( أقول): وهذه الاعتراضات قوية فالأولى الاستدلال بقوله صلى الله عليه وسلم ((لا يزني الزاني هو مؤمن))([6]) ((لا إيمان لما لا أمانة له)) ونحوهما من الأحاديث فإنها لا اعتراض عليها وما قيل إنها مبالغة على معنى أن هذه الأفعال ليست من شأن المؤمن فدعوى لم يقم عليها دليل مع ما فيهم من ارتكاب صرف الأحاديث عن ظاهرها والعدول بها عن مقتضاها، حملهم على ذلك الفرار عن نقل الإيمان من معناه اللغوي إلى معنى آخر، وقد وقعوا فيما فروا عنه من النقل فإنهم جعلوا الإيمان في الشرع التصديق بأمور تعرف من الدين بالضرورة إجمالا في موضع الإجمال، وتفصيلا في موضع التفصيل، ولا يخفى أن إطلاق الإيمان على هذا التصديق المخصوص غير إطلاقه على أصله اللغوي، فإنه في اللغة مطلق التصديق (واستدلوا) على ثبوت قولهم هذا بأشياء منها الآيات الدالة على محلية القلب للإيمان، نحو ((أولئك كتب في قلوبهم الإيمان))([7]) ((ولما يدخل الإيمان في قلوبكم))([8]) ((وقلبه مطمئن بالإيمان))([9]) والآيات الدالة على الختم والطبع على القلوب وقالوا: ويؤيده دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ((اللهم ثبت قلبي على دينك))([10]) وقوله لأسامة وقد قتل من قال لا إله إلا الله ((هلا شققت قلبه))([11]) (ومنها) أنه جاء الإيمان مقرونا بالعمل الصالح في عير موضع من الكتاب نحو ((الذين آمنوا وعملوا الصالحات))([12]) فدل على التغاير.
(ومنها) أنه قرن بضد العمل الصالح نحو ((وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا))([13]) ونحو مفهوم قوله
((الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم))([14]).
(والجواب) عن جميعها أن الإيمان في هذه المواضع كلها بمعنى التصديق وهو المعنى اللغوي لا بمعنى الإيمان الشرعي والشارع تارة يعبر بهذا وتارة بهذا فقد قال في الصلاة الشرعية ((وأقيموا الصلاة))([15]) ونحوها في الصلاة اللغوية ((صلوا عليه وسلوا تسليما))([16]) ونحوها.
Страница 187