في التوراة عن عالمين من أكبر علماء التاريخ العبري؛ وهما: هولشر
Holscher
وشميدت
Schmidt ، فإنهما يرجحان أن كلمة النبوة مما استفاده العبريون من أهل كنعان بعد وفودهم على فلسطين.
النبوة والجنون
عرف الأقدمون من العرب والعبريين كلمة النبوة قبل بعثة موسى - عليه السلام - ولكنها لم ترتفع بينهم إلى مكانتها الجليلة التي نعهدها اليوم دفعة واحدة، وغبر عليهم دهر طويل وهم يخلطون بينها وبين كل علاقة بالغيب، وينتظرون منها الكذب كما ينتظرون منها الصدق، شأنها في ذلك كشأن غيرها من الدلالات على المجهول.
فخلطوا بينها وبين الجنون، كما خلطوا بينها وبين السحر والكهانة والتنجيم والشعر، وأضعف من شأن النبوة عند بني إسرائيل خاصة أن الأنبياء بينهم كثروا، وتعددت نبوءاتهم في وقت واحد فتناقضوا، وأشار بعضهم بما ينهي عنه الآخرون، فأصبح الأنبياء عندهم فريقين يتشابهون في المسلك والمظهر، ويختلفون بالصدق والكذب، ولا سبيل إلى معرفة الصادق والكاذب بغير امتحان الحوادث التي تأتي أحيانا بعد نسيان ما تقدم من النبوءات.
وغلبت عليهم في مبدأ الأمر عقيدة شائعة بذهول النبي وغيابه عن الوعي في جميع أيامه، وفي الأيام التي يملكه فيها الوجد الإلهي على الخصوص، كأنهم يرون أن الغيبوبة والاتصال بالغيب شيء واحد، وكأنهم يحسبون أن الانقطاع عن شواغل الدنيا آية على صدق النبي، وإقباله بجملته على الله.
ويؤخذ من سفر صمويل الأول أن المتنبئين كانوا يظهرون جماعات جماعات؛ «إذ أرسل شاول رسلا لأخذ داود، فرأوا جماعة الأنبياء يتنبئون وشاول واقف بينهم رئيسا عليهم، فهبط روح الله على رسل شاول، فتنبئوا هم أيضا، وأرسل غيرهم فتنبأ هؤلاء، فخلع هو أيضا ثيابه، وتنبأ هو أيضا أمام صمويل، وانطرح عاريا ذلك النهار كله وكل الليل».
ومن لم تملكه حالة الوجد برياضة النفس على الخشونة والشظف وتعريض جسده لحرارة الشمس وبرد الليل، فقد يستعين على اكتسابها بالسماع والجولان، وينتقل بهذه الوسيلة إلى النشوة أو الغيبوبة، فينطلق لسانه بالنبوءات والرموز، ويستخلص منها السامعون تفسيرها بما جرت عليه عادتهم من التأويل والتخريج.
Неизвестная страница