قالت: «اتبعي نصيحتي وأنجبي أطفالا وأنت صغيرة في السن ... هيا اخرجي وكوني حبلى على الفور، إذا كان هذا ممكنا. كنت أعتقد أنني لن أمر بأي من ذلك. ها-ها!» كانت تمتلك بعض الفطنة؛ لأنها قالت لي: «لا تخبري عمتك أبدا عن الأشياء التي أتحدث معك بشأنها!»
عندما كانت السيدة كرايدرمان تدعى إيفانجلين ستيور، لم تكن تعيش في هذا المنزل، بل كانت تزوره من حين إلى آخر، عادة بصحبة أصدقاء لها. كان ظهورها في البلدة قصيرا وملحوظا. كنت قد رأيتها تقود سيارتها خافضة سقف السيارة، وكان ثمة وشاح برتقالي فوق شعرها القصير الداكن. كما رأيتها في الصيدلية، ترتدي سروالا قصيرا وقميصا بحمالة عنق، وكانت ساقاها وبطنها نحيلة ومسمرة كما لو كانت ملفوفة في حرير بني. كانت تضحك آنذاك، وبصوت مرتفع، معترفة بمعاناتها من صداع في رأسها بسبب الإسراف في الشراب. كنت قد رأيتها في الكنيسة ترتدي قبعة سوداء شفافة مزدانة بالورود الحريرية القرنفلية، قبعة حفلات. لم يكن هنا مكانها، كانت تنتمي إلى العالم الذي كنا نراه في المجلات والأفلام؛ عالم التفاهة البراقة، الممثلين الكوميديين الوقحين الساخرين، الموسيقى في قاعات الرقص العامة، كئوس الكوكتيل في ضوء النيون القرنفلي التي تقدم عند أبواب البارات. كانت هي حلقة الوصل بيننا وبين هذا العالم، دليلنا على أن ذلك العالم موجود، وعلى أننا موجودون معه، وعلى أن شروره القاصمة وروعته القاسية غير منفصلة عنا تماما. على الرغم من أنها كانت تقيم هناك، فإن زياراتها الخاطفة إلى هنا جعلت الناس تغفر لها، وربما جعلتها مثار إعجاب من بعيد. حتى عمتي إنا، التي كان عليها جمع زجاج الأكواب المكسورة من المدفأة، وإزالة بقايا الدجاج المشوي الذي جرى هرسه في البساط، وأخذ ورنيش الأحذية الموضوع على حافة حوض الاستحمام ووضعه في مكانه؛ منحت إيفانجلين ستيور امتيازا غير مقدس، على الرغم من أن الامتياز لم يكن إلا امتياز كونها نموذجا على كيف جعلها المال لا تخجل من أي شيء، وجعلها الفراغ إنسانة عديمة الفائدة، وينذر انغماسها في ملذاتها بتعرضها لكارثة مفجعة.
لكن ماذا فعلت إيفانجلين ستيور بعد ذلك؟ صارت زوجة، مثل الجميع. كانت قد اشترت الجريدة المحلية حتى يديرها زوجها. كانت تنتظر مولودا. كانت قد فقدت وظيفتها، وكانت تخلط بين الأشياء. فهناك فرق بين أن تكون فتاة عزباء فاتنة، مدخنة، شاربة للخمر، غير ورعة، وأن تكون أما فاتنة تنتظر طفلا، مدخنة، شاربة للخمر، غير ورعة. «لا تركزي معي كثيرا جيسي. لم يكن علي أن أرقد هكذا قط من قبل. كنت في قلب الأحداث دوما. كل ما يفعله هذا الطبيب المتوحش هو أنه يقول لي المشاكل التي سأتعرض لها قبل أن تتحسن حالتي. «أي شيء يدخل لا بد أن يخرج إلى النور. خمس دقائق متعة، تسعة أشهر من المعاناة.» سألته: «ماذا تعني ب «خمس» دقائق؟»»
ركزت معها كثيرا. إذ لم أسمع ولم أر أشياء على هذا النحو من قبل قط. أخبرت ماريبيث بكل شيء. وصفت لها غرفة المعيشة، ملابس السيدة كرايدرمان، الزجاجات الموجودة في خزانة أدوات المائدة ذات المحتويات الذهبية، والخضراء، والحمراء الداكنة، علب مأكولات غير مألوفة في خزائن المطبخ؛ محار مدخن، أنشوجة، كستناء مهروس، خرشوف، هذا فضلا عن علب كبيرة من لحم الخنزير وبودنج الفواكه. أخبرتها عن الدوالي، والضمادات، والبقع - جاعلة هذه الأشياء تبدو أسوأ مما هي عليه حقيقة - وعن مكالمات السيدة كرايدرمان مع أصدقائها الذين يعيشون بعيدا. كانت أسماء أصدقائها بونت، وبوكي، وباج، وسبيتي؛ لذا لم يكن بالإمكان تخمين ما إذا كانوا رجالا أم نساء. كان اسمها، كما هو معروف بينهم، جيلي. بعد فراغها من الحديث إليهم عبر الهاتف، كانت تخبرني عن المال الذي خسروه أو الحوادث التي وقعت لهم أو المقالب التي كانوا يقومون بها، أو العلاقات الغرامية المعقدة جدا وغير المعتادة التي دخلوها.
