض مدين، وراض نفسه على حياة النسك والاستلهام وهو يفكر في أسرته وقومه، ويزور الأرض من حوله.
Неизвестная страница