Знаменитые знамения мусульман
مشاهير أعلام المسلمين
الشيخ محمد الحامد
فلم يلبث أن وجد أهلا بأهل وشيوخا بشيوخ ، وجد فيهم الأنس الروحي ، ووجدوا فيه الأخ الوفي .. وكان بين هؤلاء الإمام الشهيد حسن البنا الذي يقول عنه (إن المسلمين لم يروا مثل حسن البنا منذ مئات السنين .. كان لله بكليته بروحه وجسده ، بقلبه وقالبه ، بتصرفاته وتقلبه ، وكان الله له واجتباه وجعله من سادات الشهداء الأبرار) . إعداد: د. خالد الأحمد: ... ...
يقول الشيخ محمد المجذوب في كتابه ( علماء ومفكرون عرفتهم ) :
نشأة قاسية :
ولد مترجمنا الفاضل رحمه الله في العام 1328 ه بمدينة حماة ، حماها الله ، وسطا بين أخوين شقيقين أكبرهما الشاعر المعروف الأستاذ بدر الدين ، وأصغرهما الأستاذ عبد الغني ، وكلاهما قضى السنين الطويلة من عمره في تدريس العربية .. وكان والدهم الشيخ محمود الحامد شيخ الطريقة النقشبندية في بلده موضع التقدير والتوقير من أهل حماة ، قليل ذات اليد يعيش مع أسرته على مورده الضئيل من الكتاب ، الذي كان يعلم فيه الأطفال ، وقد شاء الله أن يدركه الأجل ولما يتجاوز المترجم السادسة من سنيه ، وفي السنة التالية تبعته الوالدة ، فكان على هؤلاء الثلاثة أن يذوقوا مرارة اليتم من الأبوين ، والحرمان من أهم الضروريات التي يحتاج إليها أمثالهم ، وبخاصة في ذلك العهد الذي بلغت فيه الحرب العالمية الأولى ذروتها ، ولم يكن بينهم من يصلح للتكسب إذ كان أكبرهم في الخامسة عشرة ، وكلهم في نطاق الدراسة ، ومن هنا رأى بعض أقربائهم أن يتدبروا أمرهم بما هو خير لهم ، فباعوا أثاث المنزل ، ثم أجروه لمدة طويلة ، وأودعوا ذلك أمانة عند بعض الثقات لينفق عليهم منها ، بعد أن سلموا كبيرهم حصته ليستعين بها في دراسته ومعيشته ، وضم اليتيمان الآخران إلى بعض الأسر الفقيرة يعيشان معها في بيوتها الطينية ، ومع أولادها الغارقين في الجهل والإهمال ، مقابل أجور محدودة تدفع إليها من مدخراتهم القليلة .
ويصف المترجم رحمه الله أوضاعهما تلك بقوله : (كنا كثيرا ما نبقى في المدرسة أثناء فرصة الغداء دون طعام ، حتى إن أخي كان يبكي أحيانا من شدة الجوع ، على حين أشغل نفسي باللعب عن آلام الحرمان ).
وبإزاء هذا البؤس اضطر أخوهم بدر الدين إلى قطع دراسته ليسعى في طلب الرزق لمساعدتهما وتعليمهما ، ولا سيما بعد أن أوشك ما لهما على النفاد فكان لهما بمثابة الأم والأب
على أن هذا المأزق الصعب لم يقطع اليتيمين عن الدراسة ، فقد حزم بدر الدين عزمه على تعليمهما مهما لقي في ذلك من العنت ، وقد ركز اهتمامه بوجه خاص على محمد ، لما كان يبدو عليه من ملامح الذكاء والاجتهاد ، وبخاصة بعد أن رأى تفوقه على سائر رفاقه ، وهكذا أتيح له أن يتنقل من صف إلى آخر من المدرسة الابتدائية ، حتى فرج الله كربة الحرب ، وعين بدر الدين معلما في العام 1920 ، فكان في راتبه متسع لتوفير حياة أيسر لهم جميعا .. وكان المأمول أن يتابع محمد دراسته بعد إنهائه المرحلة الابتدائية في القسم الإعدادي ، بيد أنه لم ينسجم مع ذلك الجو الجديد ، وظل متطلعا إلى إيثار التعليم الشرعي في حلقات الشيوخ ، فاستجاب له أخوه ، وألحقه بدكان خياطة فكان يعمل فيها نهاره ، فإذا جاء المساء قصد إلى دروس العلماء في المساجد ، واستمر على ذلك حتى افتتحت مدرسة (دار العلوم الشرعية) فما لبث أن هجر الخياطة إليها ، مع استمراره على حضور تلك الحلقات .
