إلمامة
مصرع عبد الله بن الزبير
مصرع مصعب بن الزبير
مصرع الحسين
مصارع الخوارج
مصرع عبد الرحمن بن الأشعث
مصرع سعيد بن جبير
مصرع أبي مسلم الخراساني
إلمامة
مصرع عبد الله بن الزبير
Неизвестная страница
مصرع مصعب بن الزبير
مصرع الحسين
مصارع الخوارج
مصرع عبد الرحمن بن الأشعث
مصرع سعيد بن جبير
مصرع أبي مسلم الخراساني
مصارع الأعيان
مصارع الأعيان
تأليف
كامل كيلاني
Неизвестная страница
كلمة
بقلم سليم قبعين
عني المستشرقون والمستعربون الغربيون بجمع شتات اللغة العربية وأوابدها وتاريخها الحافل، فلم يدعوا شاردة ولا واردة إلا زفوها بثوب قشيب نسجت خيوطه من الأبحاث الدقيقة والتنقيب المتواصل. ووجهوا التفاتهم إلى أقطاب العلم عندنا، وذكروا سير حياتهم وأقوالهم وما فيها من عبر وعظات بالغة.
وقد رأت الأمم التي تبوأت أريكة العلم أن من دواعي فخرها ومجدها وسؤددها إحياء ذكرى رجالها الغابرين الذين مثلوا أدوارا هامة في الحياة الاجتماعية - على اختلاف منازعها ومراميها - فوضعوا كتبا قيمة سردوا فيها سير أولئك الأمجاد الذين تركوا لهم أسمى ذكر في التاريخ.
وكان الأولى بنا نحن سلالة أبناء يعرب وقحطان أن ننسج على هذا المنوال، ونجمع سير رجالنا العظام وأقوالهم الحكيمة ونزفها لأبناء هذا العصر ليعتبروا بعبرها ويقفوا على ما كان عليه أسلافهم من المجد والعلم والبطولة. وقد رأينا أن نسد هذا الفراغ فطلبنا إلى حضرة الكاتب اللوذعي الأستاذ كامل أفندي كيلاني المتخصص بالأدب العربي أن يجمع لنا طائفة طيبة من تاريخ أعيان العرب ومصارعهم. •••
ومن عرف كامل أفندي كيلاني وطالع كتبه المختلفة، كالأدب الأندلسي ورسالة الغفران ومصارع الخلفاء، وديوان ابن الرومي، ومختار القصص وقصص الأطفال وغيرها، يثق بأن مجموعته ستكون أنفس مجموعة من نوعها من حيث الدقة وحسن الأسلوب وروعة البيان.
ولعلنا نقوم بذلك ببعض الواجب المطلوب منا للأدب العربي وللشرق والشرقيين وهذا حسبنا وكفى.
إلمامة
1
قلت في كتاب مصارع الخلفاء:
Неизвестная страница
ليس أروع للنفس من تمثل مصارع الناس، والاستماع إليهم في ساعاتهم الأخيرة وتعرف ما قالوه - وقت حلول الأجل - وآخر ما تفوهوا به من الكلم قبل أن يفارقوا هذا العالم - خيره وشره - فراقا أبديا لا عودة لهم بعده.
واذا كان هذا هو شعورنا بجلال الموت وروعته، فلا جرم أنه يعظم ويزداد - إلى أقصى حد - حين يقترن بعظمة الملك وأبهته.
وليس أشجى للنفس من تمثل مصرع خليفة أو قائد كبير أو شاعر عظيم من أولئك الذين تركوا في هذا العالم أكبر أثر، ونقشوا في تاريخه صفحات لا يمحوها الزمن.
ولعل خير ساعة يستعرض فيها المتأمل تاريخ حياة إنسان هي ساعة احتضاره، فإنه ليرى - حينئذ - أمام كل صورة من صور الضعف صورة أخرى من صور القوة، ويلمح بجانب تلك الصور المشجية الحزينة ما يقابلها من الصور الماضية البسامة المشرقة.
2
وقد كانت هذه التأملات - هي الباعث الأول الذي حداني - كما قلت في تلك المقدمة لإخراج كتاب «مصارع الخلفاء» أولا وكتاب «مصارع الأعيان» الذي بين أيدي القراء الآن.