لاحظت العمة إنا أنني لم أكن أنجز الكثير من أعمال الكي. قلت إن هذا ليس خطئي؛ كانت السيدة كرايدرمان تبقيني في غرفة المعيشة، كي تتحدث إلي. قالت العمة إنا إنه ليس ثمة ما يمنع من وضع طاولة الكي في غرفة المعيشة إذا كانت السيدة كرايدرمان تصر على الحديث معي.
قالت العمة إنا: «دعيها تتحدث إليك ... وأنت تكوين. هذا هو ما تتقاضين مالا مقابل عمله.»
قالت السيدة كرايدرمان: «لا أمانع في أن تكوي هنا، لكن عليك أن تخرجي على الفور بمجرد وصول السيد كرايدرمان إلى المنزل ... فهو يكره ذلك؛ فهو يكره القيام بأي أعمال منزلية أثناء وجوده.»
أخبرتني أن السيد كرايدرمان كان قد ولد وكبر في مدينة بريزبن، بأستراليا، في منزل كبير تحيطه أشجار الموز من كل مكان، وأن أمه كان لديها خادمات زنجيات. كنت أعتقد أن الأمر بدا مشوشا قليلا، كما لو أن فيلم «ذهب مع الريح» انتقل إلى أستراليا، لكنني ظننت أن الأمر ربما كان صحيحا. قالت إن السيد كرايدرمان كان قد رحل عن أستراليا وصار صحفيا في سنغافورة، ثم عمل مع الجيش البريطاني في بورما عندما هزم على يد اليابانيين. رحل السيد كرايدرمان من بورما إلى الهند سيرا على الأقدام. «مع مجموعة صغيرة من الجنود البريطانيين وبعض الأمريكيين وفتيات محليات؛ ممرضات. لم تكن هناك علاقات جنسية مشبوهة. كل ما كانت تفعله هذه الفتيات هو غناء الترانيم. جميعهن تحولن إلى المسيحية. «إلى الأمام أيها الجنود المسيحيون!» على أي حال، لم يكونوا في حالة تسمح لهم بإقامة علاقات جنسية. فقد كانوا مرضى وجرحى، يسيرون يوما بعد يوم في ظل الحرارة الشديدة. يتعرضون لهجوم من أفيال برية. سيكتب كتابا عن هذه التجربة. سيفعل السيد كرايدرمان هذا. كان عليهم أن يصنعوا أطوافا وأن يبحروا مع التيار. أصيبوا بالملاريا. تخطوا جبال الهيمالايا. كانوا أبطالا ولم يسمع أحد عن ذلك قط.»
ظننت أن الأمر بدا مريبا أيضا. حرارة هائلة في الهيمالايا، التي كان معروفا عنها أنها مغطاة بالثلوج دوما. «قلت لبونت: «حارب إريك مع البريطانيين في بورما»، ورد بونت: «لم يحارب البريطانيون في بورما؛ ألحق اليابانيون هزيمة مذلة بالبريطانيين في بورما.» لا يعرف الناس أي شيء. إن بونت هذا لا يستطيع السير حتى إلى آخر شارع يونج.»
بعدها بسنوات، ربما بربع قرن، قرأت عن المسيرة التي قادها الجنرال ستيلويل من بورما إلى الهند، عبر الممر فوق تامو وعبر نهر تشيندوين. كان بصحبته بعض القادة البريطانيين، الذين كانوا قذرين وجوعى. ربما كان إريك كرايدرمان من بينهم.
Неизвестная страница