هذا هو كتاب مشرق الشمسين و إكسير السعادتين الملقب بمجمع النورين ومطلع النيرين للمحقق العلامة والمدقق الفهامة سعيد الدارين ذي الرياستين الشيخ البهائي عليه رحمة الباري بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي هدانا بأنوار كتابه المبين ووفقنا لاقتفاء سنة نبينا محمد سيد الأولين والآخرين وكرمنا بالاقتداء بآثار أهل بيته الأئمة الطاهرين صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين أما بعد فإن أفقر العباد إلى رحمة ربه الغني محمد المشتهر ببهاء الدين العاملي وفقه الله للعمل في يومه لغده قبل أن يخرج الأمر من يده يقول وأن جماعة من فضلاء أخوان الدين وعظماء أخلاء اليقين الذين تكثرت في نشر العلوم الدينية مساعيهم وتوفرت على إشاعة أحاديث أهل بيت النبوة دواعيهم قد التمسوا مني مع قلة بضاعتي وكثرة إضاعتي تأليف أصل يحتوي على خلاصة ما تضمنه أصولنا الأربعة التي عليها في هذه الأعصار أعني الكافي والفقيه والتهذيب والاستبصار من الأحاديث الصحيحة الواردة في الأحكام الشرعية عن العترة الطاهرة النبوية ليكون قانونا يرجع إليه الديانون من الفرقة الناجية الإمامية ودستورا يعول عليه المجتهدون في استنباط أمهات المطالب الفرعية وأن أبذل غاية جهدي في أن لا يشذ عني شئ من صحاح الأحاديث الأحكامية وأن أوشح صدور مقاصده بتفسير ما ورد فيها من الآيات الكريمة الفرقانية فأجبت بعون الله تعالى مسئولهم وحققت بتوفيقه مأمولهم فجاء هذا الكتاب ولله الحمد والمنة جامعا بين أحكام الكتاب والسنة فهو جدير بأن يسمى مشرق الشمسين وإكسير السعادتين وحري بأن يلقب بمجمع النورين ومطلع النيرين وحقيق بأن يكتبه الكرام البررة في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة وأسئل الله سبحانه التوفيق لإتمامه والفوز بسعادة اختتامه وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم وسيلة إلى الفوز بالنعيم المقيم وقد رتبته على أربعة مناهج كترتيب كتابي الكبير الموسوم بالحبل المتين وقدمت أمام المقصود مقدمات تفيد زيادة بصيرة للطالبين ومن الله استمد وعليه أتوكل وبه استعين مقدمة عرف الحديث بأنه كلام يحكي قول المعصوم أو فعله أو تقريره ويرد على عكسه النقض بالمسموع من الإمام المعصوم غير محكي عن معصوم آخر والتزام عدم كونه حديثا تعسف وكيف يصح أن يقال إنه لم يسمع أحد عن النبي صلى الله عليه وآله حديثا أصلا إلا ما حكاه عن معصوم
Страница 268
كنبي أو ملك فالأولى تعريفه بأنه قول المعصوم أو حكاية قوله أو فعله أو تقريره ويرد عليه وعلى الأول انتقاض عكسهما بالحديث المنقول بالمعنى إن أريد به حكاية القول بلفظه وطردهما بكثير من عبارات الفقهاء في كتب الفروع إن أريد ما يعم معناه ويمكن الجواب باعتبار قيد الحيثية في الحكاية وتلك العبارات إن اعتبرت من حيث كونها حكاية قول المعصوم فلا بأس بدخولها وإن اعتبرت من حيث كونها حكاية عما أدى إليه اجتهادهم فلا بأس في خروجها والخبر يطلق على ما يرادف الحديث تارة وعلى ما يقابل الانشاء أخرى وتعريفه على الأول بكلام يكون لنسبته خارج في أحد الأزمنة الثلاثة كما فعله شيخنا الشهيد الثاني طاب ثراه ما ينطبق على الثاني لا على الأول لانتقاضه طردا بنحو زيد إنسان وعكسا بالأحاديث الإنشائية كقوله ص صلوا كما رأيتموني أصلي اللهم إلا أن يجعل قول الراوي قال النبي ص مثلا جزء من الحديث ويضاف إلى التعريف قولنا يحكى الخ وهو كما ترى والسنة أعم من الحديث لصدقها على نفس الفعل والتقرير واختصاصه بالقول لا غير والحديث القدسي ما يحكي كلام الله تعالى ولم يتحد بشئ منه كقوله ع قال الله تعالى الصوم لي وأنا أجزي به تبصرة قد استقر اصطلاح المتأخرين من علمائنا رضي الله عنهم على تنويع الحديث المعتبر ولو في الجملة إلى الأنواع الثلاثة المشهورة أعني الصحيح والحسن والموثق بأنه إن كان جميع سلسلة سنده إماميين ممدوحين بالتوثيق فصحيح أو إماميين ممدوحين بدونه كلا أو بعضا مع توثيق الباقي فحسن أو كانوا كلا أو بعضا غير إماميين مع توثيق الكل فموثق وهذا الاصطلاح لم يكن معروفا بين قدمائنا قدس الله أرواحهم كما هو ظاهر لمن مارس كلامهم بل كان المتعارف بينهم إطلاق الصحيح على كل حديث اعتضد بما يقتضي اعتمادهم عليه أو اقترن بما يوجب الوثوق به والركون إليه وذلك أمور منها وجوده في كثير من الأصول الأربعمأة التي نقلوها عن مشايخهم بطرقهم المتصلة بأصحاب العصمة سلام الله عليهم وكانت متداولة لديهم في تلك الأعصار مشتهرة فيما بينهم اشتهار الشمس في رابعة النهار ومنها تكرره في أصل أو أصلين منها فصاعدا بطرق مختلفة وأسانيد عديدة معتبرة ومنها وجوده في أصل معروف الانتساب إلى أحد الجماعة الذين أجمعوا على تصديقهم كزرارة ومحمد بن مسلم والفضيل بن يسار أو على تصحيح ما يصح عنهم كصفوان بن يحيى ويونس بن عبد الرحمن وأحمد بن محمد بن أبي نصر أو على العمل بروايتهم كعمار الساباطي و نظرائه ممن عدهم شيخ الطائفة في كتاب العدة كما نقله عنه المحقق في بحث التراوح من المعتبر ومنها اندراجه في أحد الكتب التي عرضت على أحد الأئمة عليهم سلام الله فأثنوا على مؤلفها ككتاب عبيد الله الحلبي الذي عرض على الصادق عليه السلام وكتاب يونس بن عبد الرحمن والفضل بن شاذان المعروضين على العسكري عليه السلام ومنها أخذه من أحد الكتب التي شاع بين سلفهم الوثوق بها والاعتماد عليها سواء كان مؤلفوها من الفرقة الناجية الإمامية ككتاب الصلاة لحريز بن عبد الله السجستاني وكتب بني سعيد وعلي بن مهزيار أو من غير الإمامية ككتاب حفص بن غياث القاضي والحسين بن عبيد الله السعدي وكتاب القبلة لعلي بن الحسن الطاطري وقد جرى رئيس المحدثين ثقة الإسلام محمد بن بابويه قدس الله روحه على متعارف المتقدمة
Страница 269
في إطلاق الصحيح على ما يركن إليه ويعتمد عليه فحكم بصحة جميع ما أورده من الأحاديث في كتاب من لا يحضره الفقيه وذكر أنه استخرجها من كتب مشهورة عليها المعول وإليها المرجع وكثير من تلك الأحاديث بمعزل عن الاندراج في الصحيح على مصطلح المتأخرين ومنخرط في سلك الجنان والموثقات بل الضعاف وقد سلك على ذلك المنوال جماعة من أعلام علماء الرجال فحكموا بصحة حديث بعض الرواة الغير الإمامية كعلي بن محمد بن رياح وغيره لما لاح لهم من الفرائض المقتضية للوثوق بهم والاعتماد عليهم وإن لم يكونوا في عداد الجماعة الذين انعقد الإجماع على تصحيح ما يصح عنهم تبيين الذي بعث المتأخرين نور الله مراقدهم على العدول عن متعارف القدماء ووضع ذلك الاصطلاح الجديد هو أنه لما طالت المدة بينهم وبين الصدر السالف وآل الحال إلى اندراس بعض كتب الأصول المعتمدة لتسلط حكام الجور والضلال والخوف من إظهارها وانتساخها وانضم إلى ذلك اجتماع ما وصل إليهم من كتب الأصول في الأصول المشهورة في هذا الزمان فالتبست الأحاديث المأخوذة من الأصول المعتمدة بالمأخوذة من غير المعتمدة واشتبهت المتكررة في كتب الأصول بغير المتكررة وخفى عليهم قدس الله أرواحهم كثير من تلك الأمور التي كانت سبب وقوع القدماء بكثير من الأحاديث ولم يمكنهم الجري على أثرهم في تمييز ما يعتمد عليه مما لا يركن إليه فاحتاجوا إلى قانون تتميز به الأحاديث المعتبرة عن غيرها والموثوق بها عما سواها فقرروا لنا شكر الله سعيهم ذلك الاصطلاح الجديد وقربوا إلينا البعيد ووصفوا الأحاديث الموردة في كتبهم الاستدلالية بما اقتضاه ذلك الاصطلاح من الصحة و الحسن والتوثيق وأول من سلك هذا الطريق من علمائنا المتأخرين شيخنا العلامة جمال الحق والدين الحسن بن المطهر الحلي قدس الله روحه ثم إنهم أعلى الله مقامهم ربما يسلكون طريقة القدماء في بعض الأحيان فيصفون مراسيل بعض المشاهير كابن أبي عمر وصفوان بن يحيى بالصحة لما شاع من أنهم لا يرسلون إلا عمن يثقون بصدقه بل يصفون بعض الأحاديث التي في سندها من يعتقدون أنه فطحي أو ناووسي بالصحة نظرا إلى اندراجه فيمن أجمعوا على تصحيح ما يصح عنهم وعلى هذا جرى العلامة قدس الله روحه في المختلف حيث قال في مسألة ظهور فسق إمام الجماعة إن حديث عبد الله بن بكير صحيح وفي الخلاصة حيث قال إن طريق الصدوق إلى أبي مريم الأنصاري صحيح وإن كان في طريقه أبان بن عثمان مستندا في الكتابين إلى إجماع العصابة على تصحيح ما يصح عنهما وقد جرى شيخنا الشهيد الثاني طاب ثراه على هذا المنوال أيضا كما وصف في بحث الردة من شرح الشرايع حديث الحسن بن محبوب عن غير واحد بالصحة وأمثال ذلك في كلامهم كثير فلا تغفل تتميم لا ريب إنه لا بد في حصول الوثوق بقول الراوي من كونه ضابطا أي لا يكون سهوه أكثر من ذكره ولا مساويا له وهذا القيد لم يذكره المتأخرون في تعريف الصحيح واعتذر الشهيد الثاني طاب ثراه عن عدم تعرضهم لذكره بأن قيد العدالة مغن عنه لأنها تمنعه أن يروي من الأحاديث ما ليس مضبوطا عنده على الوجه المعتبر واعترض عليه بأن العدالة إنما تمنع من تعمد نقل غير المضبوط عنده لا من نقل ما يسهو عن كونه غير مضبوط فيظنه مضبوطا