وقد حاولت جهدي - كما ذكرت - أن أدون فيهما طائفة من أروع المشاهد التي ذكرها لنا التاريخ، كما حاولت أن أرسم في ذهن القارئ صورا واضحة مشرقة بالحياة، ولعلي وفقت - في هذه المحاولة - بعض التوفيق. •••
وقد سلكت في هذا الكتاب نهج سابقه متوخيا الإيجاز الشديد في عرض حوادثه وتعليلها، فأنا أعرف زهد الكثيرين وعزوفهم عن قراءة التاريخ المطول، وأعلم - إلى ذلك - أنني إذا أفلحت في تحبيب التاريخ إلى نفوس بعض النافرين منه، بنشر مثل هذه الصور الرائعة التي تركها لنا المؤرخون، فقد أدركت غاية من أجل الغايات التي أسعى إلى تحقيقها. •••
وقد لقي كتاب «مصارع الخلفاء» من عطف القراء وإقبالهم ما فاق كل ما قدرته له، وألح علي الكثيرون - وفي مقدمتهم حضرة الصحفي القدير ناشر الكتاب الذي أشكر له حسن ظنه بأدبي - أن أسرع بإنجاز هذا الكتاب، وأنا أشكر لحضرات القراء إقبالهم وتشجيعهم، كما أشكر لصديقي الأستاذ سليم قبعين عنايته بإظهار هذا الكتاب في أحسن مظهر، وحسن ظنه بصاحبه، وأرجو أن لا تكون حالي معه كما يقول الحريري:
لقد استسمنت ذا ورم ونفخت في غير ضرم.
Неизвестная страница
ولا كما يقول المتنبي:
أعيذها نظرات منك صادقة
أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم
على أنني بذلت جهد المقل، ولم يثنني عن إظهار هذا الكتاب ضيق الوقت وازدحامه بما تنوء به صحتي المعتلة وبنيتي الضعيفة من الأعباء المرهقة، متأسيا بقول الطغرائي: «ولولا تكاليف العلى ومغارم
ثقال وأعقاب الأحاديث في غد
لأعطيت نفسي في التخلي مرادها
فذاك مرادي - مذ نشأت - ومقصدي»
كامل كيلاني
مصرع عبد الله بن الزبير
فجاءه حجر من حجارة المنجنيق وهو يمشي فأصاب قفاه فسقط.
Неизвестная страница
المؤرخون (1) الليلة الأخيرة
جمع القرشيين في الليلة التي قتل في صبيحتها فقال لهم: «ما ترون؟»
فقال رجل منهم: «والله لقد قاتلنا معك حتى ما نجد مقاتلا! والله لئن صبرنا معك ما نزيد على أن نموت معك. إنما هي إحدى خصلتين: إما أن تأذن لنا فنأخذ الأمان لأنفسنا ولك، وإما أن تأذن لنا فنخرج!»
فقال عبد الله: «قد كنت عاهدت الله ألا يبايعني أحد فأقيله بيعته.»
فقال رجل آخر: «اكتب إلى عبد الملك.»
فأجابه: «كنت أكتب إليه: «من عبد الله أمير المؤمنين» فوالله لا يقبل هذا مني أبدا. أو أكتب إليه: «لعبد الله أمير المؤمنين من عبد الله بن الزبير؟»
1
فوالله لأن تقع الخضراء على الغبراء أحب إلي من ذلك!»
حواره مع أخيه
فقال «عروة» أخوه: «يا أمير المؤمنين، قد جعل الله لك أسوة.»
Неизвестная страница
فقال له: «من هو أسوتي؟»
قال: «الحسن بن علي بن أبي طالب، خلع نفسه وبايع معاوية.»
قالوا: فرفع عبد الله بن الزبير رجله وضرب «عروة» حتى ألقاه، ثم قال: «يا عروة، قلبي إذن مثل قلبك؟ والله لو قبلت ما تقولون ما عشت إلا قليلا وقد أخذت الدنية، وما ضربة بسيف إلا مثل ضربة بسوط! لا أقبل شيئا مما تقولون.» (2) في اليوم الأخير
فلما أصبح دخل على بعض نسائه فقال: «اصنعي لي طعاما.»
فصنعت له كبدا وسناما، فأخذ منها لقمة فلاكها ساعة ثم لم يسغها، فرماها.
وقال: «اسقوني لبنا.» فأتي بلبن فشرب، ثم قال: «صبرا علي غسلا.»
