لها: ومن لي بها، وكيف السبيل إليها وقد بلغك حالها وقصتها وشدة اجتهادها وعبادتها؟ قالت له: يا بني علي أن آتيك بما تسر به.
قال: فلبست ثوبها وأتت منزل الجارية، فدخلت فسلمت على أمها وحادثتها ساعةً. فسألتها أمها عن حاله وعن وجعه، فقالت: والله لقد رأيت الأوجاع والآلام، فما رأيت وجعًا قط كوجعه، وإن وجعه يزيد في كل يوم، وألمه يترقى، وهو في ذلك صابر غير شاك لا يفقد من جوارحه شيئًا، ولا من عقله. فقالت أمها: أفلا تدعون له الأطباء؟ قالت: بلى، والله فما وقع أحد منهم على دائه، ولا يفقه دواءه.
ثم قامت فدخلت على الجارية في بيتها الذي كانت تتعبد فيه، فسلمت عليها، وحادثتها ساعةً، وقد كان وقع إلى الجارية خبره، فعلمت أن ذلك من أجلها، فقالت لها المرأة: يا بنية أبليت شبابك وأفنيت أيامك على هذه الحال التي أنت عليها. قالت: يا عمتاه أية حال سوء تريني عليها قالت لا يا بنية ولكن مثلك يفرح في الدنيا ويلذ فيها ببعض ما أحل الله ﷿ لك، غير تاركة لطاعة ربك ولا مفارقة لخدمته، فيجمع الله لك بذلك الدارين جميعًا، فوالله ما حرم الله، ﷿، على عباده ما أحل لهم.
فقالت: يا عمتاه، أو هذه الدار دار بقاء لا انقطاع لها ولا فناء فتكون الجوارح قد وثقت بذلك، فتجعل لله تعالى منظر هممها، وللدنيا شطرها، فتعد الجوارح إذًا التعب راحةً والكد سلامةً، أم هذه الدار دار فناءً وتلك دار بقاءٍ ومكافأة، والعمل على حسب ذلك.
قالت: يا بنية لا! ولكن الدنيا دار فناء وانقطاع وليست بباقية على أحد، ولا دائمة له، ولكن قد جعل الله تعالى لعباده فيها ساعات صدقة منه على النفوس، تنال فيها ما أحل لها من مخافة الشدة عليها.
فقالت الجارية: صدقت يا عمتاه، ولكن لله عباد قد علموا وصح في
1 / 57