Страница 270
وقد يدفع أن مراده رحمه الله أن العدل إذا عرف من نفسه كثرة السهو لم يجتزء على الرواية تحرزا عن إدخال ما ليس من الدين فيه وأنت خبير بأن لقائل أن يقول إنه إذا كثر سهوه فربما يسهو عن أنه كثير السهو فيروي والحق أن الوصف بالعدالة لا يغني عن الوصف بالضبط فلا بد من ذكر المزكي ما ينبئ عن اتصاف الراوي به أيضا ونعم ما قال العلامة رفع الله درجته في النهاية من أن الضبط من أعظم الشرائط في الرواية فإن من لا ضبط له قد يسهو عن بعض الحديث ويكون مما يتم به فائدته ويختلف الحكم به أو يسهو فيزيد في الحديث ما يضطرب به معناه أو يبدل لفظا بآخر أو يروي عن النبي ص ويسهو عن الواسطة أو يروي عن شخص فيسهو عنه ويروي عن آخر انتهى كلامه فإن قلت فكيف يتم لنا الحكم بصحة الحديث بمجرد توثيق علماء الرجال رجال سنده من غير نص على ضبطهم قلت إنهم يريدون بقولهم فلان ثقة أنه عدل ضابط لأن لفظ الثقة مشتق من الوثوق ولا وثوق بمن يتساوى سهوه وذكره أو يغلب سهوه على ذكره وهذا هو السر في عدولهم عن قولهم عدل إلى قولهم ثقة تبيان ذهب أكثر علمائنا قدس الله أرواحهم إلى أن العدل الواحد الإمامي كاف في تزكية الراوي وأنه لا يحتاج فيها إلى عدلين كما يحتاج في الشهادة وذهب القليل منهم إلى خلافه فاشترطوا في التزكية شهادة عدلين واستدل على ما ذهب إليه الأكثر بوجهين الأول ما ذكره العلامة طاب ثراه في كتبه الأصولية وحاصله أن الرواية تثبت بخبر الواحد وشرطها تزكية الراوي وشرط الشئ لا يزيد على أصله وبعبارة أخرى اشتراط العدالة في مزكي الراوي فرع اشتراطها في الراوي إذ لو لم تشترط فيه لم تشترط في مزكيه فكيف يحتاط في الفرع بأزيد مما يحتاط في الأصل فإن قلت مرجع هذا الاستدلال إلى القياس فلا ينهض علينا حجة قلت هو قياس بطريق الأولوية وهو معتبر ظاهرا عندنا فإن قلت للخصم أن يقول كيف يلزمني ما ذكرتم من زيادة الفرع على الأصل والحال أني أشترط في الرواية ما لا تشترطونه من شهادة عدلين بعدالة راويها ولا أكتفي بشهادة العدل الواحد قلت عدم قبول تزكية عدل واحد زكاه عدلان واشتراطه فيها التعدد مع قبول رواية عدل واحد زكاه عدلان واكتفائه فيها بالواحد يوجب عليه ما ذكرنا الثاني أن آية التثبت أعني قوله تعالى إن جائكم فاسق بنبأ فتبينوا كما دلت على التعويل على رواية العدل الواحد دلت على التعويل على تزكيته أيضا فيكتفي به في جميع الموارد إلا فيما خرج بدليل خاص وهو غير حاصل هنا واستدل على اشتراط التعدد في التزكية بأمرين الأول أن الأخبار بعدالة الراوي شهادة فلا بد فيها من العدلين وجوابه أما أولا فبمنع الصغرى فإنها غير بينة ولا مبنية وهلا كانت تزكية الراوي كأغلب الأخبار في أنها ليست شهادة كالرواية وكنقل الإجماع وتفسير مترجم القاضي وأخبار المقلد مثله بفتوى المجتهد وقول الطبيب بإضرار الصوم بالمرض وإخبار أجير الحج بإيقاعه وإعلام المأموم الإمام بوقوع ما شك فيه وإخبار العدل العارف بالقبلة لجاهل العلامات إلى غير ذلك من الأخبار التي اكتفوا فيه بخبر الواحد وأما ثانيا
Страница 271
فبمنع كلية الكبرى والسند قبول شهادة الواحد في بعض المواد عند بعض علمائنا بل شهادة المرأة الواحدة في بعض الأوقات عند أكثرهم الثاني أن اشتراطهم عدالة الراوي يقتضي توقف قبول روايته على حصوله العلم بها وإخبار العدل الواحد لا يفيد العلم بها وجوابه أنك إن أردت العلم القطعي فمعلوم أن البحث ليس فيه وإن أردت العلم الشرعي فحكمك بحصوله من رواية العدل الواحد وعدم حصوله من تزكيته تحكم وكيف يدعي أن الظن الحاصل من أخباره بأن هذا قول المعصوم أو فعله أقوى من الظن الحاصل من أخباره بأن الراوي الفلاني إمامي المذهب أو واقفي أو عدل أو فاسق ونحو ذلك تتمة ولعلك تقول بتساوي الظنين في القوة والضعف ولكنك تزعم أن الظن الأول اعتبره الشارع فعولت عليه وأما الآخر فلم يظهر للشأن الشارع اعتبره فيقال لك كيف ظهر عليك اعتبار الشارع الظن الأول إن استندت في ذلك إجماع فالخلاف الشايع في العمل بأخبار الآحاد يكذب ظنك كيف وجمهور قدمائنا على المنع منه بل ذهب بعضهم إلى استحالة التعبد (قد يستدل أيضا بأن اعتبار التعدد أحوط للتعبد به عن احتمال العمل بما ليس بحديث وعورض بأن اعتبار عدم التعدد أحوط للتعبد به عن احتمال عدم العمل هو حديث فلذلك طوينا كشحا عن ذكر هذا الاستدلال منه ره) به كما نقله عنهم المرتضى رضي الله عنه وإن استندت فيه إلى ما يستدل به في الأصول على حجية خبر الواحد فاقرب تلك الدلائل إلى السلامة آية التثبت وقد علمت أنها كما تدل على اعتبار الشارع الظن الأول تدل على اعتباره الظن الثاني من غير فرق ولقد بالغ بعض أفاضل المعاصرين قدس الله روحه في الإصرار على اشتراط العدلين في المزكى نظرا إلى أن التزكية شهادة ولم يوافق القوم على تعديل من أنفرد الكشي أو الشيخ الطوسي أو النجاشي أو العلامة مثلا بتعديله وجعل الحديث الصحيح عند التحقيق منحصرا فيما توافق اثنان فصاعدا على تعديل رواته ويلزمه عدم الحكم بجرح من تفرد هؤلاء بجرحه وهو يلتزم ذلك ولم يأت على هذا الاشتراط بدليل عقلي يعول عليه أو نقلي تركن النفس إليه ولعلك قد أحطت خبرا بما يتضح به حقيقة الحال ومع ذلك فأنت خبير بأن علماء الرجال الذين وصلت إلينا كتبهم ففي هذا الزمان كلهم ناقلون تعديل أكثر الرواة من غيرهم وتوافق الاثنين منهم على التعديل لا ينفعه في الحكم بصحة الحديث إلا إذا ثبت أن مذهب كل من ذينك الاثنين عدم الاكتفاء في تزكية الراوي بالعدل الواحد ودون ثبوته خرط القتاد بل الذي يظهر خلافه كيف لا و العلامة مصرح في كتبه الأصولية بالاكتفاء بالواحد والذي يستفاد من كلام الكشي والنجاشي والشيخ وابن طاوس وغيرهم اعتمادهم عليه في التعديل والجرح على النقل عن الواحد كما يظهر لمن تصفح كتبهم فكيف يتم لمن يجعل التزكية شهادة أن يحكم بعدالة الراوي بمجرد اطلاعه على تعديل اثنين من هؤلاء له في كتبهم وحالهم ما عرفت مع أن شهادة الشاهد لا يتحقق بما يوجد في كتابه نعم لو كان هؤلاء الذين كتبهم في الجرح والتعديل بأيدينا في هذا الزمان ممن شهد عند كل واحد منهم عدلان بحال الراوي أو كانوا من الذين خالطوا رواة الحديث واطلعوا على عدالتهم لتم الدست والله سبحانه أعلم بحقايق الأمور تبصرة المكتفون من علمائنا في التزكية بالعدل الواحد الإمامي يكتفون به في الجرح أيضا ومن لم يكتف به في التزكية لم يعول عليه في الجرح وما يظهر من كلامهم في بعض الأوقات من الاكتفاء في الجرح بقول غير الإمامي محمول أما على الغفلة عما قرروه أو عن كون الخارج مجروحا كما وقع في الخلاصة من جرح أبان بن عثمان
Страница 272
بكونه فاسد المذهب تعويلا على ما رواه الكشي عن علي بن الحسن بابن فضال أنه كان من الناووسية مع أن ابن فضال فطحي لا يقبل جرحه لمثل أبان بن عثمان ولعل العلامة طاب ثراه استفاد فساد مذهبه من غير هذه الرواية وإن كان كلامه ظاهرا فيما ذكرناه وقد اشتهر أنه إذا تعارض الجرح والتعديل قدم الجرح وهذا كلام مجمل غير محمول على إطلاقه كما قد يظن بل لهم فيه تفصيل مشهور وهو أن التعارض بينهما على نوعين الأول ما يمكن الجمع فيه بين كلامي المعدل والجارح كقول المفيد قدس الله روحه في محمد بن سنان أنه ثقة وقول الشيخ طاب ثراه أنه ضعيف فالجرح مقدم لجواز اطلاع الشيخ على ما لم يطلع عليه المفيد الثاني ما لم يمكن الجمع بينهما كقول الجارح أنه قتل فلانا في أول الشهر وقول المعدل أني رأيته في آخره حيا وقد وقع مثله في كتب الجرح والتعديل كثيرا كقول ابن الغضائري في داود الرقي أنه كان فاسد المذهب لا يلتفت إليه وقول غيره أنه كان ثقة قال فيه الصادق (ع) أنزلوه مني منزلة المقداد من رسول الله (ص) فهيهنا لا يصح إطلاق القول بتقديم الجرح على التعديل بل يجب الترجيح بكثرة العدد وشدة الورع والضبط وزيادة التفتيش عن أحوال الرواة إلى غير ذلك من المرجحات هذا ما ذكره علماء الأصول منا ومن المخالفين وظني أن إطلاق القول بتقديم الجرح في النوع الأول غير جيد ولو قيل فيه أيضا بالترجيح ببعض تلك الأمور لكان أولى وقد فعله العلامة في الخلاصة في مواضع كما في ترجمة إبراهيم بن سلميان حيث رجح تعديل الشيخ والنجاشي له على جرح ابن الغضائري وكذلك؟ إسماعيل بن مهران وغيره لكن ما قرره طاب ثراه في نهاية الأصول يخالف فعله هذا حيث لم يعتبر الترجيح بزيادة؟ العدد في النوع الأول من التعارض معللا بأن سبب تقديم الجارح فيه جواز اطلاعه على ما لم يطلع عليه المعدل وهو لا ينتفي بكثرة العدد ولا يخفى أن تعليله هذا يعطي عدم اعتباره في هذا النوع الترجيح بشئ من الأمور المذكورة و للبحث فيه مجال كما لا يخفى تبصرة المعتبر حال الراوي وقت حال الأداء لا وقت التحمل فلو تحمل الحديث طفلا أو غير إمامي أو فاسقا ثم أداة في وقت يظن أنه كان مستجمعا فيه الشرائط القبول قبل ولو ثبت أنه كان في وقت غير إمامي أو فاسقا ثم تاب ولم يعلم أن الرواية عنه هل وقعت قبل التوبة أو بعدها لم تقبل حتى يظهر لنا وقوعها بعد التوبة فإن قلت إن كثيرا من الرواة كعلي بن أسباط والحسين بن بشار وغيرهما كانوا أولا من غير الإمامية ثم تابوا و رجعوا إلى الحق والأصحاب يعتمدون على حديثهم ويثقون بهم من غير فرق بينهم وبين ثقات الإمامية الذين لم يزالوا على الحق مع أن تاريخ الرواية عنهم غير مضبوط ليعلم أنه هل كان بعد الرجوع أو قبله بل بعض الرواة ماتوا على مذاهبهم الفاسدة من الوقف وكانوا شديدي التصلب فيه ولم ينقل رجوعهم إلى الحق في وقت من الأوقات أصلا والأصحاب يعتمدون عليهم ويقبلون أحاديثهم كما قبلوا حديث علي بن محمد بن رياح وقالوا أنه صحيح الرواية ثبت معتمد على ما يرويه وكما قيل المحقق في المعتبر رواية علي بن أبي حمزة عن الصادق عليه السلام معللا بأن ذلك تغييره إنما كان في زمن الكاظم (ع) فلا يقدح فيما قبله وكما حكم العلامة في المنتهى بصحة حديث إسحاق بن جرير وهؤلاء الثلاثة من رؤساء الوقفية قلت المستفاد من تصفح كتب علمائنا المؤلفة في السير والجرح والتعديل أن أصحابنا
Страница 273
الإمامية رضي الله عنهم كان اجتنابهم عن مخالطة من كان من الشيعة على الحق أولا ثم أنكر إمامة بعض الأئمة عليهم السلام في أقصى المراتب وكانوا يحترزون عن مجالستهم والتكلم معهم فضلا عن أخذ الحديث عنهم بل كان تظاهرهم لهم بالعداوة أشد من تظاهرهم بها للعامة فإنهم كانوا يلاقون العامة ويجالسونهم وينقلون عنهم ويظهرون لهم أنهم منهم خوفا من شوكتهم لأن حكام الضلال منهم وأما هؤلاء المخذولون فلم يكن لأصحابنا الإمامية ضرورة داعية إلى أن يسلكوا معهم على ذلك المنوال وسيما الواقفية فإن الإمامية كانوا في غاية الاجتناب لهم والتباعد منهم حتى أنهم كانوا يسمونهم بالممطورة أي الكلاب التي أصابها المطر وأئمتنا عليهم السلام لم يزالوا ينهون شيعتهم عن مخالطتهم ومجالستهم ويأمرونهم بالدعاء عليهم في الصلاة ويقولون أنهم كفار مشركون زنادقة وأنهم شر من النواصب وإن من خالطهم وجالسهم فهو منهم وكتب أصحابنا مملوءة بذلك كما يظهر لمن تصفح كتاب الكشي وغيره فإذا قبل علماؤنا وسيما المتأخرون منهم رواية رواها رجل من ثقات أصحابنا عن أحد هؤلاء وعولوا عليها وقالوا بصحتها مع علمهم بحاله فقبولهم لها وقولهم بصحتها لا بد من ابتنائه على وجه صحيح لا يتطرق به القدح إليهم ولا إلى ذلك الرجل الثقة الراوي عمن هذا حاله كأن يكون سماعه منه قبل عدوله عن الحق و قوله بالوقف أو بعد توبته ورجوعه إلى الحق أو أن النقل إنما وقع من أصله الذي ألفه واشتهر عنه قبل الوقف أو من كتابه الذي ألفه بعد الوقف ولكنه أخذ ذلك الكتاب عن شيوخ أصحابنا الذين عليهم الاعتماد ككتب علي بن الحسن الطاطري فإنه وإن كان من أشد الواقفية عنادا للإمامية إلا أن الشيخ شهد له في الفهرست بأنه روى كتبه عن الرجال الموثوق بهم وبروايتهم إلى غير ذلك من المحامل الصحيحة والظاهر أن قبول المحقق طاب ثراه رواية علي بن أبي حمزة مع شدة تعصبه في مذهبه الفاسد مبني على ما هو الظاهر من كونها منقولة من أصله وتعليله رحمه الله يشعر بذلك فإن الرجل من أصحاب الأصول وكذا قول العلامة بصحة رواية إسحاق بن جرير عن الصادق ع فإنه ثقة من أصحاب الأصول أيضا وتأليف أمثال هؤلاء أصولهم كان قبل الوقف لأنه وقع في زمن الصادق ع فقد بلغنا عن مشايخنا قدس الله أرواحهم أنه كان من دأب أصحاب الأصول أنهم إذا سمعوا من أحد الأئمة عليهم السلام حديثا بادروا إلى إثباته في أصولهم لئلا يعرض لهم نسيان لبعضه أو كله بتمادي الأيام وتوالي الشهور والأعوام والله أعلم بحقايق الأمور تبصرة دأب ثقة الإسلام رحمه الله في كتاب الكافي أن يأتي في كل حديث بجميع سلسلة السند بينه وبين المعصوم عليه السلام ولا يحذف من أول السند أحدا ثم إنه كثيرا ما يذكر في صدر السند محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان وهو يقتضي كون الرواية عنه بغير واسطة فربما ظن بعضهم أن المراد به الثقة الجليل محمد بن إسماعيل بن بزيع وأيدوا ذلك بما يعطيه كلام الشيخ تقي الدين حسن بن داود رحمه الله حيث قال في كتابه إذا وردت رواية عن محمد بن يعقوب عن محمد بن إسماعيل ففي صحتها قولان فإن في لقائه له إشكالا فتقف الرواية لجهالة الواسطة بينهما وإن كانا مرضيين معظمين انتهى والظاهر أن ظن كونه ابن بزيع من الظنون الواهية ويدل على ذلك وجوه الأول أن ابن بزيع من أصحاب أبي الحسن الرضا عليه السلام وأبي جعفر الجواد عليه السلام وقد أدرك عصر الكاظم ع وروى عنه كما ذكره علماء الرجال
Страница 274
فبقاؤه إلى زمن الكليني مستبعد جدا الثاني أن قول علماء الرجال أن محمد بن إسماعيل بن بزيع أدرك أبا جعفر الثاني عليه السلام يعطي أنه لم يدرك من بعده عليه السلام من الأئمة صلوات الله عليهم فإن مثل هذه العبارة إنما يذكرونها في آخر إمام أدركه الراوي كما لا يخفى على من له أنس بكلامهم الثالث أنه رحمه الله لو بقي إلى زمن الكليني نور الله مرقده لكان قد عاصر ستة من الأئمة عليهم السلام وهذه مزية عظيمة لم يظفر بها أحد من أصحابهم صلوات الله عليهم فكان ينبغي لعلماء الرجال ذكرها وعدها من جملة مزاياه رضي الله عنه وحيث إن أحدا منهم لم يذكر ذلك مع أنه مما تتوفر الدواعي على نقله علم أنه غير واقع الرابع أن محمد بن إسماعيل الذي يروي عنه الكليني بغير واسطة يروي عن الفضل بن شاذان وابن بزيع كان من مشايخ الفضل بن شاذان كما ذكره الكشي حيث قال إن الفضل بن شاذان كان يروي عن جماعة وعد منهم محمد بن إسماعيل بن بزيع الخامس ما اشتهر على الألسنة من أن وفاة ابن بزيع كانت في حياة الجواد عليه السلام السادس أنا استقرينا جميع أحاديث الكليني المروية عن محمد بن إسماعيل فوجدناه كلما قيده بابن بزيع فإنما يذكره في أواسط السند ويروي عنه بواسطتين هكذا محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن محمد بن إسماعيل بن بزيع وأما محمد بن إسماعيل الذي يذكره في أول السند فلم نظفر بعد الاستقراء الكامل والتتبع التام بتقييده مرة من المرات بابن بزيع أصلا ويبعد أن يكون هذا من الاتفاقيات المطردة السابع أن ابن بزيع من أصحاب الأئمة الثلاثة أعني الكاظم والرضا والجواد عليهم السلام فيجمع منهم سلام الله عليهم أحاديث متكثرة بالمشافهة فلو لقيه الكليني لكان ينقل عنه شيئا من تلك الأحاديث التي نقلها عنهم سلام الله عليهم بغير واسطة لتكون الواسطة بينه وبين كل إمام من الأئمة الثلاثة عليهم السلام واحد فإن قلة الوسائط شئ مطلوب وشدة اهتمام المحدثين بعلو الإسناد أمر معلوم ومحمد بن إسماعيل الذي يذكره في أوائل السند ليس له رواية عن أحد المعصومين سلام الله عليهم بودن واسطة أصلا بل جميع رواياته عنهم عليهم السلام إنما هي بوسائط عديدة فإن قلت للمناقشة في هذه الوجوه مجال واسع كما يناقش في الأول بأن لقاء الكليني من لقى الكاظم عليه السلام غير مستنكر لأن وفاته عليه السلام سنة ثلاث وثمانين ومائة ووفات الكليني سنة ثمان وعشرين وثلثمأة وبين الوفاتين مأة وخمس وأربعون سنة فغاية ما يلزم تعمير ابن بزيع إلى قريب مأة سنة وهو غير مستبعد وفي الثاني نمنع كون تلك العبارة نصا في ذلك فلو سلم فلعل المراد بالإدراك الرواية لا إدراك الزمان فقط وفي الثالث بأن المزية العظمى رؤية الأئمة عليهم السلام والرواية عنهم بلا واسطة لا مجرد المعاصرة لهم من دون رؤية ولا رواية فيجوز أن يكون ابن بزيع عاصر باقي الأئمة عليهم السلام لكنه لم يرهم قلت أكثر هذه الوجوه وإن أمكنت المناقشة فيه بانفراده لكن الإنصاف أنه يحصل من مجموعها ظن غالب يتاخم العلم بأن الرجل المتنازع فيه ليس هو ابن بزيع وليس الظن الحاصل منها أدون من سائر الظنون المعول عليها في علم الرجال كما لا يخفى على من خاض في ذلك الفن ومارسه والله أعلم إذا تقرر ذلك فنقول الذي وصل إلينا بعد التتبع التام أن اثني عشر رجلا من الرواة مشتركون في التسمية بمحمد بن إسماعيل سوى محمد بن إسماعيل بن
