إن هاتين المملكتين في أقصى الشمال من القارة الأوروبية، وهما مرتبطتان جغرافيا ارتباطا أوجب أن يكون تاريخهما - بوجه التقريب - واحدا، ولكنهما افترقتا سنة 1905 - كما سيجيء الكلام - وقد علم القارئ أن أصل الأهالي في هاتين المملكتين مثل أصل الدنماركيين، وقد اشتهروا مثلهم بالغزو والسطو، ولكن نروج صارت مملكة منظمة قبل غيرها وتبعتها الدنمارك ثم أسوج، فصارت هذه الممالك الثلاث ذات مركز معروف وقوة مشهورة، وكثرت بينها الحروب والمنافسات إلى أن ملك بلاد الدنمارك رجل اسمه ولدمار الرابع في سنة 1375، ولم يكن له وريث من أولاده فخلفه ابن ابنته مرغريتا، وهي أميرة اقترنت بملك نروج ورزقت ابنا هو أولاف الذي ورث عنها وعن أبيه بعدئذ مملكة نروج؛ فصار ملكا للبلادين، وكان ذلك بدء الاتحاد المشهور بين ممالك الشمال الثلاث. ومات أولاف هذا سنة 1387 فانتخب أمراء الدنمارك والدته مرغريتا - وهي ابنة ملكهم كما تقدم - لتكون نائبة الملك إلى أن يقع الانتخاب على ملك سواها، وكان تعيين الملوك بالانتخاب شائعا يومئذ في الممالك الشمالية. وفي السنة التالية - أي 1388 - أجمع سراة نروج على انتخاب مرغريتا أيضا وصية أو نائبة للملك في بلادهم إلى أن يقوم ملك سواها، وكان ذلك بعد مساع كثيرة منها وبدعوى أنها أم الملك المتوفى وزوجة أبيه، فعاد بذلك الاتحاد بين نروج والدنمارك، ووجهت مرغريتا همها إلى امتلاك أسوج فخدمها السعد؛ لأن أهالي تلك البلاد شقوا عصا الطاعة وقاموا على ملكهم ألبرت سنة 1388، حتى إذا هاجمت البلاد ساعدها أكثر الأهالي؛ فانتصرت على ألبرت وأسرته مع ابنه ثم أطلقت سراحه على أن يعيش بعيدا عن بلاده، وأقر الأسوجيون انتخاب مرغريتا وصية للملك في بلادهم أيضا، وبذلك اتحدت هذه الممالك الثلاث تحت حكم ملكة واحدة اشتهرت بالحزم والسياسة حتى لقيت بسميراميس الشمال على ما تقدم في تاريخ الدنمارك. ولما تم الاتحاد انتخبت كل مملكة ملكا لها على شرط أن يحكم البلاد بعد وفاة مرغريتا، وظلت هي نائبة الملك وحاكمة مستبدة ولم يسموها ملكة؛ لأن قانون أكثر الممالك الأوروبية المعروف باسم «القانون الساليكي» يمنع النساء من الحكم، وأكثر ممالك أوروبا خاضعة لهذا الناموس ما خلا إنكلترا وهولندا، وقد أبطلته البورتوغال من عهد غير بعيد، وعادت روسيا إلى نوع منه بعد أيام القيصر بولس، وهو قانون لا يعرف لمبدئه تاريخ، ولا يدري المؤرخون اسم واضعه ولكنه بقية آداب الأولين الذين كانوا يظنون أن المرأة لا تليق للأحكام.
وقام بعد ذلك ملوك كثيرون ورثوا مملكة الدنمارك وأسوج ونروج عن مرغريتا هذه، لم يشتهر لهم ذكر حتى أوائل القرن السادس عشر حين عمت المبادئ البروتستانتية في هذه الممالك، وكان الملك يومئذ كرستيان الثاني - تقدم ذكره في تاريخ الدنمارك - فلما اشتد ظلمه وأمر بذبح سراة أسوج في ستوكهولم قام عليه الأهالي تحت قيادة جوستافوس فاسا أحد أبناء ملوكهم الأولين، واستقلوا في سنة 1521، وبذلك انفصلت أسوج عن المملكة الشمالية، وأما نروج فظلت مع الدنمارك إلى سنة 1814 كما سيجيء القول.