وكان رحمه الله يعتبر مرحلته في (دار العلوم الشرعية) أسعد أيام حياته ، إذ وجد فيها وفي دروس المساجد ري ظمأه إلى العلم . ويحدث رحمه الله عن شيوخه في هذه المرحلة فيذكر منهم خاله العلامة السلفي الشيخ سعيد الجابي ، الذي بتوجيهه أخذ طريقه إلى العلم الديني ، وإلى حفظ كتاب الله ، ثم شيخ الشافعية بحماة محمد توفيق الصباغ ، وكان مدير الدار، ويصفه بالحنو على طلابه والاهتمام الكبير في تعليمهم ، ثم العلامة مفتي حماة الشيخ محمد سعيد النعساني ، الذي يقول عنه إنه ذو الباع الطويل في العلوم والمعارف ، والحرص الشديد على السمو بهمة طلابه إلى معالي الأمور، ويخص بالذكر والد زوجه العالم الورع الزاهد الشيخ أحمد المراد ، الذي أحسن تربيته ، وتعليمه وزوجه ابنته قبل أن يكون له مورد رسمي
وفي العام 1347 ه أنهى دراسته في دار العلوم الشرعية بحماة ، وكان عليه أن يرحل لإشباع رغبته العلمية ، فقصد إلى حلب حيث التحق بمدرسة خسرو الشرعية ، وكانت حتى ذلك العهد كما يقول أرقى المدارس الشرعية في بلاد الشام ، إذ كان مدرسوها من قمم العلم في الشهباء ، وكانت مناهجها على غاية من القوة والسعة ، وتعتبر هذه المرحلة أهم ما مر به من المراحل الدراسية حتى اليوم ، وفيها بدأ نبوغه حتى ليصفه أحد شيوخه بأنه (بحر علم لا تنزحه الدلاء).
وعلى دأبه في الطلب لم يقصر دراسته على الخسروية وحدها ، بل أخذ نفسه بملازمة حلقات العلماء وبخاصة عالم الشهباء الشيخ نجيب السراج ، وضاعف ذلك إقباله على المطالعة الحرة لإرواء عطشه الدائم إلى مناهل العلم .
ومن هنا جاء قوله رحمه الله : (إن المناهج الرسمية تعني بتكوين الشخصية العلمية أما التضلع من العلم فطريقه المطالعة الواسعة) .
ويتحدث عن شيوخه في هذه المرحلة فيذكر منهم الشيخ أحمد الزرقاء الذي يقول إنه لم يجلس إلى أفقه منه حتى في مصر، وقد بلغ من اجتهاده أنه كان يرجع إلى الكتب التي نقل عنها ابن عابدين حاشيته الشهيرة رد المحتار فيجده واهما في بعض النقول .
ويعدد من هؤلاء الأساتذة : الشيخ أحمد الكردي مفتي الحنفية بحلب والشيخ عيسى البيانوني نزيل البقيع والشيخ إبراهيم السلقيني ، والشيخ محمد الناشد ، والشيخ راغب الطباخ مؤلف (أعلام النبلاء في تاريخ حلب الشهباء) وكثيرا غيرهم من فضلاء العلماء ، الذين تركوا أثرهم عميقا في تكوينه العلمي .
بين حماة والقاهرة :
وفي الأثر (منهومان لا يشبعان طالب علم وطالب مال ) ولقد بلغ النهم إلى العلم بفقيدنا العزيز أقصى حدوده ، فلا يرويه درس ولا كتاب ، وبالأمس أتم دراسته في حماة ، فانطلق يطلبها في حلب وإذا استكمل اليوم مناهجه في خسروية الشهباء فهل يقف مكتوف اليدين يقنع نفسه بأن الشوط قد انتهى ، فحق له أن يستريح بعده !! كلا .. فليس هذا من طبع مثله ، ولابد له من أن يوجه خطاه في طريق آخر جديد وهو معروف مألوف ، إنه طريق الأزهر، الذي استولى بسلطانه الروحي على العالم الإسلامي كله حتى ذلك العهد ، فلا توقف لطالب علم دون بلوغه ، ولن يستكمل قيمته العالمية حتى يكون من مجاوريه ، ويتخرج على أساطينه .. فإلى الأزهر إذن .