Страница 275
بزيع وهم محمد بن إسماعيل ابن ميمون الزعفراني ومحمد بن إسماعيل بن أحمد البرمكي الرازي صاحب الصومعة ومحمد بن إسماعيل بن خيثم الكناني ومحمد بن إسماعيل الجعفري ومحمد بن إسماعيل السلحي وقد يقال البلخي ومحمد بن إسماعيل الصيمري العمي ومحمد بن إسماعيل البندقي النيسابوري ومحمد بن إسماعيل بن رجبا الزبيدي الكوفي ومحمد بن إسماعيل بن عبد الرحمن الجعفي ومحمد بن إسماعيل المخزومي المدني ومحمد بن إسماعيل الهمداني ومحمد بن إسماعيل بن سعيد البجلي أما محمد بن إسماعيل بن بزيع فقد عرفت الكلام فيه وأما من عدا الزعفراني والبرمكي من العشرة الباقين فلم يوثق أحد من علماء الرجال أحدا منهم فإنهم لم يذكروا من حال الكناني والجعفري إلا أن لكل منهما كتابا ولا من حال الصيمري والبلخي إلا أنهما من أصحاب أبي الحسن الثالث عليه السلام ولا من حال البندقي إلا أنه نقل حكاية عن الفضل بن شاذان ولا من حال الزبيدي والجعفي والمخزومي والهمداني والبجلي إلا أنهم من أصحاب الصادق عليه السلام وبقاء أحدهم إلى عصر الكليني أبعد من بقاء ابن بزيع وقد حكم متأخروا علمائنا قدس الله أرواحهم بتصحيح ما يرويه الكليني عن محمد بن إسماعيل الذي فيه النزاع وحكمهم هذا قرينة قوية على أنه ليس أحدا من أولئك الذين لم يوثقهم أحد من علماء الرجال فبقي الأمر دائرا بين الزعفراني والبرمكي فإنهما ثقتان من أصحابنا لكن الزعفراني ممن لقي أصحاب الصادق عليه السلام كما نص عليه النجاشي فيبعد بقاؤه إلى عصر الكليني فيقوى الظن في جانب البرمكي فإنه مع كونه رازيا كالكليني فزمانه في غاية القرب من زمانه لأن النجاشي يرويه عن الكليني بواسطتين وعن محمد بن إسماعيل البرمكي بثلاث وسائط والصدوق يروي عن الكليني بواسطة واحدة وعن البرمكي بواسطتين والكشي حيث أنه معاصر للكليني يروي عن البرمكي بواسط وبدونها وأيضا فمحمد بن جعفر الأسدي المعروف بمحمد بن أبي عبد الله الذي كان معاصرا للبرمكي توفي قبل وفاة الكليني تقريب من ست عشرة سنة فلم تبق مزية في قرب زمان الكليني من زمان البرمكي جدا وأما روايته عنه في بعض الأوقات بتوسط الأسدي فغير قادح في المعاصرة فإن الرواية عن الشيخ تارة بواسطة وأخرى بدونها أمر شايع متعارف لا غرابه فيه والله أعلم بحقايق الأمور تبيين قد يدخل في أسانيد بعض الأحاديث من ليس له ذكر في كتب الجرح والتعديل بمدح ولا قدح غير أن أعاظم علمائنا المتقدمين قدس الله أرواحهم قد اعتنوا بشأنه وأكثروا الرواية عنه وأعيان مشايخنا المتأخرين طاب ثراهم قد حكموا بصحة روايات هو في سندها والظاهر أن هذا القدر كاف في حصول الظن بعدالته وذلك مثل أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد فإن المذكور في كتب الرجال توثيق أبيه رحمه الله وأما هو فغير مذكور بجرح ولا تعديل وهو من مشايخ المفيد رحمه الله والواسطة بينه و بين أبيه رحمه الله والرواية عنه كثيرة ومثل أحمد بن محمد بن يحيى العطار فإن الصدوق يروي عنه كثيرا وهو من مشايخه والواسطة بينه وبين سعد بن عبد الله ومثل الحسين بن الحسن بن أبان فإن الرواية عنه كثيرة وهو من مشايخ محمد بن الحسن بن الوليد والواسطة بينه وبين الحسين بن سعيد والشيخ عده في كتاب الرجال تارة في أصحاب العسكري عليه السلام وتارة فيمن لم يرو وينص عليه بشئ ولم نقف على توثيقه إلا في غير بابه في ترجمة محمد بن أورمه و الحق أن عبارة الشيخ هناك ليست صريحة في توثيقه كما لا يخفى على المتأمل ومثل أبي الحسين علي بن أبي جيد فإن
Страница 276
الشيخ رحمه الله يكثر الرواية عنه سيما في الاستبصار وسنده أعلى من سند المفيد لأنه يروي عن محمد بن الحسن بن الوليد بغير واسطة وهو من مشايخ النجاشي أيضا فهؤلاء وأمثالهم من مشايخ الأصحاب لنا ظن بحسن حالهم وعدالتهم وقد عددت حديثهم في الحبل المتين وفي هذا الكتاب والصحيح جريا على منوال مشايخنا المتأخرين ونرجوا من الله سبحانه أن يكون اعتقادنا فيهم مطابقا للواقع وهو ولي الإعانة والتوفيق واعلم أنه قد يعبر عن بعض الرواة باسم مشترك يوجب الالتباس على بعض الناس ولكن كثرة الممارسة تكشف في الأغلب عن حقيقة الحال فمن ذلك العباس الذي يروي عنه محمد بن علي بن محبوب فإنه كثيرا ما يقع مطلقا غير مقرون بفصل مميز ولكنه ابن معروف الثقة القمي ومن ذلك حماد الذي يروي عنه الحسين بن سعيد فإنه ابن عيسى الثقة الجهني ومن ذلك العلاء الذي يروي عن محمد بن مسلم وقد يقال العلا عن محمد من غير تقييد بابن مسلم والمراد به ابن رزين الثقة ومحمد الذي يروي عنه هو ابن مسلم ومن ذلك أحمد بن محمد فإنه مشترك بين جماعة يزيدون على الثلاثين ولكن أكثرهم إطلاقا وتكررا في الأسانيد أربعة ثقات ابن الوليد الفتى وابن عيسى الأشعري وابن خالد البرقي وابن أبي نصر البزنطي فالأول يذكر في أوائل السند والأوسطان في أواسطه و الأخير في أواخره وأكثر ما يقع الاشتباه بين الأوسطين ولكن حيث أنهما معا ثقتان لم يكن في البحث عن تعيينه فائدة يعتد بها وأما البواقي فأغلب ما يذكرون مع قيد مميز والنظر فيمن روى عنهم ورووا عنه ربما يعين الممارس على استكشاف الحال ومن ذلك ابن سنان فإنه يذكر كثيرا من غير فصل مميز يعلم به أنه عبد الله الثقة أو محمد الضعيف ويمكن استعلام كونه عبد الله بوجوه منها أن يروي عن الصادق عليه بغير واسطة فإن محمدا إنما يروي عنه (ع) بواسطة ومنها أن يروي عن الصادق عليه السلام بتوسط عمر بن يزيد أو أبي حمزة أو حفص الأعور فإن محمدا لا يروي عنه عليه السلام بتوسط أحد من هؤلاء ومنها أن ابن سنان الذي يروي عنه النضر بن سويد أو عبد الله بن المغيرة أو عبد الله الرحمان بن أبي نجران أو أحمد بن محمد بن أبي نصر أو فضالة أو عبد الله بن جبلة فهو عبد الله لا محمد وابن سنان الذي يروي عنه أيوب بن نوح أو موسى بن القاسم أو أحمد بن محمد بن عيسى أو علي بن الحكم فهو محمد لا عبد الله وكثرة تتبع الأسانيد وممارستها تعين على رفع الاشتباه في كثير من المواضع واعلم أنه قد يختلف كلام علماء الرجال في ترجمة الرجل الواحد فيظن سبب ذلك اشتراكه وقد وقع ذلك جماعة منهم ابن داود ره في غير واحد كمحمد بن الحسن الصفار وغيره بل منهم العلامة قدس الله روحه في علي بن الحكم وغيره وقد يكون الرجل متعددا فيظن أنه واحد كما وقع له طاب ثراه في إسحاق بن عمار فإنه مشترك بين اثنين أحدهما من أصحابنا والآخر فطحي كما يظهر على المتأمل فلا بد من إمعان النظر في ذلك والله ولي التوفيق وقد يلتبس توثيق الرجل بتوثيق غيره كما وقع له أيضا طاب ثراه في ترجمة حمزة بن بزيع حيث وصفه في الخلاصة بأنه من صالحي هذه الطائفة وثقاتهم كثير العمل نظرا إلى ما يوهمه كلام النجاشي والحال أن هذه الأوصاف في كلام النجاشي أوصاف محمد بن إسماعيل بن بزيع لا أوصاف عمه حمزة كما ذكرناه في حواشينا على الخلاصة وقد اشتبه توثيق الابن بتوثيق الأب وبالعكس لإجمال في العبارة كعبارة النجاشي في ترجمة الحسن بن علي بن النعمان ولذلك عد بعد أصحابنا كالعلامة في المنتهى والمختلف حديثه في الحسان اقتصارا على المتيقن وبعضهم عده في الصحاح لندرة توثيق الرجل في غير بابه والله ولي التوفيق خاتمة
Страница 277
