Маталиб Саул
مطالب السؤول في مناقب آل الرسول
والإحاطة بأن مجانبته خير من مقاربته، والاعراض عنه أنفع من الإقبال عليه، فإن من لم يعرف الشيء ولم يحط بأن اجتنابه خير من اجتذابه لا يخصه بزهد فيه ونفرة عنه ولا يقدم عليه بميل إليه ولا باقتراب منه، إذ النفرة والرغبة ينشآن مما اشتمل عليه ذلك الشيء من المفاسد المنفرة والمصالح المرغبة، وذلك لا يحصل إلا بعد الإحاطة والمعرفة به. وإذا وضح ذلك توقف الزهد على معرفة المزهود فيه، فاعلم أن أمير المؤمنين عليا ((عليه السلام)) لم يزهد في الدنيا إلا بعد أن عرف حقيقتها وأحاط علما بذاتها واطلع ببصر بصيرته على مساوئها وتحقق السموم القاتلة المودعة فيها، وقد صرح بذلك في كثير من كلماته التي افصح بإيراد صورها ومعانيها وصدع ببيان عطب طالبيها وفوز مجانبيها.
فقال يوما وقد احدق الناس به: أحذركم الدنيا فإنها منزل قلعة وليست بدار نجعة، هانت على ربها فخلط خيرها بشرها وحلوها بمرها لم يصفها (يسقها) لأوليائه ولم يضن بها على أعدائه، وهي دار ممر لا دار مستقر، والناس فيها رجلان رجل باع نفسه فأوبقها ورجل ابتاع نفسه فاعتقها إن اعذوذب منها جانب فحلا أمر منها جانب فأوبى، أولها عناء وآخرها فناء من استغنى فيها فتن ومن افتقر فيها حزن ومن ساعاها فاتته ومن قعد عنها أتته، ومن أبصر بها بصرته ومن أبصر إليها أعمته، فالإنسان فيها غرض المنايا مع كل جرعة شرق ومع كل أكلة غصص لا ينال منها نعمة إلا بفراق أخرى.
وقال يوما في مسجد الكوفة وعنده وجوه الناس: أيها الناس إنا قد أصبحنا في دهر عنود وزمن شديد، يعد فيه المحسن مسيئا ويزداد الظالم فيه عتوا لا ننتفع بما علمنا ولا نسأل عما جهلنا ولا نتخوف قارعة حتى تحل بنا، والناس على أربعة أصناف منهم من لا يمنعه الفساد في الأرض إلا مهانة نفسه وكلال حده نضيض وفره، ومنهم المصلت لسيفه المعلن بشره والمجلب بخيله ورجله، قد أهلك نفسه وأوبق دينه لحطام
Страница 129