علماء عصره بالأندلس، وشنَّعوا عليه، وطلبوه عند أميرهم، فجمعهم وإياه، واحتجوا عليه بأنه قد خالف نص الآية الكريمة، وهي: ﴿وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ﴾ [العنكبوت: ٤٨]، فاستظهر عليهم بأن هذا النفى مُقيَّد بما قبل ورود القرآن، وأما بعد أن تحققتْ أُميَّتُه وتقررتْ بذلك معجزتُه فلا مانع أن يعرف الكتاب من غير مُعلِّم، ويكَون ذلك معجزة أخرى له، ولا يخرج بذلك عن كونه أُمّيًا .. إِلى آخر ما قاله مما هو مذكور في (المواهب) (١).
لكن الأصح خلافه؛ إِذْ لو كان كما قال لنُقل وتواتر، لأن هذا مما تتوفر الدواعى على نقله، وإن وافقه على ذلك شيخه أبو ذر الهَرَوِى (٢) والنَّيْسَابُورى وجماعة من علماء إِفْرِيقيَّة (٣)، محتجين بما ورد أنه "ما مات رسول الله ﷺ
_________
= الحديث، مولده في باجه سنة ٤٠٣هـ وأصله من بَطليُوس. رحل إِلى الحجاز سنة ٤٢٦ هـ فمكث ثلاثة أعوام، وأقام ببغداد مثلها، وبالموصل عامًا، وفي دمشق وحلب مدة، وعاد إِلى الأندلس، فولى القضاء في بعض أنحائها، وتوفى بالمرَّية سنة ٤٧٤ هـ. من كتبه: "المنتقى" في شرح موطأ مالك. و"التعديل والتجريح لمن روى عنه البخاري في الصحيح". و"إِحكام الفصول في أحكام الأصول" وغيرها (راجع نفح الطيب جـ١ ص ٣٦١، سير أعلام النبلاء جـ ١٨ ص ٥٣٥، الديباج المذهب ص ١٢٠).
(١) المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (كتاب في السيرة) للقسطلانى (سبقت ترجمته ص ٥٥) جـ١ ص ١٢٨. وقصة الباجى مع علماء عصره مذكورة بتمامها في المواهب اللدنية، وذكرها القرطبى في تفسيره (جـ١٣ ص ٣٥٢ - ٣٥٣) نقلًا عن شيخه ابن عبد البر القرطبى المتوفى سنة ٤٦٣ هـ.
(٢) عَبْد بن أحمد بن محمَّد بن عبد الله بن عُفَيْر، أبو ذر الهروى الأنصارى. عالم الحديث، من الحفاظ، ومن فقهاء المالكية، يقال له ابن السماك أصله من هراة، ونزل بمكة ومات بها سنة ٤٣٤ هـ. وكان قد رحل من الأندلس إِلى المشرق، وسمع ببغداد والبصرة وهراة وسرخس وبلخ ومرو. من مؤلفاته: "تفسير القرآن" و"المستدرك على الصحيحين" (من مصادر ترجمته: سير أعلام النبلاء جـ١٧ ص ٥٥٤ - ٥٦٣، النجوم الزاهرة جـ٥ ص ٣٦ وانظر الأعلام جـ٣ ص ٢٦٩).
(٣) إِفريقية -بكسر الهمزة- اسم لبلاد واسعة قبالة جزيرة صقلية وينتهى آخرها إِلى قبالة =
1 / 61