ولكن الأزهر في قلب القاهرة .. وقد بدأت القاهرة كغيرها من الحواضر الإسلامية التي غزتها المدينة الغربية تتجرد من طابعها الإسلامي في مختلف الجوانب والمظاهر، لا بل سبقت القاهرة سائر البلاد العربية في الأخذ بالألوان الدخيلة المخالفة لكل ما ألفه من حواضر الشام .. وحسبه منفرا من القاهرة ذلك السفور الذي بدأ يقتحم على المسلمة خدرها ، والاختلاط الذي تفاقم حتى لا يخلو منه طريق ، فأنى لمثل هذا الفتى الذي لا يكاد يعرف من الدنيا سوى المسجد والمدرسة والبيت .. أنى له أن يحتمل رؤية تلك المنكرات التي لا يملك صبرا على مشاهدتها !.. وما أفصح تعبيره عن ألمه وهو يكتب إلى بعض شيوخه في الشام قائلا : (ماذا يأمل طالب العلم الحقيقي في مصر وهو يرى المحرمات من بين يديه ومن خلفه ، وعن يمينه وعن شماله !..) وحتى الأزهر لم يسترح قلبه إليه وهو يرى إلى شيوخ فيه (غير عاملين بالسنة ، وليس عندهم شيء من الروحانية ، وطلبة يحلقون لحاهم وشواربهم وكثير منهم لا يصلون).
وهذا ما أكرهه على العودة إلى حماة ، ولكنه ما إن حل بين قومه حتى أحس بتغير الحياة كلها من حوله حتى أقرب الناس إليه قد جعلوا يقرعونه على تفويت تلك الفرصة التي لا تتاح إلا للمحظوظين .. مما اضطره للعودة في ليلة لم يودع فيها أحدا .. وكانت عودة موقفة لأن الشيخ صمم على قبول الأمر الواقع ، فلم يلبث أن وجد أهلا بأهل وشيوخا بشيوخ ، وجد فيهم الأنس الروحي ، ووجدوا فيه الأخ الوفي .. وكان بين هؤلاء الإمام الشهيد حسن البنا الذي يقول عنه (إن المسلمين لم يروا مثل حسن البنا منذ مئات السنين .. كان لله بكليته بروحه وجسده ، بقلبه وقالبه ، بتصرفاته وتقلبه ، وكان الله له واجتباه وجعله من سادات الشهداء الأبرار) .
وفي الأزهر حصل على شهادة (العالمية) وأتبعها بتخصص القضاء ، وعلى الرغم من توافر الفرص أمامه للالتحاق بالدراسات العليا مع رفيقه وزميل دراسته الشيخ مصطفى السباعي ، أبى إلا اللحاق بمسقط رأسه لقناعته أن ليس وراء حاضره سوى الشهادات ، وهو مستغن عنها بما لديه من العلم ، وبمئات المصنفات التي يتلهف لمطالعتها ..
والحق .. لقد أثبت الشيخ تفوقه على الجم الغفير من حملة الشهادات العليا ، وبخاصة في الفقه الحنفي الذي أعطاه كل طاقاته ، حتى بات فيه المرجع المجمع عليه بين علماء الشام دون منازع ..
جهاد لا يفتر:
وبعودة الشيخ إلى حماة استأنف نشاطه في الخطابة المسجدية ، وفي الدروس العامة ، التي كان قد بدأها من قبل ، وأقبل عليه طلبة العلم الشرعي يتلقفون معلوماته ، ويقتبسون عنه مبادئ السلوك والأخلاق .. وما لبث إلا قليلا حتى أحرز مودة الجميع وتقدير الكافة سواء في ذلك علماؤهم وشبابهم ونساؤهم وعامتهم .
