الوَرْس، ثم صقلت مرآتها وانجلت، ورفعت رايتها وعلت، فوافينا مدينة حِمْص ذلك الوقت من يوم السبت، فنزلنا بمرج أخضر حسن النبت يجري به مياه لابدة بعاصم حَمَاة، ممدة مع طاعتها لعاصي حَمَاة، وتَحُفُّه بساتين حسنة مزدهاة، وتلقّانا بها جماعة من وجوه الناس، منهم الشيخ الصَّالح الفاضل عبد القادر ابن الدَّعاس، ثم دخلنا المدينة بنية الزيارة، فوجدنا غالب دورها سوداء الحجارة، لكنها واسعة الأفنية، متينة الأبنية، قديمة العمائر، عظيمة المآثر، ودخلنا إلى جامعها الكبير، وزرنا بظاهرها سيدي خالد ابن الوليد الصحابي الجليل الشهير، وهذه البلدة أصح بلاد الشَّام هواءً، وأعدلها تربة وماءً، وليس بها حيّة ولا عقرب، بل يُقال إن الحِمْصيّ بأي بلد كان لا تدنو منه عقرب ولا تقرب، وكذلك الثوب المغسول بمائها إلى أن يُغْسَل بغيره، قيل وهو مجرَّب، قال القزوينيّ: ومن عجائبها الصورة التي على باب المسجد، نصفها الأعلى على صورة إنسان، ونصفها الأسفل صورة عقرب بذنب وزُبان، تطبع تلك الصورة بالطين الحرّ وتُلقى في ماء، فإذا شرب منه الملدوغ برئ من الضرّ، وبظاهرها على نحو ميل بركتها المعظمة التي تصاد منها السمك الكبار، وتجلب إلى دِمَشْق وغيرها من الأقطار، وعند أهل حِمْص تغفّل شديد، وحماقة ما عليها من مزيد، فممَّا يحكى عنهم من الحكايات المشهورة، أن بخارج المدينة ناعورة فرآها مرّة رجل حَمَويّ، فقال: ما غرّبك بهذه الفلاة، أترى أهل حِمْص سرقوك من حَمَاة؟ فاختشوا أن يأخذها أهل حَمَاة ليلًا، فأعدوا لحراستها رَجْلًا وخيلًا، ومعهم أنواع السلاح، يدورون حولها كل ليلة إلى
1 / 44