فاغتسل، ثم تحنط وتطيب. ثم تقلد سيفه وخرج وهو يقول:
ولا ألين لغير الحق أسأله
حتى يلين لضرس الماضغ الحجر
حواره مع أمه
Неизвестная страница
ثم دخل على أمه «أسماء بنت أبي بكر الصديق» - وهي عمياء من الكبر قد بلغت من السن مائة سنة - قالوا: فدخل عليها وسلم، فقالت: «من هذا؟» فقال: «عبد الله.» ثم قال: «ما ترين؟ قد خذلني الناس، وخذلني أهل بيتي!»
فقالت: «يا بني، لا يلعبن بك صبيان بني أمية، عش كريما ومت كريما!»
فقال لها: «إن الحجاج قد أمنني.»
قالت: «يا بني، لا ترض الدنية؛ فإن الموت لا بد منه.»
قال: «إني أخاف أن يمثل بي!»
قالت: «إن الكبش إذا ذبح لا يؤلمه السلخ!»
ساعة المصرع
قالوا: فخرج، فأسند ظهره إلى الكعبة - ومعه نفر يسير - فجعل يقاتل بهم أهل الشام، فهزمهم وهو يقول: «ويل أمه، فتح لو كان له رجال.»
فجعل «الحجاج» يناديه: «قد كان لك رجال، ولكنك ضيعتهم.»
قالوا: «فجاءه حجر من حجارة المنجنيق - وهو يمشي - فأصاب قفاه فسقط.» فما درى أهل الشام أنه هو حتى سمعوا جارية تبكي وتقول: «وا أمير المؤمنين!» فاحتزوا رأسه، فجاءوا به إلى الحجاج، فبعث به إلى عبد الملك. (3) الأسباب التي أدت إلى مصرعه
Неизвестная страница
إن فيه لثلاث خصال، لا يسود بها أبدا: (1)
عجب قد ملأه. (2)
واستغناء برأيه. (3)
وبخل التزمه.
فلا يسود بها أبدا.
عبد الملك بن مروان
لا نستطيع أن نصف أسباب انكسار ابن الزبير وقتله بأكثر من هذه الخلال التي لا ينال صاحبها نجاحا، فقد أفقدته هذه الصفات كل أنصاره وأضاعت منه فرصا ثمينة، لو انتهزها لعرف كيف يثبت ملكه ويوطد أسس خلافته.
فقد لاحت لعبد الله بن الزبير فرصة لا تعوض، وهي موت خصمه اللدود «يزيد» وبدأت الأمور تضطرب حين تنازل خلفه معاوية عن الخلافة بعد أن لبث فيها أياما.
وكاد يتم الأمر لعبد الله بن الزبير - رغم مناوأة مروان الذي نازعه الأمر - وكانت كفة ابن الزبير في البداية راجحة، فقد بايعه أهل البصرة وأهل مصر واجتمعت له العراق والحجاز واليمن وبايع له بعضهم في الشام سرا. ثم أصبح الناس في الشام فرقتين: اليمانية مع مروان، والقيسية مع دعاة ابن الزبير.
وتهاون ابن الزبير في الأمر واستنام لأعدائه، فانتصر الفريق الأول - بعد قتال - ودخل مروان دمشق دخول الظافر.
Неизвестная страница
ولما مات مروان لاحت لعبد الله بن الزبير فرصة أخرى، فلم ينتهزها وأضاعها بتوانيه وبخله. ولقد صدق الحجاج في قولته المشهورة:
قد كان لك رجال ولكنك ضيعتهم.
وصدق عبد الملك بن مروان في قولته التي صدرنا بها هذا الفصل، حين هدده مصعب بن الزبير بأخيه عبد الله، فأجابه عبد الملك بهذه الجملة التي تلخص لنا أخلاق عبد الله بن الزبير، وتشرح لنا - بأوجز عبارة - السر في انهزامه وانفضاض الناس من حوله وانتصار خليفة أموي عليه - رغم كره جمهرة الناس ومقتهم الأمويين - لاعتقادهم أنهم أخذوا الخلافة اغتصابا، وقتلوا الحسين بن علي كما جنوا على أبيه، وأوقدوا نيران الفتن التي أودت بكثير من أجل المسلمين وكبار رجالهم المعدودين.