وقد ضاعف من أثره ومن تقدير الكافة له ذلك الدأب الذي تميز به في خدمة العلم ، فدروسه لم تنقطع قط سواء في المدرسة أو المسجد أو البيت ، لا يكاد يفرغ من جانب حتى ينتقل إلى الآخر ولا يشغله عن ذلك شاغل إلا الأحوال الملزمة كالنوم والطعام والمرض ، فإذا ما وجد فسحة بين هذه الأعمال لجأ إلى القلم ينشئ ردا ، أو يجيب على استفتاء ، أو يدبج رسالة ، أو يراجع كتابا .. هذا إلى امتيازه على الكثيرين من المشايخ والعاملين في خدمة الدعوة بأنه لم يقصر عطاءه على الناس ويهمل آله ، بل جميع بين الحسنيين فكان له من تلاميذه الكثر أحسن الغراس التي شرعت تؤتي أكلها تحت عينيه ، وكان له من أبنائه السبعة خير وارث لعلمه واجتهاده وفضائله ، حتى امرأته لم يدخر وسعا في تزويدها بكل ما ينفع النسوة المؤمنات من العلم النافع ، فمجلسها حتى اليوم لا يخلو من توجيه إلى خير وإجابة على سؤال ، بارك الله في حياتها ونفع بها وبهم .
وقد زاد مكانه رسوخا في قلوب الحمويين ما يعرفونه من زهده ، وإخلاصه ، وصدق لهجته ، وصلابته في كل ما يعتقد أنه الحق .. ثم مشاركته إياهم في مكافحة الاستعمار، وإلهابه المشاعر بحب الجهاد ، لتطهير البلاد من أرجاسه ، وإيثار الشهادة مع العزة على الحياة الخانعة الذليلة .. ولما نفذت الصليبية الجديدة مؤامراتها بتقسيم فلسطين .. كان في مقدمة العلماء والزعماء المثيرين للهمم ، الشاحذين للعزائم .. وقد وطن نفسه على مرافقة أخيه الدكتور مصطفى السباعي لخوض غمرات الجهاد ، لولا تشدد إخوانه في منعه من مغادرة حماة ، يقينا منهم أن بقاءه في قلب الجمهور أنفع للقضية من مشاركته في القتال .
ولقد وقف الشيخ نفسه وجهوده على توعية المسلمين بحقائق دينهم ، ليل نهار، خطيبا ومدرسا ومناقشا ومؤلفا، لا يهادن أحدا في حق الإسلام ، ولو كان أقرب الناس إليه وأعزهم عليه .. ولهذا كثرت ردوده حتى على أحبابه ، وفي كتابه الضخم (ردود على أباطيل) سجل ناطق بهذه الحقيقة التي يستوي في معرفتها عنه القريب والبعيد . ولقد ظل زمنا فيما أعلم على خلاف مع أخيه الأستاذ عبد الغني لرأي شذبه عن المألوف في فهم العلماء لآية من كتاب الله ، فأعرض عنه ولم يشفع به ما عرفه في هذا الأخ من أدب عال وأخلاق سامية ومن كرائم الحسنات اللاتي يذهبن السيئات .
الشيخ والتصوف :
بقي أن نحدث القارئ عن جانب آخر من حياة الصديق الفقيد ، لا سبيل إلى إغفاله لأنه جزء لا يتجزأ من كيانه الأصيل . ذلك هو مسلكه الصوفي الذي جر عليه الكثير من العناء ، وكلفه في مطلع شبابه ألوان العداء ، من الأقرباء والأصدقاء .
لقد تلقى بوادر الصوفية الأولى منذ نشأته في ذلك البيت الذي كان الزهد والقناعة وسيلته إلى مجابهة الضنك الذي ينيخ عليه بكلاكله ، وطبيعي أن التصوف القائم على الرضى بالمقسوم ، ومعالجة الحرمان بالأذكار الواصلة بين الليل والنهار، أنجع الأسباب في التخفيف من أعباء الواقع ، فكيف إذا كان رب هذا البيت من شيوخ الصوفية الذين يتأسى بهم السالكون !..
فالصوفية الذاكرة الزاهدة الصابرة إذن هي أول المؤثرات التي واجهها أهل ذلك البيت ، فلا غرابة أن تطبع نفس هذا الفتى ، الملتهب المشاعر والفائض الذكاء ، بصبغتها العميقة ، فلا تكاد تزايله يوما كاملا من حياته .