قد سلك كل من مشايخنا المحمدين الثلاثة قدس الله أرواحهم في كتابه في ذكره مسلكا لم يسلكه الآخر أما ثقة الإسلام أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني طاب ثراه فإنه ملتزم في كتاب الكافي أن يذكر في كل حديث جميع سلسلة السند بينه وبين المعصوم عليه السلام وقد يحتل بعض السند على ما ذكره قريبا وهذا في حكم المذكور وأما رئيس المحدثين أبو جعفر محمد بن بابويه القمي عطر الله مرقده فدأبه في كتاب من لا يحضره الفقيه ترك أكثر السند والاقتصار في الأغلب على ذكر الراوي الذي أخذ عن المعصوم عليه السلام فقط ثم إنه ذكر في آخر الكتاب طريقه المتصل بذلك الراوي ولم يخل بذلك إلا نادرا وأما شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي سقا الله ضريحه صوب الرضوان فقد يجري في كتابي التهذيب والاستبصار على وتيرة الكليني فيذكر جميع السند حقيقة أو حكما وقد يقتصر على البعض فيذكر أواخر السند ويترك أوائله وكل موضع سلك فيه هذا المسلك أعني الاقتصار على ذكر البعض فقد ابتدء فيه بذكر صاحب الأصل الذي أخذ الحديث من أصله أو مؤلف الكتاب الذي أخذ الحديث من كتابه وذكر في آخر الكتابين بعض طرقه إلى أصحاب تلك الأصول ومؤلفي تلك الكتب وأحال البواقي على ما أورده في كتاب فهرست كتب الشيعة وأنا أسلك في كل حديث أنقله من أحد كتب هؤلاء المشايخ في هذا الكتاب ما سلكه صاحب ذلك الكتاب فأذكر جميع السند إن ذكره وأقتصر على البعض إن اقتصر عليه واعلم أنه كثيرا ما يتكرر في أوائل أسانيد الكافي ذكر هؤلاء المشايخ هكذا محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد وأنا أكتفي عن تعداد هؤلاء في أوائل أسانيد الأحاديث المأخوذة من الكافي بقولي الثلاثة ولا التفت بعد وضوح المراد ما يوهمه هذا اللفظ من اشتراك هؤلاء الثلاثة في الرواية عن الرجل المذكور بعدهم وكثيرا ما يذكر في أول السند قوله عدة من أصحابنا فإن قال بعدهم عن أحمد بن محمد بن عيسى فالمراد بهم هؤلاء الخمسة أعني محمد بن يحيى وعلي بن موسى الكيداني وطور بن كورة وأحمد بن إدريس وعلي بن إبراهيم بن هاشم وأنا أعبر عنهم بقولي العدة وإن قال بعدهم عن أحمد بن محمد بن عيسى فالمراد بهم هؤلاء الخمسة أعني محمد بن يحيى وعلي بن موسى الكيداني وطور بن كوره وأحمد بن إدريس وعلي بن إبراهيم بن هاشم وأنا أعبر عنهم بقولي العدة وإن قال بعدهم عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي فهم هؤلاء الأربعة أعني علي بن إبراهيم وعلي بن محمد بن عبد الله بن أذينة وأحمد بن محمد بن أمية وعلي بن الحسن وأنا أعبر عنهم بلفظ العدة أيضا وكثيرا ما يتكرر في أوائل أسانيد التهذيب والاستبصار هؤلاء المشايخ الثلاثة هكذا محمد بن النعمان عن أحمد بن محمد بن الحسن عن أبيه محمد بن الحسن بن الوليد وأنا أكتفي عن تعدادهم في أول أسانيد الأحاديث التي أنقلها من أحد الكتابين بقولي الثلاثة وكثيرا ما يتكرر في أواخر أسانيد الكافي والتهذيب والاستبصار هؤلاء الرواة الثلاثة هكذا حماد بن عيسى عن حريز عن زرارة وأنا أكتفي عن تعدادهم بقولي في أواخر السند عن الثلاثة وكثيرا ما يتكرر في السند أسماء رجال كثيرة الألفاظ مثل أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي و عبد الرحمن بن نجران وإبراهيم بن أبي محمود الخراساني وأنا أكتفي عن الأول بقولي البزنطي وعن الثاني بقولي التميمي وعن الثالث بقولي الخراساني كما أكتفي عن الحسين بن الحسن بن أبان بقولي ابن أبان وعن معاوية بن عمار بقولي ابن عمار وعن معاوية بن وهب بقولي ابن وهب وعن بريد بن معاوية العجلي بقولي العجلي
Страница 278
العجلي وعن عبد الرحمن بن الحجاج البجلي بقولي البجلي وعن عبد الرحمن بن أبي عبد الله البصري بقولي البصري وعن الحسين بن سعيد الأهوازي بقولي الأهوازي وعن علي بن مهزيار الدورقي بقولي الدورقي وعن محمد بن عبد الجبار الصهباني بقولي الصهباني وعن عبد الله بن ميمون القداح بقولي القداح وعن عبد الله بن أبي يعفور بقولي أبي محمد وعن أبي عبيدة الحذاء بقولي الحذاء وقد وضعت لكل من الأصول الأربعة علامة فعلامة الكافي كا وعلامة كتاب من لا يحضره الفقيه يه وعلامة التهذيب يب وعلامة الاستبصار ص وإن احتاج الحديث إلى بيان فعلامته ن والله ولي التوفيق ولنا إلى رواية هذه الأصول الأربعة عن مؤلفيها المشايخ الثلاثة المحمدين أعني ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني ورئيس المحدثين محمد بن علي بن بابويه القمي وشيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي أعلى الله مقامهم وأجزل في الخلد إكرامهم طرق متعددة كثيرة التحويلات والتشعبات وأنا أذكر منها طريقا واحدا مختصرا فأقول إني أروي الأصول المذكورة عن والدي وأستادي ومن إليه في العلوم الشرعية استنادي الحسين بن عبد الصمد الحارثي العاملي قدس الله تربته ورفع في دار المقامة رتبته عن شيخيه الأجلين الأفضلين قدوتي الإسلام وفقيهي أهل البيت عليهم السلام سيدنا السيد حسن بن جعفر الكركي وشيخنا الشهيد الثاني زين الملة والدين العاملي أعلى الله قدرهما وأنار في سماء الرضوان بدرهما عن الشيخ الفاضل علي بن عبد العالي العاملي الميسي عن الشيخ شمس الدين محمد بن مؤذن الجزيني عن الشيخ ضياء الدين على عن والده الأجل الجامع في معارج السعادة بين مرتبة العلم ودرجة الشهادة الشيخ شمس الدين محمد بن مكي عن الشيخ المدقق فخر الدين أبي طالب محمد عن والده العلامة آية الله في العالمين جمال الملة والحق والدين الحسن بن مطهر الحلي عن شيخه الكامل رئيس المحققين نجم الملة والدين أبي القسم جعفر بن الحسن بن السعيد عن السيد الجليل أبي على فخار بن معد الموسوي عن الشيخ الأوحد أبي الفضل بن شاذان بن جبرئيل القمي عن الشيخ الفاضل الفقيه عماد الدين أبي جعفر محمد بن أبي القاسم الطبري عن الشيخ الأجل أبي على الحسن عن والده قدوة الفرقة شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي وله قدس الله روحه إلى ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني طرق عديدة منها عن أسوة الفقهاء والمتكلمين أبي عبد الله محمد بن محمد النعمان المفيد عن الشيخ الأفضل أبي القاسم جعفر بن قولويه عنه نور الله مرقده وكذلك له إلى رئيس المحدثين الصدوق محمد بن علي بن بابويه طرق متعددة منها عن الشيخ أبي عبد الله المفيد عنه طاب ثراه فهذا طريقنا إلى أصحاب أصولنا الأربعة التي عليها المدار في هذه الأعصار وحيث قدمنا ما لا يستغنى عنه من المقدمات فقد حان الآن أن أشرع في المقصود مستعينا بالله ومتوكلا عليه فأقول قد رتبت هذا الكتاب المسمى بمشرق الشمسين على أربعة مناهج أولها في العبادات وثانيها في العقود و ثالثها في الإيقاعات ورابعها في الأحكام المنهج الأول في العبادات وفيه ستة كتب كتاب الطهارة وفيه مسالك المسلك الأول في الطهارة المائية وفيه مقاصد المقصد الأول في الوضوء وفيه مطلبان المطلب الأول في تفسير الآية الكريمة الواردة في بيانه قال الله تعالى في سورة المائدة يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم
Страница 279
إلى الكعبين والكلام فيما يتعلق بتفسير هذه الآية الكريمة يستدعي إطلاق عنان القلم بإيراد اثني عشر درسا درس إقباله جل شأنه بالخطاب بهذا الأمر يتضمن تنشيط المخاطبين والاعتناء بشأن المأمور به وجبر كلفة التكليف بلذة المخاطبة ثم إن قلنا باختصاص كلمة يا بنداء البعيد كما هو الأشهر فالنداء بها للبعد البعيد بين مقامي عز الربوبية وذل العبودية أو لتنزيل المخاطبين ولو تغليبا منزلة البعد إلا انهماك في لوازم البشرية وإن كان سبحانه أقرب إلينا من حبل الوريد أو لما تضمنه هذا النداء من تفخيم المخاطب به والإشارة إلى رفعة شأنه بالإيماء إلى أننا بمراحل عن توفية حقه وحق ما شرع لأجله ولفظة أي لما كانت وصلة إلى نداء أمثال هذه المعارف أعطيت حكم المنادى ووصفت بالمقصود بالنداء وتوسيط هاء التنبيه بينهما تعويض عما يستحقه من المضاف إليه وتأكيد للخطاب وقد كثر النداء بيا أيها الذين آمنوا في القرآن المجيد لما فيه من وجوه التأكيد بالإيماء إلى التفخيم وتكرار الذكر والإبهام ثم الإيضاح ثانيا والإتيان بحرف التنبيه وتعليق الحكم على الوصف المشعر بالعلة الباعث على الترغيب في الامتثال وتخصيص الخطاب في هذه المقامات بالمؤمنين لأنهم هم المتهيئون للامتثال وإلا فالكفار عندنا مخاطبون بفروع العبادات على أن المصر على عدم الايتمار بالشئ لا يحسن أمره بما هو من شروطه ومقدماته والقيام إلى الصلاة يمكن أن يراد به إرادتها والتوجه إليها إطلاقا للملزوم على لازمه أو المسبب على سببه إذ فعل المختار يلزمه الإرادة ويتسبب عنها فهو من قبيل قوله تعالى فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله وقيل المراد بالقيام إليها قصدها والعلاقة ما مر من اللزوم أو السببية وقيل معنى القيام إلى الشئ قصده وصرف الهمة إلى الإتيان به فلا تجوز و قيل المراد القيام المنتهي إلى الصلاة والقولان الأخيران وإن سلما عن التجوز لكن أولهما لم يثبت في اللغة و ثانيهما لا يعم جميع الحالات فالمعتمد الأول وكيف كان فالمعنى إذا قمتم محدثين وأما ما نقل من أن الوضوء كان فرضا على كل قائم إلى الصلاة وإن كان على وضوء ثم نسخ بالسنة حيث صلى النبي صلى الله عليه وآله الخمس بوضوء واحد يوم فتح مكة فلم يثبت عندنا مع أنه خلاف ما هو المشهور من أنه لا منسوخ في سورة المائدة والفاء في فاغسلوا وإن كانت جزائية لكن يستفاد منها تعقيب جزائها لشرطها فلذلك استدل بالآية على وجوب الترتيب في الوضوء بغسل الوجه ثم اليدين ثم مسح الرأس ثم الرجلين لإفادة الفاء تعقيب غسل الوجه للقيام فيتقدم على غسل اليدين من دون مؤنة استفادة الترتيب من الواو وإذا ثبت الترتيب بينهما ثبت في الباقي لعدم القائل بالفصل وفيه نظر إذ بعد تسليم إفادتها التعقيب إنما تفيد تعقيب القيام إلى الصلاة بالغسل الوارد على الوجه واليدين فكأنه سبحانه يقول إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا هذه الأعضاء الثلاثة وهذا التعقيب لا يستفاد منه تقديم شئ منها على شئ وإنما يستفاد ذلك لو جعل الواو للترتيب ومعه لا حاجة إلى مؤنة استفادة التعقيب من الفاء والوجه مأخوذ من المواجهة فالآية إنما تدل على وجوب غسل ما يواجه به منه فلا يجب تخليل الشعر الكثيف أعني الذي لا ترى البشرة خلاله في مجالس التخاطب إذ المواجهة به لا بما تحته فيكفي إجراء الماء على ظاهره كما نطق به قول الباقر عليه السلام في صحيحة زرارة كلما أحاط به الشعر فليس على العباد أن يطلبوه ولا أن يبحثوا عنه ولكن يجرى عليه الماء ولما كانت اليد تطلق على