ولقد قال عبد الملك وهو على فراش الموت: «ما أعلم أحدا أقوى على الخلافة مني؛ إن ابن الزبير لطويل الصلاة كثير الصيام، ولكنه لبخله لا يصلح للسياسة.» •••
والحق أن الفرق بين عبد الملك وبين ابن الزبير عظيم جدا، نوجزه في أن عبد الملك أقام ملكا ثابتا على أنقاض مهدمة، وفي وسط فتن وقلاقل، حينما هدم ابن الزبير ملكا وطيدا بتهاونه وإضاعة الفرص الثمينة التي مرت به. كان عبد الملك لا يتعفف عن كبيرة في سبيل توطيد ملكه، وكان خصمه عبد الله بن الزبير يتحرج من كل ما يظن فيه أية مخالفة.
ألا ترى أن عبد الملك يظهر لعمرو بن سعيد أنه يرضى بالصلح معه على أن يعهد إليه بالخلافة من بعده، فيفرح ابن سعيد بذلك ويقبل الصلح، ثم يخدعه عبد الملك فيقتله غدرا،
2
ثم يلقي برأسه إلى شيعته وصحبه ومعها دنانير ودراهم ليشغلهم بها، ويمنيهم بالوعود الخلابة فينسيهم بهذه الرشا ثأر صاحبهم؟
فقد كان عبد الملك - كأكثر خلفاء بني أمية - جوادا سمحا يغدق المال إغداقا في سبيل تحقيق مآربه، ويبذل الوعود الكاذبة والأماني المعسولة ليظفر بغايته، غير متورع عن كذب ولا مداهنة، مستهينا بكل وسيلة - مهما كانت مرذولة - في سبيل إدراك أوطاره. وكان عبد الله بن الزبير كأخيه «مصعب بن الزبير»
3
Неизвестная страница
بخيلا، لا يستميل الجنود بمال، ولا يغريهم بوعد كاذب.
كان عبد الملك - كمعاوية - يعتقد ضعف مركزه الشرعي فلا يترك وسيلة لتثبيته وتوثيق أساسه.
وكان عبد الله بن الزبير - كعلي بن أبي طالب - يعتقد أنه على حق فلا يعنى بالحيل السياسية، واهما أن الحق منتصر وحده، دون أن يفتقر إلى مداورة أو خداع.
لقد كان عبد الملك يقتدي بمعاوية في بذل المال واستخدامه في قضاء أغراضه، لتيقنه من سحره العجيب في تذليل العقبات، وتسهيل الصعاب.
وكثيرا ما اقتدى بعبد الملك عماله في استخدام المال في تذليل المستحيلات. •••
ألا ترى إلى الحجاج - وهو يحاصر الكعبة، وفيها عبد الله بن الزبير - فيأمر رجاله أن يرموها بالمنجنيق، فيحجمون، فإذا رأى ترددهم جاء بكرسي وجلس عليه وقال: «يا أهل الشام، قاتلوا على أعطيات عبد الملك.»
فلا يكادون يسمعون منه ذلك حتى يسرعوا إلى تلبية أمره إسراعا. •••
لقد أغفل عبد الله استخدام المال - كما أسلفنا - واكتفى بأن يعلم أنه محبوب من الناس، وأن أعداءه الأمويين مبغضون إليهم، وأنه في جانب الحق والأمويون في جانب الباطل.
ونسي أن الباطل إذا تعهده المبطل وقوى دعائمه وثبت أركانه تغلب - ولو إلى حين - على الحق الذي أهمله صاحبه واستهان بنصرته ولم يعن بتدعيمه.
ومن رعى غنما في أرض مأسدة
Неизвестная страница
ونام عنها، تولى رعيها الأسد
لقد كان عبد الله بن الزبير شجاعا مقداما لا يهاب الموت، ولكن ماذا تجديه الشجاعة أمام الدهاء السياسي والحيل العجيبة التي كان يلجأ إليها أعداؤه؟
والرأي قبل شجاعة الشجعان
هو أول، وهي المحل الثاني (4) حصار مكة
حاصرت جنود يزيد مكة وقذفت الكعبة بالحجارة والصخور ثم أحرقتها وحطمت الحجر الأسود، ومات يزيد فاضطر جنوده - بقيادة الحصين - إلى الرجوع إلى بلادهم مدة من الزمن، حتى إذا انقضت الفوضى وقمعت الاضطرابات وأخضع عبد الملك البلاد إخضاعا وجه الحجاج إلى مكة لمحاصرة عبد الله بن الزبير ففعل.
