Матлак Будур
مطلع البدور ومجمع البحور
فاستنار بالقاضي - أبقاه الله -(1) أبراقها، وتدلت من رياض عدلها غصونها وأوراقها، فهو الآن عذيقها المرجب، وجذيلها المحكك، يصدق لي ما رأيته في المنام، في سابقات من الأيام، وهي أني رأيت سيد الجميع إمام المسلمين المتوكل على الله رب العالمين - حفظه الله - يستخلص فضة من معدن، والقاضي أيده الله تعالى يسبك تلك الفضة ويصفيها، ويتمم محاسنها ويوفيها، رأيتها قبل أن يكون لمجلس الإمامة حلسا ولجسم وزارتها نفسا، فهو الآن مدره الحضرة، وعمدة تلك الأسرة، وكان مولده - أيده الله تعالى- في ثاني شهر شعبان سنة سبع وألف، وتولى تربيته والده سعد الدين، علامة الإسلام وفخر المسلمين، فغذاه بعلومه النافعة، وأفعم صدره بالحكم الجامعة، كان والده العالم الرباني، نسيج وحده في العالم الإنساني، أعاد الله من بركته ورحمه، وأخذ عن عمه عبادة الزمان، وعلامة الأوان، حواري أهل بيت النبوءة الأخيار (وواسطة عقد العلماء الأحبار)(2) علي بن الحسين بن محمد المسوري، - رضوان الله عليه - فاستمرأ من علومه سحائب، واستثمر من رياض علمه الغرائب ثمار الرغائب، ولقي مع ذلك عدة من الشيوخ الجلة، وثافن بركبتيه البراجمة الأدلة، حتى سبق في العلوم وحده، وميزته نقطة البيكار بالوحدة، ودرس عليه العلماء النبلاء، وتخرج عليه الكملاء الفضلاء، وتجمل بين يديه الأحبار بتجمل المحابر حتى لحق الأصاغر منهم بالأكابر، ولا جرم(3) أنه الحافظ للجواهر، وكان غيره حاطب ليل، وأنه أحد الكملة الذين لمح إليهم أمير المؤمنين - صلوات الله عليه - في كلامه لكميل: أولئك الأقلون عددا والأعظمون عند الله قدرا، إلى آخر كلامه.
ومما تطوقته من النعم التي لا أطيق شكرها، ومن منن الله العظيمة القدر التي لا أقدر قدرها، اتصالي بجنابه، ومثولي برحابه، ينهلني من صفي علومه ويعل، ويكثر لي من فوائده ولا يقل، فتارة ألقى القاضي (أحمد بن أبي داود) في الأيادي، وآونة ألقى به (قسا الحكيم الإيادي)، وحينا ألقى به (مالك بن دينار)، قد ترك الدنيا فما أراه /119/ مالك درهم (كإبراهيم بن أدهم)(1) لغير العطاء ولا مالك دينار (كمالك بن دينار)(2)، وتارة ألقى به (الضحاك بن قيس) حلما، غير أنه قد امتلأ من بحر (علي بن أبي طالب) علما.
Страница 216