Страница 280
ما تحت الزند وما تحت المرفق وما تحت المنكب بين سبحانه غاية المغسول منها كما تقول لغلامك اخضب يدك إلى المرفق وللصيقل اصقل سيفي إلى القبضة وليس في الآية الكريمة دلالة على ابتداء الغسل بالأصابع وانتهائه بالمرفق كما أنه ليس في هاتين العبارتين دلالة على ابتداء الخاضب والصيقل بأصابع اليد وطرف السيف فهي مجملة وسيما إذا جعلت لفظة إلى فيها بمعنى مع كما في بعض التفاسير فالاستدلال بها على وجوب الابتداء بالأصابع استدلال واه لاحتمالها كلا من الأمرين ونحن إنما عرفنا وجوب الابتداء بالمرفق من فعل أئمتنا صلوات الله عليهم درس أمره سبحانه بغسل الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين يقتضي إيجاب إيصال الماء إلى البشرة فيجب تخليل المانع من وصوله إليها ولا يجزي المسح على القلنسوة ولا على الخفين وقد خالف أكثر العامة في الخفين فجوزوا المسح عليهما بشروط ذكروها وأما نحن فقد تواتر عندنا منع أئمتنا عليهم السلام منه وإنكارهم على من يفعله وقد دلت الآية أيضا على وجوب مباشرة المكلف أفعال الوضوء بنفسه إذ المتبادر من الأمر بفعل إرادة الأمر قيام الفاعل به على الانفراد إلا مع قرينة صارفة وسيما أمثال هذه الأفعال فقد استفيد من الآية عدم جواز التولية في الوضوء مع القدرة وكذا المشاركة فيه وهو مذهب علمائنا إلا ابن الجنيد فقد وافق بعض العامة في جوازهما أما الاستعانة فيه بصب الماء في اليد ليغسل بها فلا دلالة في الآية على منعها لخروجها عن مفهوم الغسل وقد عدها علمائنا من مكروهات الوضوء وستسمع الكلام فيها عن قريب وقد يستفاد من الآية وجوب غسل الوجه من الأعلى وإن كان الأمر بالكلي يقتضي براءة الذمة بالإتيان بأي جزئي من جزئياته لأن ذلك إذا لم يكن أحد إفراده هو الشايع المتعارف وغسل الوجه من أعلاه هو الفرد الشايع المتعارف فينصرف الأمر بالغسل المطلق الأفراد الأخر الغير المتعارفة كغسله من أسفله مثلا وعلمائنا قدس الله أسرارهم استفادوا وجوب الابتداء بالأعلى من فعل الأئمة عليهم السلام عند حكاية وضوء النبي صلى الله عليه وآله وقد يستدل على ابتدائه صلى الله عليه و آله بالأعلى بأنه لما توضأ الوضوء البياني الذي قال بعده هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به أما أن يكون بدء بالأعلى أو بالأسفل والثاني باطل وإلا لتعين على الأمة ولم يجز خلافه لكنه غير متعين بإجماع الأمة فتعين الأول وفي هذا الدليل نظر لجواز أن يكون ابتداؤه صلى الله عليه وآله بالأعلى لبيان جوازه لا لتعيينه أو أن يكون ابتداؤه عليه السلام بالأعلى لكونه من الأفعال الجبلية فإن كل من يغسل وجهه بيده يغسله من أعلاه درس المرافق جمع مرفق بكسر أوله أو فتح ثالثه أو بالعكس مجمع عظمي الذراع و العضد سمي بذلك لأنه يرتفق به في الاتكاء ونحوه ولا دلالة في الآية على إدخاله في غسل اليد ولا على إدخال الكعب في مسح الرجل لخروج الغاية تارة ودخولها أخرى كقوله تعالى فنظرة إلى ميسرة وقولك حفظت القرآن من أوله إلى آخره ودعوى دخول الغاية إذا لم تتميز عن المغيا بمفصل محسوس موقوفة على الثبوت وغاية ما يقتضيه عدم التمييز إدخاله احتياطا وليس الكلام فيه ومجئ إلى بمعنى مع كما في قوله تعالى ويزدكم قوة إلى قوتكم وقوله عز وجل حكاية عن عيسى عليه السلام من أنصاري إلى الله إنما يجدي نفعا لو ثبت كونها هنا بمعناها ولم يثبت ونحن إنما استفدنا إدخال المرافق في الغسل من أفعال أئمتنا وقد اطبع جماهير الأمة أيضا على دخوله ولم يخالف في ذلك إلا شرذمة شاذة
Страница 281
من العامة لا يعتد بهم ولا بخلافهم وأما الكعبان فالمشهور بين علمائنا عدم دخولهما في المسح وليس في روايتنا تصريح بدخولهما فيه بل في بعضها إشعار بعدمه وأما العامة فقد أدخلوهما في الغسل وقد ظن بعضهم دلالة الآية على وجوب إمرار اليد على الوجه واليدين حال غسلهما زاعما أن الدلك مأخوذ في حقيقة الغسل فالأمر به مستلزم له وهو وهم باطل لا تساعد عليه لغة ولا يشهد به عرف والحق حصول الغسل بصب الماء على العضو أو غمسه فيه وإن لم يدلك وقد وافقهم بعض علمائنا على وجوب إمرار اليد عليهما حال غسلهما لكن لا فهما من الآية الكريمة بل استنادا إلى ما ثبت بالنقل الصحيح من إمرار الباقر عليه السلام يده على وجهه ويديه عند حكاية وضوء النبي صلى الله عليه وآله كما سيجئ والقول به لا يخلو من وجه إن لم يكن انعقد الإجماع منا على خلافه واعلم أنهم حملوا الماء في قوله تعالى وامسحوا برؤوسكم على مطلق الإلصاق ومن ثم أوجب بعضهم مسح كل الرأس واكتفى بعضهم ببعضه وأما نحن فالباء في الآية عندنا للتبعيض كما نطقت به صحيحة زرارة عن الباقر عليه السلام حيث قال فيها إن المسح ببعض الرأس لمكان الباء وبعد ورود مثل هذه الرواية عنهم عليهم السلام فلا يلتفت إلى إنكار سيبويه مجئ الباء في كلام العرب للتبعيض في سبعة عشر موضعا من كتابه على أن إنكاره هذا مع أنه كالشهادة على نفي معارض بإصرار الأصمعي على مجيئها له في نظمهم ونثرهم وهو أشد أنسا بكلام العرب وأعرف بمقاصدهم من سيبويه ونظرائه وقد وافق الأصمعي كثير من النحاة فجعلوها في قوله تعالى عينا يشرب بها عباد الله للتبعيض وعندنا أن الواجب في مسح كل من الرأس والرجلين ما يتصدق عليه الاسم لحصول امتثال الأمر بالكلي بالإتيان بأحد جزئياته وقد دل على ذلك صريحا صحيح الآخرين عن الباقر عليه السلام حيث قال فإذا مسحت بشئ من رأسك أو بشئ من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع فقد أجزئك درس الحق أنه لا دلالة في الآية الكريمة على الترتيب أصلا إذا الأصح أن الواو لمطلق الجمع في عطف المفردات والجمل وما قيل من استفادة الجمع فيها من جوهر اللفظ فلا حاجة إليه مدفوع باحتمال الأضراب وقوله صلى الله عليه وآله في السعي ابدؤا بما بدء الله به معارض بسؤالهم وكذا إنكارهم على ابن عباس في تقديم العمرة معارض بأمره بل هو أدل على مرادنا وأما استفاد الترتيب فيما نحن فيه من الفاء الجزائية المفيدة لتعقيب جزائها لشرطها أعني تعقيب القيام إلى الصلاة بغسل الوجه على ما مر بيانه فقد عرفت الكلام فيه ونحن إنما استفدنا وجوب الترتيب الذي عليه أصحابنا من النقل عن أئمتنا عليهم السلام وقد حاول بعض الأعاظم من متأخري علمائنا استنباطه من الآية بوجه آخر بيانه أنه قد تقرر في العربية أن العامل في المعطوف هو العامل في المعطوف عليه والعامل هنا فعل الغسل الواقع على الوجه واليدين ولفظة إلى متعلقة به وهي لانتهاء غاية المصدر الذي تضمنه الفعل أعني طبيعة الغسل وقد جعل غايته المرفقين فليس بعد غسلهما غسل والوجه مغسول فغسله قبل غسلهما البتة ولا يجوز أن يقدر اغسلوا لتكون كلمة إلى غاية له وحده للزوم تغاير عاملي المعطوف والمعطوف عليه وقس على هذا فعل المسح الواقع على الرأس والرجلين هذا حاصل الدليل وظني أنه قاصر عن إفادة المراد بل منحرف عن نهج السداد أما أولا فلتطرق الخدش إلى بعض مقدماته وبعد الإغماض عن ذلك فلا دلالة فيه على تقديم اليد اليمنى على اليسرى ولا على تقديم المغسولات
Страница 282