قال العلامة دوزي : «ذهب الحجاج إلى تلك البقاع المقدسة وحاصر المدينة
4
وطفق يرمي الكعبة بالصخور والحجارة ليدكها دكا.
وبينما كان يقذفها بالنار - ذات يوم - هبت عاصفة شديدة فأحرقت النار اثني عشر جنديا.» قال: فرأى الجيش في ذلك عقابا من الله على انتهاك حرمة ذلك المكان المقدس فأحجم رجال الحجاج وكفوا عن ذلك. وثمة اغتاظ الحجاج وخلع بعض ملابسه وتقدم من المنجنيق فأخذ بيده حجرا ووضعه فيه ثم أطلقه بعد ذلك وهو يقول: «لقد أخطأتم الفهم، فليس معنى ما حدث هو ما دار بإخلادكم. ألا إنني جد خبير بطبيعة هذه البلاد التي نشأت فيها وربيت، ولكم رأيت لهذه العاصفة من أشباه!»
قال: «وظل يشدد الحصار عليها عدة أشهر حتى فتحها بعد أن قتل عبد الله بن الزبير سنة 932م.» •••
Неизвестная страница
وحسب القارئ أن يعرف أن خصم عبد الله بن الزبير هو الحجاج ليدرك حرج الموقف وصعوبته، ونحسبنا في غير حاجة إلى وصف الحجاج. بعد أن وصفه الفرزدق بقوله:
ومن يأمن الحجاج - والجن تتقي
عقوبته - إلا ضعيف عزائمه
وقد رأى القارئ كيف أغرى الحجاج جنوده بالمال وأطمعهم في أعطيات عبد الملك ليشجعهم على اقتحام هذه البقاع المقدسة ودكها دكا.
وقد انتهت المعركة الفاصلة بهلاك عبد الله بن الزبير وانتصار الأمويين عليه كما رأيت.
هوامش
مصرع مصعب بن الزبير
فجاء غلام فضربه بالسيف فقتله.
قالوا: «إن عبد الملك لما أيس من مصعب كتب إلى أناس من رؤساء أهل العراق يدعوهم إلى نفسه ويجعل لهم أموالا عامة وشروطا وعهودا ومواثيق وعقودا.»
قالوا: وكتب إلى «إبراهيم بن الأشتر» يجعل له وحده مثل ما جعل لأصحابه على أن يخلعوا عبد الله بن الزبير إذا التقوا.
Неизвестная страница
فقال إبراهيم بن الأشتر لمصعب: «إن عبد الملك قد كتب إلي هذا الكتاب وكتب لأصحابي كلهم «فلان» و«فلان» بذلك. فادع بهم - في هذه الساعة - فاضرب أعناقهم واضرب عنقي معهم.»
فقال مصعب: «ما كنت لأفعل ذلك حتى يستبين لي ذلك من أمرهم.»
قال إبراهيم: «فأخرى.»
قال: «وما هي؟»
قال: «احبسهم في السجن حتى يتبين لك ذلك .»
فأبى، فقال له إبراهيم بن الأشتر: «عليك السلام ورحمة الله وبركاته ولا تراني - والله - بعد في مجلسك هذا أبدا.»
وقد كان قال له قبل ذلك: «دعني أدعو أهل الكوفة بدعوة لا يخلعونها أبدا. وهي ما شرطه الله.»
فقال له مصعب: «لا والله لا أفعل. لا أكون قتلتهم بالأمس وأستنصر بهم اليوم.»
قال: «فما هو إلا أن التقوا، فحولوا برءوسهم ومالوا إلى عبد الملك بن مروان فبقي مصعب في شرذمة قليلة.»
فجاءه «عبد الله بن ظبيان» فقال: «أين الناس أيها الأمير؟»
Неизвестная страница
فقال «غدركم يا أهل العراق.»
قال: فرفع «عبد الله» سيفه ليضربه. فبدره «مصعب» بالسيف على البيضة، فنشب فيها. فجعل يقلب السيف ولا ينتزع من البيضة. قال: فجاءه غلام «لعبيد الله بن ظبيان» فضرب مصعبا بالسيف فقتله. ثم جاء «عبيد الله» برأسه إلى عبد الملك يدعي أنه قتله. قالوا: فطرح رأسه وقال:
نطيع ملوك الأرض ما قسطوا لنا
وليس علينا قتلهم بمحرم
ثم وقع عبد الملك ساجدا.