وتقدمت أسوج بعد استقلالها هذا، واشتهر قوادها في حروب الأجيال الوسطى، وأعظمهم الملك جوستافوس أدولفوس، وهو بطل ضرغام انتصر للمذهب البروتستانتي وحارب أعداءه واحتل بلاد ألمانيا ، ففل جنودها وفرق مواكب أمرائها، وجعل لدولته مقاما عظيما، ثم قتل في معركة لوتزن سنة 1632 بعد أن ملك البلاد من عام 1611، فكانت مدة حكمه عزا عظيما لبلاد أسوج، وخلفته ابنته كرستينا على العرش، ثم تنازلت عنه لابن عمها شارل العاشر سنة 1654، وحدثت في أيامه حروب كثيرة مع بولونيا كان النصر في أكثرها لجنوده، وملك بعده ابنه شارل الحادي عشر سنة 1660 واشتهر بالعمل على تمدين بلاده وتنقيح نظاماتها وترقية شئون فقرائها، ولما مات في سنة 1667 خلفه ابنه شارل الثاني عشر وهو يومئذ فتى في الخامسة عشرة من عمره، وكان ذكي الفؤاد هماما حازما باسلا في الحروب، ولكنه قليل الحظ سيئ البخت، فإن ملك الدنمارك وملك بولونيا حارباه فانتصر عليهما ثم حاربه بطرس الكبير قيصر روسيا المشهور؛ فكان النصر في أول الأمر لجنود أسوج ولكن الروس انتصروا في آخره انتصارا عظيما في بولتافا سنة 1907، فاضطر شارل إلى الفرار من بلاده والإقامة مدة 5 سنين في مدينة بندر من مدائن تركيا، فلما عاد إلى بلاده مكرما بعد هذه المدة هاجت الأمة وماجت واستقبلته استقبالا حماسيا عظيما فعاد إلى سابق همته وعول على قهر الأعداء، ولكن القدر المحتم أصابه بقنبلة مدة حصار فردركشاد سنة 1718 في حربه مع الروس فمات مأسوفا عليه، والأسوجيون يعدونه من أعظم أبطالهم وأشهر ملوكهم.
ولم يعرف عن أسوج شيء يستحق الذكر بعد هذا إلا سنة 1809 حين تولى الملك شارل الثالث عشر، ولم يكن له وريث من آله فتبنى البرنس بونت كورفو من أمراء فرنسا، وهو المشهور في التاريخ باسم المارشال برنادوت، كان قائدا عظيما من قواد الجيش الفرنسوي على عهد نابوليون بونابارت، وهو الذي صار ملكا لأسوج سنة 1812، وما عتم أن رقي العرش حتى انضم إلى روسيا وبروسيا وإنكلترا وحارب معها رئيسه نابوليون الذي كان السبب في ترقيته؛ فكافأته الدول بعد سقوط نابوليون بتأييده على عرش أسوج، وأهدت إليه مملكة نروج أيضا وكانت تابعة إلى ذلك الحين للدنمارك، ولكن النروجيين لم يرضوا بالملك لبرنادوت فانتخبوا أميرا ألمانيا بدله، فتقدم برنادوت بجيش قوي عليهم اضطرهم إلى الرضوخ على شرط أن تكون بلادهم مستقلة في أمورها الداخلية تمام الاستقلال ولها النظامات القديمة، فقبل برنادوت رأيهم. ومن ذلك الحين صارت أسوج ونروج مملكة واحدة يحكمها آل برنادوت، ولكل مملكة من المملكتين نظامات خاصة بها تقرب من النظامات الجمهورية أو الملكية المقيدة، وقد ارتقت الأمتان بعد ذلك، فصار الأسوجيون والنروجيون الآن في طليعة المتمدنين؛ لأن التعليم عندهم إجباري، فلا تجد أميا في طول البلاد وعرضها ما خلا بعض أقسام شمالية من أسوج، والقوم أهل همة وعزيمة وحب للعلم أو المعارف. وقد اشتهر من النروجيين كثيرون شغفوا بالاكتشاف، ومن أشهرهم الدكتور نانسن الذي جاب الأقطار الشمالية، والأستاذ أندريه الذي طار إلى القطب في قبة أو بالون ولم يسمع الناس بأخباره إلى الآن، والنروجيون أصحاب متاجر واسعة، ولبلادهم مناظر غاية في الفخامة يقصدها السياح من كل البلاد، ولهم اختلاط كثير ببلاد الإنكليز، وأهل البلاد - بوجه الإجمال - معروفون بالنشاط والصدق والأمانة، حتى إنه ليضرب بهم المثل في الشهامة وكره الخداع، وهي صفات لا توجد إلا في المترقين.