على الممسوحات بل ولا على تقديم الوجه على اليدين ولا الرأس على الرجلين إذ غاية ما دل عليه أن المرافق نهاية الغسل و الكعبين نهاية المسح وهذا يتحقق لو وسط الوجه بين اليد اليمنى واليسرى وكذا لو وسط الرأس بين إحدى الرجلين و الأخرى إذ يصدق على هذا الوضوء أن نهاية الغسل فيه المرافق ونهاية المسح الكعبان وأما ثانيا فلأنه لا ينطبق على ما عليه أكثر علمائنا من وجوب الابتداء في غسل اليدين بالمرفقين بل ولا على ما ذهب إليه أقلهم كالمرتضى رضي الله عنه من جواز النكس لأنه لا يوجبه وإنما يقول بإجزائه ولو تم هذا الدليل لاقتضى وجوبه كما لا يخفى ومما تلوناه يظهران هذا الدليل إنما يدل بعد اللتيا واللتي على وجوب ترتيب ما في الجملة بين أعضاء الوضوء وعدم إجزاء بعض الصور السبعمأة والعشرين التي جوزها الحنفية كتأخر غسل الوجه عن غسل اليدين فيمكن أن يجعل دليلا إلزاميا لهم على وجوب الترتيب في الوضوء لأنه إذا ثبت الترتيب في البعض ثبت في الكل إذ لا قائل بالفصل ولا يخفى أنه لو تم على العامة لاقتضى إلزامهم بوجوب تقديم غسل الرجلين على مسح الرأس لعطفهم الأرجل على الوجوه فتأمل وقد يستنبط الترتيب الذي نحن عليه من الآية باستعانة ما روي من أنه لما نزل قوله تعالى إن الصفا والمروة من شعائر الله قيل يا رسول الله بأيهما نبدأ فقال صلى الله عليه وآله بدءوا بما بدأ الله به وهو عام والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ولا يخفى ما في هذا الدليل فإنه وإن دل على تقديم الوجه على اليدين والرأس على الرجلين لكن لا يدل على تقديم اليد اليمنى على اليسرى بل يمكن أن يقال إنه إنما يدل على وجوب الابتداء بالوجه وعدم تقديم شئ من الأعضاء عليه وأما الترتيب بقية الأعضاء فللبحث في دلالته عليه مجال لأنه إنما دل على الابتداء بما بدء الله تعالى به لا على التثنية بما ثنى والثلاث بما ثلث وفهم السائلين التثنية بالمروة لأنه لا ثالث هناك بخلاف ما نحن فيه اللهم إلا أن يحمل الابتداء في قوله ص ع ابدأوا بما بدأ الله به على عموم المجاز ليشمل الابتداء الحقيقي والإضافي معا والأولى أن يضاف إلى هذا الدليل مقدمة أخرى وهو أنه إذا ثبت وجوب تقديم الوجه ثبت الترتيب لعدم القائل بالفصل درس اختلف الأمة في المراد بالكعب في قوله تعالى إلى الكعبين فلأصحابنا رضي الله عنهم قولان الأول أنه فيه القدم أمام الساق ما بين المفصل والمشط وعليه أكثر فقهائنا المتأخرين وكلام شيخنا المفيد طاب ثراه صريح فيه الثاني أنه عظم مائل إلى الاستدارة واقع في مفصل القدم نأت عن ظهره يدخل نتوة في طرف الساق وهو مشاهد في عظام الأموات وقد يعبر عنه بالمفصل لمجاورته له ووقوعه فيه وهذا هو الكعب عند العلامة جمال الملة والدين قدس الله روحه وبه صرح ابن الجنيد حيث قال الكعب في ظهر القدم دون عظم الساق وهو المفصل الذي هو قدام العرقوب وأما العامة فأكثرهم على أنه أحد العظمين الناتيين عن يمين القدم وشماله ويقال لهما المنجمان والنادر منهم كمحمد بن الحسن الشيباني على أنه العظم الواقع في مفصل القدم كما هو عند العلامة طاب ثراه وأما اللغويون فالمستفاد من تتبع كلامهم أن الكعب في كلام العرب يطلق على أربعة معان الأول نفس المفصل بين الساق والقدم كما قال في القاموس الكعب كل مفصل للعظام انتهى وأهل اللغة يسمون المفاصل التي بين أنابيب القصب كعابا قال في الصحاح كعوب الرمح والنواشز في أطراف الأنابيب وقال في المغرب الكعب المعقدة بين الأنبوبتين في القصب الثاني العظم الناتئ
Страница 283
في وسط القدم بين الساق والمشط وبه قال من أصحابنا اللغويين عميد الرؤساء في كتابه الذي ألفه في الكعب كما نقله عنه شيخنا الشهيد الثالث أنه أحد الناتيين عن جانبي القدم كما قاله فقهاء العامة الرابع أنه عظم مايل إلى الاستدارة واقع في ملتقى الساق والقدم كالذي في أرجل البقر والغنم وربما يلعب به الأطفال وقد ذكره صاحب القاموس وبحث عنه علماء التشريح كجالينوس وابن سينا في القانون وغيره وكلام الجوهري غير آب عنه حيث قال الكعب العظم الناشز عند ملتقى الساق والقدم وكلام أبي عبيدة أصرح منه حيث قال الكعب الذي في أصل القدم ينتهي إليه الساق بمنزلة كعاب القناة وهذا هو الذي قال به العلامة قدس الله روحه كما قلنا و قد عبر عنه في بعض كتبه بمجمع الساق والقدم وفي بعضها بالناتي وسط القدم يعني وسطه العرفي وفي بعضها بمفصل الساق والقدم وقال إن هذا هو الكعب عند علمائنا ونسب من فهم من عباراتهم خلاف ذلك إلى عدم التحصيل قال رحمه الله في المنتهى الكعب هو الناتي وسط القدم وقد تشتبه عبارة علمائنا على بعض من لا مزيد تحصيل له في معنى الكعب وقال في المختلف يراد بالكعبين هنا المفصل بين الساق والقدم وفي عبارة أصحابنا اشتباه على غير المحصل هذا كلامه ولقد أطنب أكثر المتأخرين عن عصره أنار الله برهانه في إنكار ما ذهب إليه وطولوا لسان التشنيع عليه وحاصل تشنيعهم يدور على ستة أمور الأول أن قوله هذا مخالف لما أجمع عليه أصحابنا بل لما أجمع عليه الأمة من الخاصة والعامة الثاني أنه مخالف للأخبار الصريحة الثالث أنه مخالف لكلام أهل اللغة إذ لم يقل أحد منهم أن المفصل كعب الرابع أنه صب عبارات الأصحاب على مدعاه مع أنها ناطقة بخلاف دعواه الخامس أن الكعب في ظهر القدم والمفصل الذي ادعي أنه الكعب ليس في ظهر القدم السادس أنه مخالف للاشتقاق من كعب إذا ارتفع كما صرح به اللغويون وقد أوردت تشنيعاتهم بألفاظهم في الحبل المتين وفي شرح الحديث الرابع من الأحاديث الأربعين وظني أن الحق ما قاله العلامة أحله الله دار المقامة وأن كلامهم عليه في غير موضعه وتشنيعهم واقع في غير موقعه كما يظهر عليك إن شاء الله تعالى درس مما يستدل به من جانب العلامة طاب ثراه إلى أن الكعب واقع في مفصل القدم ما رواه في الكافي بطريق حسن عن زرارة وبكير ابني أعين أنهما سئلا أبا جعفر عليه السلام عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله فدعا بطست أو تور فيه ماء فغمس يده اليمنى فغرف بها غرفة فصبها على وجهه إلى أن قالا ثم مسح رأسه وقدميه ببلل كفه لم يحدث لهما ماء جديدا ثم قال إن الله عز وجل يقول يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق فليس له أن يدع شيئا من وجهه إلا غسله وأمر أن يغسل إلى المرفقين فليس له أن يدع من يديه إلى المرفقين شيئا إلا غسله ثم قال وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين فإذا مسح بشئ من رأسه أو بشئ من قدميه ما بين الكعبين إلى أطراف الأصابع فقد أجزئه فقلنا أين الكعبان قال هيهنا يعني المفصل دون عظم الساق فقلنا هذا ما هو فقال هذا عظم الساق و الكعب أسفل من ذلك وروى في التهذيب بطريق صحيح عن زرارة وبكير أنهما قالا بعدما حكى لهما الباقر عليه السلام وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله قلنا أصلحك الله فأين الكعبان قال هيهنا يعني المفصل دون عظم الساق فقالا هذا ما هو قال هذا عظم الساق وهذان الحديثان المعتبران شاهدان شهادة صريحة بما قاله العلامة طاب ثراه
Страница 284
ويزيد ذلك وضوحا أن الإمام عليه السلام بعدما توضأ ومسح قدميه بحضور الأخوين وشاهدا كيفية مسحه سألاه أين الكعبان وسؤالهما بعد مشاهدة مسحه عليه السلام يدل على أنه عليه السلام لما تجاوز قبة القدم التي هي أحد المعاني الأربعة للكعب بحسب اللغة وبلغ بالمسح المفصل أراد أن يعلما أن الكعب في الآية الكريمة هل المراد به نفس المفصل أو العظم الواقع في المفصل إذ كل منهما يسمى كعبا بحسب اللغة وقد انتهى مسحه عليه السلام إليهما معا فسألاه أين الكعبان ولو انتهى مسحه عليه السلام بقبة القدم لعلما ذلك بمجرد ذلك أنها هي الكعب المأمور بانتهاء المسح إليه في الآية الكريمة ولم يحسن سؤالهما بعد ذلك أين الكعبان لظهور أن عدم تجاوزها في مقام بيان وضوء النبي صلى الله عليه وآله نص على أنها هو وأيضا إشارته عليه السلام إلى مكان كعب بقول هيهنا يشعر بأن الكعب واقع في المفصل وإلا لقال هو هذا ولم يأت بلفظة هيهنا المختصة بالإشارة إلى المكان وكذا قولهما بعد ذلك هذا ما هو وإجابته عليه السلام بأن هذا عظم الساق يشعر بأن إشارته كانت إلى شئ متصل بعظم الساق وملاصق له كما لا يخفى ومن تأمل هذين الحديثين ظهر عليه شدة اهتمام زرارة وأخيه في التفتيش عن حقيقة الكعب والتعبير عنه وبما تلوناه عليك يظهر أن ما يقال من أن المشار إليه في قوله عليه السلام هاهنا لعله إنما كان قبة القدم فاشتبه ذلك على الأخوين فظنا أنه عليه السلام أشار إلى المفصل خيال ضعيف وأيضا فالالتفات إلى أمثال هذه الاحتمالات وتجويز أمثال هذه الاشتباهات على الرواة في أخبارهم عن المشاهدات وسيما هذين الراويين الجليلين يؤدي إلى عدم الاعتماد على أخبارهم بالمسموعات فيرتفع الوثوق بالروايات وبما قررناه يظهر أن استدلال العلامة في المنتهى والمختلف بحديث الأخوين استدلال في غاية المتانة وأما تشنيعات المتأخرين عليه فالجواب عن الأول أنه إن تحقق إجماع أصحابنا رضي الله عنهم فإنما تحقق على أن الكعب عظم