1
الأسباب التي أدت إلى مصرعه
لعل القارئ يستغني بتلك القطعة السابقة عن شرح الأسباب التي أدت إلى هلاك مصعب بن الزبير، فهي في اعتقادنا كافية لشرح أخلاقه وإظهار سر هزيمته. فأنت ترى عبد الملك لا يتعفف عن بذل المال وإغداقه على جنود أعدائه ليستميلهم به، وقد رأيت أن مصعبا كان بخيلا على الجند - وإن كان مسرفا على نفسه - حتى قال فيه القائل:
بضع الفتاة بألف ألف كامل
وتبيت سادات الجنود جياعا
Неизвестная страница
وأنت ترى مصعبا لا يأخذ الأمور بالحزم وقوة الشكيمة، ولا يتلافى الشر من أوله؛ فهو يتعرف من صديقه سر المؤامرة التي دبرها له أعداؤه ثم يأبى أن يعد لها ما هو جدير بإعداده من وسائل وقوى.
ويطلب إليه صديقه أن يستنجد بأهل الكوفة - وهو في مثل هذا المأزق الحرج - فلا يقبل له قولا.
وإذا كانت هذه حاله وهو يجابه أشد ساعات حياته هولا وضيقا، فكيف به في أيام رخائه وسلمه؟
وإذا كان غيره يأخذون الأبرياء بالظنة، أفما كان جديرا أن يفحص هذه التهمة ويتعرف صدقها من كذبها على الأقل؟ ولكنه لم يفعل، بل فرط وتهاون فلقي جزاء تهاونه وتفريطه. •••
وقد قلنا في الفصل السابق إن الفرق بين السياستين عظيم جدا، وإن سياسة عبد الملك وأضرابه مبنية على الدهاء والإيقاع وبذل الرشا والمال، حينما نرى سياسة مصعب بن الزبير وأخيه عبد الله بن الزبير قائمة على الاعتقاد بحقهم الشرعي في الخلافة وحب الناس إياهم. ولكن ماذا ينفعهم إقبال الناس عليهم ما داموا لا يستزيدونهم منه ولا يعرفون كيف يستثمرونه ويتعهدونه.
لقد كان عبد الملك - كما كان معاوية - يجعل أمامه هدفا لا يحول عنه. وهو أن يقر الناس ببيعته، فإذا رأى زعيما من زعمائهم تخلف وعصى أغراه بكل وسيلة من وسائل المال والأماني الخداعة، فإذا خدعه أدرك بغيته منه، وإلا لجأ إلى إغراء أنصار هذا الزعيم بالمال وبذل لهم من الوعود والمغريات مثل ما بذل لصاحبهم من قبل.
ألا ترى إلى عبد الملك يكتب إلى «عبد الله بن خازم السلمي» يدعوه إلى بيعته ويطمعه في خراسان سبع سنين.
2
فإذا رأى إصرار عبد الله على الوفاء لخصومه، كتب إلى خليفة «ابن خازم»
3
Неизвестная страница
على «مرو» وهو بكير بن وشاح يغريه بمثل ما أغرى به ابن خازم من قبل ليخلع عبد الله بن الزبير.
قالوا: وكتب عبد الملك إلى «بكير بن وشاح» وكان خليفة بن خازم على (مرو) بعهده على خراسان ووعده ومناه، فخلع بكير بن وشاح عبد الله بن الزبير، ودعا إلى عبد الملك بن مروان، فأجابه أهل مرو. •••
فخشي ابن خازم عاقبة الأمر فأراد الالتجاء إلى ابنه بالترمذ ولكن أعداءه قتلوه قبل أن يصل إليها.
هوامش
مصرع الحسين
فحمل عليه الناس من كل جانب، فضربت كفه اليسرى وضرب على عاتقه، فصار ينوء ويكبو، ثم طعنه أحدهم بالرمح فوقع، ثم احتزوا رأسه وقتل وبه ثلاث وثلاثون طعنة وأربع وثلاثون ضربة، ثم داسوه بخيولهم حتى رضوا ظهره وصدره.
1
المؤرخون (1) مقدمات المصرع
كتاب أهل الكوفة إليه
أما بعد فالحمد لله الذي قصم عدوك الجبار العنيد
Неизвестная страница
2
الذي اعتدى على هذه الأمة فانتزعها حقوقها واغتصبها أمورها وغلبها على فيئها وتأمر - على غير رضى منها - ثم قتل خيارها واستبقى شرارها، فبعدا له كما بعدت ثمود.
