106

ومعنى ذلك: أن العبد لا يقدر على ذكر الله (تعالى) ما لم يذكره الله (تعالى) بتوفيقه لذلك الذكر، فإذا ذكر العبد الله (تعالى) ذكره الله (تعالى) بالمغفرة فصار ذكر العبد بين ذكرين من الله.

ومعنى الثاني: أن الكافر يقاتل بالسيف حتى يسلم فإذا أسلم فأراد أن يرجع عن الإسلام خوف بالسيف فصار الإسلام بين سيفين.

ومعنى الثالث: أن العبد قد فرض عليه أنه لا يذنب فإذا أذنب فرض عليه أن يتوب فكان الذنب بين فرضين.

فانظر إلى جزالة هذه الدلالة على علمه بالقواعد الأصولية.

ومنه قوله في تمجيد الله وتحميده وتوحيده:

هو الذي لا يبلغ مدحته القائلون ولا يحصى نعماءه العادون ولا يؤدي حقه المجتهدون، الذي لا يدركه بعد الهمم ولا يناله غوص الفطن ليس لصفته حد محدود ولا نعت موجود ولا وقت معدود ولا اجل ممدود، فطر الخلائق بقدرته ونشر الرياح برحمته ووتد بالصخور ميدان أرضه، أول الدين معرفته وكمال معرفته التصديق به وكمال التصديق به توحيده وكمال توحيده الاخلاص له وكمال الإخلاص له نفي الصفات المحدثة عنه، فمن وصفه بحادث فقد قرنه ومن قرنه فقد ثناه ومن ثناه فقد جزأه من جزأه فقد جهله، ومن أشار إليه فقد حده فقد عده ومن قال فيم فقد ضمنه ومن قال علام فقد أخلى منه، كائن لا عن حدث موجود لا عن عدم مع كل شيء لا بمقارنة، غير كل شيء لا بمفارقة ومزايلة فاعل لا بمعنى الحركات والآلة، بصير إذ لا منظور إليه من خلقه متوحدا إذ لا سكن يستأنس به ولا يستوحش لفقده انشأ الخلق إنشاء وابتدأه ابتداء، بلا روية أجالها ولا تجربة استفادها ولا حركة احدثها ولا همامة نفس اضطرب فيها اجل الأشياء لأوقاتها ولاءم بين مخالفاتها وغرز غرائزها وألزمها نجائزها عالما بها قبل ابتدائها محيطا بحدودها وانتهائها عارفا بأرجائها وانحائها.

Страница 115