في ظهر القدم لا عن جانبيه كما يقوله العامة واقع عند معقد الشراك و العلامة يقول به وانعقاد الإجماع على ما ينافي كلامه غير معلوم وعن الثاني أنه لا خبر في هذا الباب أصرح من خبر الأخوين وهو إنما ينطبق على كلامه طاب ثراه كما عرفت وأما الأخبار الدالة على أن الكعب في ظهر القدم كما رواه الشيخ في الحسن عن ميسر عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال الوضوء واحدة واحدة ووصف الكعب في ظهر القدم فلا يخالف كلامه إذ الكعب عنده واقع في ظهر القدم غير خارج عنه إذ القدم ما تحت الساق من الرجل ولا يخفى على من له أنس بلسان القوم أن ما تضمنه هدا الحديث من قول ميسر أن الباقر عليه السلام وصف الكعب في ظهر القدم يعطي أنه عليه السلام ذكر للكعب أوصافا ليعرفه بها السائل ولو كان الكعب هذا المرتفع المحسوس المشاهد لم يحتج إلى الوصف بل كان يكفي أن يقول هو هذا وعن الثالث بأن صاحب القاموس وغيره صرحوا بأن المفصل يسمى كعبا كما مر وعن الرابع أن صراحة كلام الأصحاب في خلاف كلام العلامة ممنوعة بل بعضها كعبارة ابن الجنيد صريحة في الانطباق عليه كما عرفت وبعضها كعبارة السيد المرتضى وأبي الصلاح وابن إدريس والمحقق ليست آبية عن التنزيل عليه عند التأمل نعم عبارة المفيد صريحة في خلافه كما مر وإيراده لها في المختلف ليس لتأييد ما ذهب إليه كما قد يظن بل لبيان سبب وقوع الاشتباه على الناظر في عباراتهم فلا يرد عليه أنه استشهد بما يخالف مدعاه
Страница 285
عن الخامس والسادس بأن العظم المستدير الذي هو الكعب عنده في الحقيقة واقع في ظهر القدم كما قلنا في الجواب عن الثاني وهو مرتفع العظم عنه وواقع فوقه كما بيناه واعلم أنه طاب ثراه بعد ما استدل بصحيح الأخوين على ما ادعاه استدل أيضا برواية زرارة عن الباقر عليه السلام المتضمنة لمسح ظهر القدمين ثم قال وهو يعطي الاستيعاب وغرضه قدس الله روحه الاستيعاب الطولي أعني مرور خط المسح ولو بإصبع على طول القدم فيتصل آخره بالمفصل لا محالة وليس مراده استعياب مجموع ظهر القدم طولا وعرضا ويدل على ذلك قوله في التذكرة ولا يجب استيعاب الرجلين بالمسح بل يكفي المسح من رؤس الأصابع إلى الكعب ولو بإصبع واحدة عند أهل البيت عليهم السلام ثم قال ويجب استيعاب طول القدم من رؤس الأصابع إلى الكعبين فلا وجه للاعتراض عليه بأن استيعاب ظهر القدم لم يقل به أحد منا لأن ذاك هو الاستيعاب طولا وعرضا معا وقد خرج بالإجماع فنزل ظاهر الرواية على الاستيعاب الطولي وإنما بسطنا الكلام في هذا المقام لأنه بذلك حقيق والله ولي التوفيق درس قد طال التشاجر وامتد النزاع بين الأمة في مسح الرجلين وغسلهما في الوضوء فقال فرقة بالمسح وقال طائفة بالغسل وقال جماعة بالجمع وقال آخرون بالتخيير أما المسح فهو مذهب كافة أصحابنا الإمامية رضي الله عنهم عملا بما تفيده الآية الكريمة عند التحقيق واقتداء بأئمة أهل البيت عليهم السلام ونقل شيخ الطائفة في التهذيب أن جماعة من العامة يوافقوننا على المسح أيضا إلا أنهم يقولون باستيعاب القدم ظهرا وبطنا ومن القائلين بالمسح ابن عباس رضي الله عنه وكأن يقول الوضوء غسلتان ومسحتان من باهلني باهلته ووافقه أنس بن مالك وعكرمة والشعبي وجماعة من التابعين وقد نقل علماء العامة من المفسرين وغيرهم أنه موافق لقول الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام وقول آبائه الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين و أما الغسل فهو مذهب أصحاب المذاهب الأربعة وزعموا أن النبي صلى الله عليه وآله أمر به ونهى عن المسح وكذلك أمير المؤمنين عليه السلام ورووه عن عايشة و عبد الله بن عمر وستسمع تفصيله عن قريب وأما الجمع بين الغسل و المسح فهو مذهب داود الظاهري والناصر للحق وجم غفير من الزيدية وقالوا قد ورد الكتاب بالمسح ووردت السنة بالغسل فوجب العمل بهما معا ككثير من العبادات التي وجب بعضها بالكتاب وبعضها بالسنة ولأن براءة الذمة لا تحصيل بتعيين إلا به وأما التخيير بين الغسل والمسح فهو مذهب الحسن البصري وأبي على الجبائي ومحمد بن جرير الطبري وأتباعهم وقالوا سوى الحسن البصري أن من مسح فقد عمل بالكتاب ومن غسل فقد عمل بالسنة ولا تنافي بينهما كما في الواجب التخييري فالمكلف مخير بين الأمرين أيهما شاء فعله وأما الحسن البصري فلم يوافقهم على هذا الدليل وإن وافقهم في الدعوى وذلك لأنه حمل الآية على التخيير واعلم أن القراء السبعة قد اقتسموا قرائتي نصب الأرجل وجرها على التناصف فقرء الكسائي ونافع وابن عامر وحفص عن عاصم بنصبها وحمزة وابن كثير وأبو عمر وأبو بكر عن عاصم بجرها وحمل الماسحون قراءة النصب على العطف على محل الرؤس كما تقول مررت بزيد وعمرا بالعطف على محل زيد لأنه مفعول به في المعنى والعطف على المحل شايع في كلام العرب مقبول عند النحاة وأما قراءة الجر فلا حاجة لهم إلى توجيهها إذ ظهورها في المسح غني عن البيان والغاسلون حملوا قراءة النصب على عطف الأرجل على الوجوه أو على اضمار عامل آخر
Страница 286
تقديره واغسلوا أرجلكم كما أضمروا العامل في قول الشاعر علفتها تبنا وماء باردا وقول متقلدا سيفا و رمحا واضطربوا في توجيه قراءة الجر فقال بعضهم أن الأرجل فيها معطوفة على الوجوه وإنما جرت لمجاورة المجرور أعني الرؤس نحو قولهم حجر ضب خراب وقال آخرون هي معطوفة على الرؤس والآية مقصورة على الوضوء الذي يمسح فيه الخفان وليس المراد بها بيان كيفية مطلق الوضوء ولم يرتض الزمخشري في الكشاف شيئا من هذين الوجهين بل طوى عنهما كشحا واخترع وجها آخر حاصله أن الأرجل معطوفة على الرؤس لا لتمسح بل لتغسل غسلا يسيرا شبيها بالمسح لئلا يقع إسراف في الماء بصبه عليها فهذا غاية ما قاله الماسحون والغاسلون في تطبيق كل من تينك القرائتين على ما يوافق مرادهم ويطابق اعتقادهم وأما الجامعون بين الغسل والمسح فهم يوافقون الإمامية في استفادة المسح من الآية على كل من القرائتين كما مر تقريره و أما المخيرون بين الأمرين فرئيسهم أعني الحسن البصري لم يقرء بنصب الأرجل ولا بجرها وإنما قرأها بالرفع على تقدير وأرجلكم مغسولة أو ممسوحة وباقيهم وافقوا الإمامية على ما استفادوه من الآية فهذه أقوال علماء الأمة بأسرهم في هذه الآية الكريمة وآرائهم عن آخرهم في هذه المعركة العظيمة اللهم اهدنا لما اختلف فيه بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم درس تمسك أصحابنا في وجوب المسح بما ثبت بالنقل المتواتر عن أئمة أهل البيت عليهم السلام أنهم كانوا يمسحون أرجلهم في الوضوء ويأمرون شيعتهم بذلك وينقلونه عن جدهم رسول الله صلى الله عليه وآله وأبيهم أمير المؤمنين عليه السلام وينهون عن الغسل ويبالغون في إنكاره وقد سئل أبو جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام عن مسح الرجلين في الوضوء فقال هو الذي نزل به جبرئيل عليه السلام وروينا عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنه قال يأتي على الرجل ستون وسبعون سنة ما قبل الله منه صلاة قيل له وكيف ذلك قال لأنه يغسل ما أمر الله بمسحه وأمثال ذلك عنهم عليهم السلام أكثر من أن يحصى ومن وفقه الله لسلوك جادة الإنصاف ومجانبة جانب الاعتساف لا يعتريه ريب ولا يخالجه شك في أن الآية الكريمة ظاهرة في المسح شديدة البعد عن إفادة الغسل وأن ما تمحله الغاسلون في توجيه قراءة النصب في عطف الأرجل والواقعة في ذيل الحكم بالمسح على الوجوه المندرجة في حكم الغسل لإفادة كونها مغسولة يوجب خروج الكلام عن حلية الانتظام لصيرورته بذلك من قبيل قول القائل ضربت زيدا وعمرا وأكرمت خالدا وبكرا بجعل بكر معطوفا على زيد لقصد الإعلام بأنه مضروب لا مكرم ولا يخفى أن مثل هذا الكلام في غاية الاستهجان عند أهل اللسان تنفر عنه طباعهم وتشمئز منه أسماعهم فكيف يحتج إليه أو تحمل الآية الكريمة عليه وأما ما تكلفوه لتتميم مرامهم وترويج كلامهم في ثاني وجهي توجيه تلك القراءة من اضمار فعل ناصب للأرجل سوى الفعلين المذكورين في الآية تقديره واغسلوا أرجلكم فلا يخفى ما فيه فإن التقدير خلاف الأصل وإنما يحسن ارتكابه عند عدم المندوحة عنه وانسداد الطريق إلا إليه وقد عرفت أن العطف على المحل طريق واضح لا يضل سالكه ولا تظلم مسالكه وأما التقدير في الشاهدين اللذين استشهدوا بهما فلا مناص عن ارتكابه فيهما ليصح الكلام بحسب اللغة إذ لا يقال علفت الدابة ماء ولا فلان متقلدا رمحا وإنما يقال سقيتها ماء ومعتقل رمحا وما نحن فيه ليس من ذلك القبيل والله الهادي إلى سواء السبيل و
Страница 287