إنه ليس لنا إمام فاقدم علينا لعل الله أن يجمعنا بك على الهدى. فإن «النعمان بن بشير» في قصر الإمارة ولسنا نجتمع معه في جمعة ولا نخرج معه إلى عيد. ولو قد بلغنا مخرجك أخرجناه من الكوفة وألحقناه بالشام. (2) الحسين في طريقه إلى المصرع
إن قلوب الناس معك، وسيوفهم مع بني أمية.
الفرزدق
نصيحة العائذي
3
أما أشراف الناس فقد أعظمت رشوتهم وملئت غرائرهم، يستمال ودهم وتستخلص نصيحتهم فهم إلب واحد عليك. وأما سائر الناس بعد، فإن أفئدتهم تهوي إليك وسيوفهم غدا مشهورة عليك.
نصيحة الطرماح بن عدي
قال له الطرماح بن عدي: «إني لأنظر فما أرى معك أحدا. ولو لم يقاتلك إلا هؤلاء الذين أراهم ملازميك لكفى بهم! وقد رأيت - قبل خروجي من الكوفة إليك بيوم - ظهر الكوفة وفيه من الناس ما لم تر عيناي في صعيد واحد جمعا أكثر منه، فسألت عنهم فقيل: «اجتمعوا ليعرضوا، ثم يسرحوا إلى الحسين». فأنشدك الله إن قدرت أن لا تقدم عليهم شبرا إلا فعلت. فإن أردت أن تنزل بلدا يمنعك الله به حتى نرى من رأيك ويتبين لك ما أنت صانع، فسر حتى أنزلك مناع جبلنا الذي يدعى «أجأ» امتنعنا به من ملوك غسان وحمير ومن النعمان بن المنذر، ومن الأسود والأحمر، والله إن دخل علينا ذل قط. فأسير معك حتى أنزلك القرية، ثم نبعث إلى الرجال من طيئ، فوالله لا يأتي عليك عشرة أيام حتى يأتيك طيئ رجالا وركبانا.
Неизвестная страница
ثم أقم فينا ما بدا لك، فإن هاجك هيج فأنا الزعيم لك بعشرين ألف طائي يضربون بين يديك بأسيافهم، والله لا يوصل إليك أبدا ومنهم عين تطرف.»
فقال له الحسين: «جزاك الله وقومك خيرا، قد كان بيننا وبين هؤلاء القوم قول؛ لسنا نقدر على الانصراف، ولا ندري على ما تنصرف بنا وبهم الأمور في عاقبة.»
فودعه الطرماح قائلا: «دفع الله عنك شر الإنس والجن، إني قد امترت لأهلي من الكوفة ميرة ومعي نفقة لهم فآتيهم فأصنع ذلك فيهم، ثم أقبل إليك إن شاء الله، فإن ألحقك فوالله لأكونن من أنصارك.»
4
مقابلة عبيد الله بن الحر
ويسير الحسين فيرى فسطاطا في طريقه فيسأل: «لمن هذه الفسطاط؟»
فيقال له: «هي لعبيد الله بن الحر الجعفي.»
فيقول: «ادعوه إلي.»
فإذا جاءه الرسول قال له: «هذا الحسين بن علي يدعوك.»
فيقول عبيد الله بن الحر: «إنا لله وإنا إليه راجعون، والله ما خرجت من الكوفة إلا كراهة أن يدخلها الحسين وأنا بها. والله ما أريد أن أراه ولا يراني.»
Неизвестная страница
فيعود الرسول إلى الحسين يخبره بما سمعه منه،
5
فيقوم الحسين قاصدا إليه حتى يدخل عليه فيسلم ثم يجلس.
6
ويدعوه الحسين بعد ذلك إلى الخروج معه لنصرته فيعيد عليه ابن الحر تلك المقالة فيقول له الحسين: «فإلا تنصرنا فاتق الله أن تكون ممن يقاتلنا.»
فيقول: «أما هذا فلا يكون أبدا إن شاء الله.»
فلا يجد الحسين أمامه إلا الرجوع من حيث أتى.
قالوا: «ثم قام الحسين من عنده حتى دخل رحله.»
7 (3) حلم
يا بني، إني خفقت برأسي خفقة، فعن لي فارس على فرس فقال: «القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم.» فعلمت أنها أنفسنا نعيت إلينا.
Неизвестная страница