وكما تأثرت نشأة الفقيد الأولى بالنزعة الصوفية ، حدث أن تأثر بنقيضتها السلفية التي كان داعيتها خاله العلامة الصالح الشيخ سعيد الجابي رحمه الله ، ونحن لا ندري مدى ذلك التأثر بتوجيهات خاله من حيث العمق والقناعة والالتزام ، ولكننا نلمحه من خلال بعض كتاباته التي أشار بها إلى موقفه من كلتا الدعوتين ، فنعلم أن تحوله إلى الصوفية كان أثناء دراسته في حلب ، والظاهر أنه كان تحولا عميقا لم يلبث أن قطعه عن رفاقه السلفيين .
نماذج من أدب الفقيد
أيها الأخوان .. إن العالم يرقبكم ، وينظر من قرب ومن بعد إلى هذا الصراع بين الحق والباطل بل إن رسول الله وأصحابه ينتظرون ما أنتم فاعلون بما خلفوا لكم من تراث مجيد ، عجنوه بدمائهم الزكية فهل تختلط دماؤكم بدمائهم في هذه الأرض أو تضنون بها فلا يكون لكم حظ من هذا السخاء الشريف .
من أحاديثه عن الشباب :
لما وجهت إلي وزارة المعارف تدريس الديانة والعربية في تجهيز حماة كنت كثير التشاؤم من حال الطلاب ووضعهم .. ولكن بعد قليل تبدل تشاؤمي تفاؤلا وانقباضي انبساطا واستبشارا .. حثثتهم على الصلاة فصاروا يصلون ، ويحضر بعضهم الدرس العام .. وقذف الله تعالى النور في قلوبهم ، فشعروا بتفريطهم الماضي ، فطفقوا يسألونني عن أحكام تتعلق بقضاء الفوائت .. ومن قريب سألني أحدهم عن حكم يتعلق بقيام الليل مبديا رغبته في قيامه ..
أولادكم يا مسلمون فيهم استعداد طيب ، فهلا تسعون إلى استثمار هذا الاستعداد ؟ أشفقوا أن تلقوا أفلاذ أكبادكم في النار بترك الغوائل تغتالهم .. .
درسه في مسجد السلطان :
كان للشيخ محمد الحامد درس يومي في مسجد السلطان ، بعيد المغرب ، ثم يؤذن للعشاء ويستمر الدرس قليلا ثم تقام الصلاة ، وكان كثير من الإخوان المسلمين يواظبون على درس الشيخ ، ويضربون مواعيد لقاءاتهم في درس الشيخ ، وبعيد درس الشيخ يلتقي الأخوان ويضربون مواعيدا جديدة ، ويبلغون من يلزم تبليغه ...
وبعد أن هدم الجيش مسجد السلطان عام (1964) انتقل درس الشيخ إلى جامع الأحدب في السوق الطويل ، واستمر فيه حتى أكملت وزارة الدفاع بناء مسجد السلطان ، وربما أكثر من سنة ...
مواقف مع الشيخ محمد الحامد يرحمه الله :
1- مع الشيخ مروان حديد
الموقف الأول وهو طالب في الثانوية :
كان مروان حديد يرحمه الله طالبا في التجهيز الأولى [ ابن رشد ] فيما بعد ، وكان الشيخ محمد الحامد مدرسا للتربية الإسلامية ، وكان مروان حديد في ذلك الحين مثل بقية أسرته ، من الاشتراكيين [ جماعة أكرم الحوراني ] ، وذات يوم سأل مروان الشيخ محمد الحامد يرحمهما الله :
قال مروان : ألست طالبا جيدا ياسيدي الشيخ ؟
أجاب الشيخ : أنت يامروان أفضل ممن هم أسوأ منك ...
وكان مروان يذكر هذا الجواب ، ويردده على مسامع إخوانه :ثيرا ،بعد أن هداه الله إلى طريق الحق ، وصار من تلاميذ الشيخ المقربين ...
