الحمد لله الذي وشح جيد أهل الأدب بعقود البيان التي [هي] على الشرف عنوان، وسرح عيون أفكارهم في حدائق كلام العرب فقطفوا أزهار المعاني من أكمام الألفاظ "صنوان وغير صنوان"(¬1)[1]، وتوج مفارقهم بإكليل التبيان، وحلى لباتهم في المقامات بعقيان القلائد، وقلائد العقيان(¬2)[2]، وأطلع في سماء عقولهم من ملح البديع شموسها، وراض لهم جموح التراكيب، فذلل من لطائف الأساليب شموسها، فسبحوا في بحري المديح والهجاء بأجمل إشارة وأكمل احتجاج، ف "هذا عذب فرات سائغ شرابه، وهذا ملح أجاج"(¬3)[3]. وتلفعوا بثوب الافتنان في فنون الأغراض، ورموا بسهم الإصابة مستهدف الأغراض(¬4)[4]، وغاصوا في قاموس اللغة(¬5)[5] على صحاح الجوهر(¬6)[6]، واقتعدوا سفينة الغزل في تيار المعاني [ص52] فغنموا كل معنى أزهر(¬7)[ 7]، وتلونوا في حلل الكلام تلون الحربا، وتخيروا من بدائع المحسنات كل مقصد سما وأربى، فمن مجاز للفصاحة مجاز، وحقيقة تزري بشقائق ابن الشقيقة(¬1)[8]، وإيجاز تقلد بدلائل الإعجاز(¬2)[9]، وتشبيه بلا شبيه، وتقسيم وسيم، وتلميح مليح، وغلو في غاية العلو، وجناس موصول بالإيناس، وتمثيل بلا مثيل، وإبهام يحير الأ[فها]م، و[تف]ريق في الحسن عريق، وحسن ختام، كشف عن وجوه البدائع اللثام، فسبحان من آتاهم الحكمة وفصل الخطاب(¬3)[10]، وجعل ألسنتهم لزبد البلاغة أحسن وطاب، وحسن بهم خمائل القريض، فكأنهم في فم الأشعار ابتسام. وخص كلمتهم برقية النفوس، فلو رقوا بها مريضا ما طرق ساحته السام، وأدار عليهم راح الملح، في حان الخلاعة فأصبحوا حيارى، "وترى الناس سكارى وما هم بسكارى"(¬4)[11]؛
هم القوم فاجهد في اتباع سبيلهم
Страница 3