Лекции о пьесах Шоуки: его жизнь и поэзия
محاضرات عن مسرحيات شوقي: حياته وشعره
Жанры
أخذت الخيانة والغدر مني
وعندما نسمع هذا الاعتراف الساحق الماحق، كيف نستطيع أن نعطف على هذا البطل «الشهيد»، رغم رفضه الاستعانة بالأجنبي على مصر، وبره بالفقراء، وعنايته بدور العلم والعبادة، بل واعتزازه بالصانع المصري.
ولقد يقال إن شوقي بإجراء هذا الاعتراف على لسان بطل مأساته، لم يفعل غير تسجيل حقيقة تاريخية تملأ مسرحيته، كما تملأ صفحات التاريخ، وهي غدر المماليك بعضهم ببعض وقتل عبيدهم لأسيادهم بالتوالي، ونحن نقر بهذه الحقيقة، ولكننا لا نستطيع أن نغفل منافاتها لجوهر المأساة، حيث لا بد أن يثير فينا بطلها نوعا من الانفعال الشعوري إن سخطا وإن رضا، ولكننا في هذه المسرحية نخرج باردين شاعرين بأن الحساب قد سوي، فكما غدر علي بك الكبير بغيره، غدر به محمد بك أبو الذهب، فالقدر قصاص، لا نشعر إزاءه بعطف ولا سخط.
والظاهر أن شوقي لم يكن يجهل هذه الحقيقة منذ أن كتب هذه المسرحية لأول مرة، وأنه قد أحس بالفتور الذي تتركه شخصية بطله في نفوس القراء أو المشاهدين، فحاول أن يزج في المسرحية بشخصيات ثانوية تنال عطف القارئ ومحبته، واختار لذلك شخصيتي آمال، وضاهر العمر، فآمال فتاة أبية ترفض الرق وتثور على أبيها نفسه؛ لأنه يبيعها بالمال، وهي ذات كبرياء، لا تقبل أن تنزل عن كرامتها الإنسانية، كما أنها زوجة مخلصة وفية عفيفة ترفض إغراء مراد بك، رغم شبابه ووسامته إذا قيس بزوجها الشيخ، كما أن ضاهر العمر صديق عالي الخلق، لا يقبل أن يتخلى عن صديقه علي بك عندما اشتدت به الخطوب، بل يضحي بحياته في سبيله، كل هذه الحقائق ازدادت وضوحا في المسرحية الثانية، وإن تكن بذرتها موجودة في المسرحية الأولى، ولكنها مع ذلك لا تنقذ المأساة من الفتور؛ وذلك لأن هاتين الشخصيتين ثانويتان لا يتركز عليهما الانتباه إلا في فترات عابرة، بينما يظل البطل محور الاهتمام المستمر، وما دام هذا البطل قد فقد عنصر الإثارة فقد فقدت المسرحية كلها بالتبعية هذا العنصر، وأصبحت لوحة وإن تكن صادقة في تصوير عصر المماليك، إلا أنها فاترة تعوزها حرارة الدراما وقوة الانفعال، وإن استقامت فيها الأصول الفنية من حيث الحبكة والمفاجآت وحلها، وطريقة جريان الحوار، وخلوه من الحشو الغنائي، الذي يغزو معظم المسرحيات الشعرية الأخرى التي كتبها شوقي.
ليس من شك أن شوقي قد اصطدم بحقائق التاريخ التي ترسم لحكم المماليك صورة قاتمة، لم يصطدم فيها الخير بالشر، بل طغى الشر واستشرى في النفوس حتى لون مظاهر الخير ذاتها، فكرمهم وبرهم بالفقراء وعنايتهم بدور العلم والعبادة لم تكن خالصة لوجه الله والشعب، وإنما كانت إما للمباهاة، وإما لاصطياد ثقة الشعب وتسخيره في تحقيق شهواتهم وغدر بعضهم ببعض، ولكن شوقي هو المسئول عن هذا الاختيار، بل قد كان في استطاعته أن يجري الصراع بين الشعب وهذا الفساد، حتى لو بانتصار الفساد؛ لأن عطفنا عندئذ سيتوفر على جانب واحد وهو جانب الشعب، وبذلك نتأثر وننفعل، ولكن الظاهر أن إحساس شوقي بالشعب وإيمانه به كان محدودا، وذلك فضلا عن أن ما كتب إنما هو تاريخ الملوك في مصر، لا تاريخ الشعب الذي لا يزال مجهولا إلى حد بعيد عن عمد أو غير عمد، ولم يظهر هذا الشعب وتظهر صفاته الكريمة الأصيلة إلا عندما أخذ الجبرتي يكتب يومياته، ويسجل بطولة هذا الشعب منذ الحملة الفرنسية ومقاومته لها مقاومة رائعة، ولا شك أن هذه البطولة لم تولد فجأة في عهد الجبرتي، بل كانت لها أصولها السابقة منذ عهد المماليك، ولقد صور بعض الرحالة الأوربيين جانبا من أخلاق ذلك الشعب الطيبة خلال تلك العصور المظلمة، ولكن شوقي فيما يظهر لم يضن نفسه في الرجوع إلى قصص مثل تلك الرحلات.
مصرع كليوباترة
منذ أن نشر شوقي في سنة 1893 مسرحية «علي بك الكبير» في طبعتها الأولى، لم يعد إلى المسرح إلا في سنة 1927، حيث نراه ينشر «مصرع كليوباترة»، ومنذ ذلك الحين توالت مسرحياته إلى أن توفي في سنة 1932.
ولقد كان موضوع كليوباترة من الموضوعات التي تداولتها أقلام كتاب المسرح منذ عهد النهضة الأوروبية حتى القرن العشرين؛ ففي الأدب الفرنسي يستطيع الباحث أن يعثر على سلسلة من المسرحيات التي تتناول بعض نواحي هذه الشخصية شبه الأسطورية، وذلك ابتداء من «جودل»، في مستهل عصر النهضة، إلى «فيكتوريان ساردو» في أوائل القرن العشرين، وفي إنجلترا لن نعدم سلسلة مماثلة تمتد من شكسبير إلى برنارد شو في العصر الحديث، بل وتناولها الموسيقيون مؤلفو الأوبرا، ولعل أوبرا «مسنية» التي ألفها سنة 1919 من خير ما لحن الملحنون لترجمة تلك القصة ألحانا وأنغاما.
وليس من اليسير أن نحدد المسرحيات الأوروبية التي يحتمل أن يكون شوقي قد اطلع عليها أو أفاد منها من بين تلك السلاسل الطويلة، وهذا بحث طويل الأمد، بل ونخشى ألا يسفر عن نتائج محققة؛ لأننا لم نعلم عن شوقي تبحرا في مطالعة الآداب الغربية أو دراستها، والمقارنة بينها والإفادة منها؛ ولذلك ربما كان من الخير الاكتفاء في هذا البحث بما هو واضح من أن شوقي قد اعتمد في كتابة مسرحيته على ثلاثة مصادر: (1)
التاريخ الذي يلوح أنه قرأه في أحد الكتب الفرنسية أو العربية، التي تناولت تاريخ مصر أو تاريخ الدول الشرقية في العصر القديم، أو تخصصت في تاريخ البطالسة في مصر، وهناك احتمال كبير في أن اعتماده الأول قد كان على كتاب عالم المصريات الكبير مسبيرو، في كتابه «تاريخ شعوب الشرق في العصر القديم». (2)
Неизвестная страница