الموقف الثاني :
( 1964) كان الشيخ محمد الحامد يرحمه الله أبا للإخوان المسلمين خاصة ، ولمدينة حماة عامة ، وفي اعتصام مروان حديد في مسجد السلطان ، حاول الشيخ محمد الحامد منعه من هذا الاعتصام ، فلم يستطع ، وحدثني حموي مطلع عن حوار جرى بين الشيخ محمد الحامد ومروان حديد في مكتب المهندس رامي علواني يرحمهم الله جميعا جاء فيه :
[ أنقله من روايتي مئذنة ودبابة ]
افتتح الشيخ الجلسة بالدعاء إلى الله عزوجل أن يفرج على المسلمين ، ثم قال لمروان هات ما عندك ؟ فأجاب مروان :
_ يا سيدي ، بدأ البعثيون في تنفيذ مخططهم ، لقد صفوا الجيش من الضباط المسلمين ، ثم بدأوا بتصفية التعليم ، فنقلوا بعض مدرسي التربية الإسلامية من حماة إلى مناطق يبعدونهم فيها عن الدعوة إلى الله ، أو بعيدة عن مراكز دعوتهم وأنشطتهم . كما أنهم يضايقون الطالبات في حجابهن ، ويتحدون الطلاب جهارا في هجومهم على الدين .
_ هذا دينهم ، قاتلهم الله ، وليس هذا جديدا منهم ، فهم أعداء المسلمين ، وعلينا الاستمرار في دعوتنا ؛ لنرمم بعض ما أفسدوه ونحافظ على شبابنا قدر طاقتنا ، والله المستعان .
_ يا سيدي ، مهما ضاعفنا جهودنا فإننا نرمم عشر ما يفسدون أو أقل ، لأنهم دولة بيدهم الإعلام والجيش والتربية ، لقد سلبوا الحكم منا ليقضوا علينا بواسطته ، ويقضوا على ديننا ، فماذا ينفع ترميمنا !؟ .
_ ما العمل غير ذلك يا مروان !؟ _ لم لا نعلن الجهاد !؟ الجهاد السلمي ياسيدي الشيخ ، كالاضراب ، والمظاهرات ، والاعتصام ، ومقاطعة السلطة ، .....إلخ ، وندعو المسلمين إليه فنقضي على هؤلاء الفسقة في مهدهم ، قبل أن يستفحل أمرهم ويتمكنوا من رقاب المسلمين
_ من معك يا مروان !؟
_ الشعب كله ، الشعب المسلم ؛ هل يرضى بذلك !؟
_ الشعب متفرج يا بني ، ولن يجتمعوا حولك ، بل قد يجتمع بعضهم ضدك .
_ أقصد يا سيدي الشيخ أن يقوم الإخوان المسلمون بالجهاد ضد الطغاة ، فيتبعهم المسلمون
_ الجهاد سبيلنا يا بني ، والجهاد ضد الحاكم يكون بالسياسة ، أي الجهاد السياسي ، وليس الجهاد العسكري ، أما الجهاد العسكري فهو ضد العدو الخارجي مع وجود الحاكم المسلم ، الذي يعلن الجهاد ويقوده .
طيب نعلن الجهاد السياسي .
لا لم يحن وقته بعد .
_ ومتى يحين وقته إذن!؟
_ عندما تتكون الجماعة المسلمة في صفوف الشعب ويصبح لها قاعدة شعبية صلبة يتحرك الشعب لنصرتها ، إذا حاولت السلطة ضربها ، ألا تذكر موقف الشعب من الجماعة المسلمة في مصر ، خلال الخمسينات ، عندما سلطت عليهم السلطة الكلاب المدربة تنهش أجسادهم ، والشعب صامت كأنه لا يسمع ولا يرى ، ولا يهمه سوى البحث عن الخبز والطعام وضرورات العيش التي حجبها عنه الطغاة ليشغلوه بالبحث عنها .
_ وكيف نتمكن من صفوف الشعب ، ومتى ؟
_ الدعوة مستمرة ، والقدوة الحسنة ، ومد الجسور مع فئات الشعب كلها ،والعمل على نصرة المظلومين ، فما زلنا يا مروان نحصر وجودنا بين المثقفين فقط ، وتركنا العمال والفلاحين للاشتراكيين ؛ يغزونهم ويضحكون عليهم بسراب التأميم والإصلاح الزراعي ، هذه واحدة من أخطائنا يامروان ، يجب أن نتلافاها
ولكنهم سبقونا إلى العمال والفلاحين ، وقد ساعدتهم الظروف التي هيأها لهم الإقطاعيون والبرجوازيون ، فأحسن الاشتراكيون استغلالها .
سوف تنكشف دعواهم ، وسيأتي اليوم الذي ينقلب عليهم العمال والفلاحون ، ويعودون إلى دينهم معنا ضدهم .
المثقفون طليعة الشعب ، والطلاب وقوده ، وكلاهما معنا الآن .