وقد ملك أسوج ونروج من آل برنادوت خمسة، هم: شارل الرابع عشر الذي أسس الدولة، خلفه أوسكار الأول سنة 1844، وتلاه شارل الخامس عشر سنة 1859، ثم خلفه الملك أوسكار الثاني سنة 1872، اشتهر بحب العلم والمعارف شهرة لا تحتاج إلى الذكر، وعكف على درس التاريخ القديم والحديث حتى صار من الثقات في هذا العلم الجليل، وعرف بالميل إلى اللغات الشرقية وآدابها، فرأس مجمع المستشرقين وجمع علماء اللغات الشرقية في عاصمته على مثل ما يعلم الجمهور، وجاد بالصلات والوسامات على أهل العلم والمؤرخين، وقد اشتهر فوق علمه ومعارفه برقة القلب وبساطة المعيشة ولطف المعاشرة والحب الشديد لبلاده وأهلها، وأما الملك الخامس من آل برنادوت فهو جوستافوس أدولفوس الحالي، وسنعود إلى ذكره بعد أن نذكر حادثة انفصال أسوج عن نروج؛ لأن هذه الحادثة تمت على عهد أبيه.
قلنا إن أسوج ونروج كانتا مملكة واحدة إلى عهد قريب، ولكن النفار كان شديدا مزمنا بين الأمتين حتى إذا خالف الملك أوسكار رغبة أهل نروج في سنة 1905 اشتد النزاع وزاد ميل النروجيين إلى الاستقلال، فلما كان يوم 7 يونيو من السنة المذكورة قرر البارلمان النورويجي انفصال أمته عن السويد، وكان الشعب قد أظهر ميلا إلى هذا الانفصال ما عدا قسما منه صغيرا أراد بقاء الاتحاد، فلما عرضت هذه المسألة في البارلمان تقرر فيه أن تؤخذ أصوات الشعب، وضرب يوم 13 أوغسطس موعدا لهذا الغرض فكانت النتيجة أن 368200 من الأهالي أقروا الانفصال، وخالفهم في ذلك 184 صوتا فقط، وبذلك أصبحت نروج مملكة مستقلة بموجب هذا القرار الذي حمله، وقد ذهب به إلى ملك السويد في عاصمته استوكهولم، فلما اطلع الملك عليه قال متأسفا إنه كان يود الاتحاد؛ لأن الاتحاد يولد القوة أو على الأقل أن يؤجل تنفيذ هذا القرار إلى ما بعد وفاته؛ لأنه صار في أواخر العمر، وهو لا يريد سفك الدماء بسبب ذلك كما حدث في الممالك الأخرى، فإذا كان الانفصال طلب الشعب النورويجي فهو يقبل به، فأجابه الوفد أنه وإن يكن الانفصال أصبح عندهم أمرا مقررا ولكنهم حبا بالملك يريدون أن يكون ابنه البرنس شارل ملكا عليهم ترضية لجلالته واعترافا بجميله، ولكن الملك لم يشأ أن يقبل ولده التاج، وبعد انصراف الوفد أمر ملك السويد بنزع الإشارة الموجودة في العلم السويدي التي تدل على اتحاد النورويج معها، وأن يعين يوم أول نوفمبر لرفع العالم السويدي بطريقة رسمية خاليا من هذه الإشارة علامة الانفصال، فتم ذلك في اليوم المذكور وكان ذلك آخر عهد المملكتين بالاتحاد.