هذا صحيح يابني ، لكنهم الأقل عددا ، لابد من بناء القواعد في صفوف العمال والفلاحين يامروان .
مشكلة الفلاحين ياسيدي أنهم خدعوا بسراب الاشتراكية .
وعلينا يامروان أن نعلمهم كيف يميزون بين السراب والماء .
هذا ضروري ياسيدي ، لكن الزمن في صالح السلطة ، وليس في صالحنا ، فالهدم أسهل وأسرع من البناء ، ومؤسسات الدولة بيدهم ، وعندما يصفون مؤسسات التربية كما صفوا الجيش ستكون كارثة علينا .
نظرتك صحيحية يامروان ، لكن نحن ضعفاء ، وقوتهم تتزايد بسرعة ، ولن تحقق المواجهة السياسية هدفها الآن .
ماهدف المواجهة ياسيدي .
سوف تقول النصر أو السجن أو الشهادة ، اليس كذلك يامروان !؟
بلى ياسيدي ، وسوف نحقق أحد هذه الثلاثة .
( ضحك الشيخ ) وقال : هذه عاطفة الشباب ، وهذا إخلاصهم ، وأسأل الله عزوجل أن يعطيكم على هذه النوايا الطيبة ، لكن الحكمة والتعقل لايريان ماترى ياولدي ، لايصح الخروج على الطغاة إلا إذا توقعنا النصر بدرجة معقولة ، ولايجوز الإقدام على إزالة منكر يؤدي إلى منكر أكبر منه ، إننا بصطلاح الفقهاء نختار مجبرين أخف الضررين ، ولانريد أن نعطي السلطة ذريعة أمام الشعب كي تذبح العلماء ، وتهدم المساجد ، وتزج الآلاف في السجون .
ذاك ياسيدي الذي تقوله ينطبق على الخروج عسكريا على الحاكم ، ولكني أريد الخروج السياسي فقط .
ينطبق عليه ما ينطبق على العسكري ، فالحاكم لا يريد خروجا عليه ، لا سياسيا ولا عسكريا . لا تدع لهم ذريعة أمام الشعب ، يذبحوننا بسببها ، والشعب يتفرج علينا ، كما حصل في مصر .
يا سيدي عندما يتمكنون من رقاب الشعب ؛لن يحتاجوا إلى ذريعة أمامه ، وسيفعلون ما يحلو لهم ، وما يخدم مخططهم نحو ضرب الإسلام والمسلمين .
اسمع يا مروان لن يوقف الدعوة في حماة نقل بعض الأخوة مدرسي التربية الإسلامية منها ، وتهجم الحزبيين على الإسلام لن يزيد الشباب إلا تمسكا به ، أما خروجنا ضد الحكومة في هذه الحال سيضرنا كثيرا وليس في صالح المسلمين .
_إذن ندعو الشعب إلى الإضراب والمقاومة السلبية .
الشعب غير موجود الآن يا مروان ، مزقته الحزبية إلى أجزاء متناحرة ، وعندما ندعو إلى الإضراب ستجد من يصطاد في الماء العكر .
_ نحرك الطلاب يا سيدي فيحركون البلد كله .
الأفضل بل الواجب أن لا نحرك أحدا ، لأن الحركة ستؤدي إلى فتنة أكبر منا ونعجز عن مواجهتها
الفتنة موجودة الآن يا سيدي ، ألا تراهم يفتنون الناس عن دينهم صباح مساء وقد أمرنا الله عزوجل أن نقاتل حتى لا تكون فتنة ، ويكون الدين كله لله . فلنخرج سياسيا ، ونقاتلهم بالكلمة ، والمظاهرة ، والإضراب ، حتى نسقطهم .
اسمع يا مروان ، القضية خطيرة ، والحكم فيها صعب جدا ، لا يمكن استخلاصه من آية واحدة بهذه البساطة ، ولابد من الرجوع إلى العلماء ، أنت وأنا لا نكفي ، يجب الرجوع إلى مجالس العلماء ، لأن الفهم الجماعي للدين هو المطلوب ، ومادام أي تحرك سيعود أثره على الجميع ، لابد إذن من مشاركة جميع العلماء في اتخاذ مثل هذا القرار . سيدي الشيخ !!!
أليس الجهاد مفروضا علينا !!
Страница 87