عاد الوفد النورويجي إلى كريستيانا عاصمة بلاده وبلغ البارلمان نتيجة مأموريته، وكان قسم من الشعب يريد أن تكون الحكومة جمهورية، وآخرون يريدونها مملكة فاتفق الفريقان على أن تؤخذ أصوات الشعب، وعين يوم الأحد 12 نوفمبر لأخذ الأصوات فبلغ عدد الطالبين للجمهورية 69246، وعدد الطالبين للملكية 259563؛ فبناء عليه ذهب وفد إلى عاصمة الدنمارك وقابل ملكها كريستيان وعرض التاج على حفيده البرنس شارل، فأرسل ملك الدنمارك تلغرافا إلى ملك السويد يرجوه بإلحاح أن يقبل لابنه تاج النورويج، فأجابه الملك بالإصرار على رأيه السابق وتمنى للأمير الدنماركي كل سعادة وهناء، فاستدعى ملك الدنمارك حفيده بحضور الوفد الذي جاء ليعرض عليه تاج نروج، وألقى عليه خطبة مؤثرة قال فيها إن حمل التاج وراءه مسئولية، فما عليه إلا أن يتدبر بحكمة في الأمور التي تسند إليه؛ فأجاب بالقبول ووعد أنه وزوجته يوقفان حياتهما على ارتقاء شأن الشعب النورويجي، وعلى هذا صار البرنس شارل ملك نروج، واسمه الآن هاكون كما سيجيء، ولد في 13 أوغسطس سنة 1872 واقترن بالبرنسيس مود ابنة إدورد السابع ملك إنكلترا، وله منها ولد عمره الآن 5 سنين واسمه أولاف.
وصل الملك الجديد في مدرعة دنماركية إلى عاصمة النورويج في يوم السبت 25 نوفمبر؛ فأطلقت المدافع من القلعة، وبادر لمقابلته رئيس البارلمان وأعضاؤه ثم ذهب إلى قصره مع الملكة وابنه، وسار في شوارع ازدحمت بجماهير الناس وهم يحيونه حتى دخل القصر وتمت فيه المقابلات الرسمية، وفي الغد - أي يوم الأحد - ذهب هو وزوجته وابنه إلى قاعة البارلمان حيث حلف يمين الأمانة لدستور البلاد بحضور المطران والإكليروس ولقب بالملك هاكون السابع، وهو اسم بعض من ملوك النورويج السابقين، وكان هاكون السادس آخر هؤلاء الملوك توفي منذ خمسمائة سنة، وسمي ابنه ولي العهد أولاف وهو أيضا اسم الملك أولاف الذي جمع القبائل ووحد مملكة النورويج في القرن العاشر، وجعل راتب الملك 38888 جنيها في السنة، وكان الازدحام شديدا في ساحة البارلمان، فلما خرج الملك إلى الشرفة ورآه الشعب صاحوا مرارا وتكرارا بصوت واحد: «فليحيا هاكون.» وكان ولي العهد الصغير إلى جانب والده وفي يده العلم النورويجي، فلما حركه بيده الصغيرة أمام الجمهور الواقف في الميدان زاد الهتاف وتعاظم سرور الناس من هذا المنظر حتى بكوا من شدة السرور، وبعد ذلك أرسل الملك تلغرافات إلى القياصرة والملوك ورؤساء الجمهوريات يعلمهم بارتقائه عرش النورويج؛ فوردت له التهاني من الجميع وآيات النصح من جده ومن حميه ملك إنكلترا، وهو الآن من الملوك الذين تعلقت الرعية على حبهم، وله شهرة بحب البسالة والفضائل مثل أكثر أقاربه العظام.
غوستاف ملك السويد .
وتوفي الملك أوسكار الثاني في 9 ديسمبر سنة 1907 بعد أن بلغ من العمر 79 سنة، وخلفه ابنه الأكبر وهو الملك الحالي، وله ولدان: أولهما البرنس غوستاف وهو الآن ولي العهد تزوج بابنة الديوك أوف كنوت شقيق ملك إنكلترا، وكان هذا البرنس وابنة الديوك قد حضرا للسياحة في مصر؛ حيث حصلت المقابلة وتم الاتفاق بينهما على الاقتران. والملك جوستافوس مشهور بالأدب والعلم مثل أبيه، وأهل بلاده يحبونه ويكرمونه غاية الإكرام، وأما عدد سكان مملكته فقد بلغ خمسة ملايين ونصف مليون من النفوس حسب الإحصاء الأخير.
Неизвестная страница