ولم يضع وايزمان الوقت سدى، بل سارع إلى اللورد روتشيلد يجذبه من ذراعه إلى مكتب لورد بلفور في وزارة الخارجية البريطانية ليضعا أمام عينيه قرارهما بأن الوقت قد حان وأن الساعة قد دقت «لإصدار تصريح حاسم بالمساعدة والتشجيع».
لم يكن وصول المندوبين الصهيونيين إلى وزارة الخارجية البريطانية في طلب تصريح بريطاني بمساعدة اليهود مفاجأة للوزير، فإن المفاوضات التي كانت دائرة منذ شهر فبراير كانت ترمي إلى هذا الهدف وحده.
وما كاد بلفور يستمع إلى طلب المندوبين حتى سألهما أن يزود «بمشروع يعرضه على وزارة الحرب للموافقة عليه». وكان المفروض أن حكومة صاحب الجلالة البريطانية ستحدد سياستها في الوثيقة المزمع إصدارها. ولكن الطريف أن وزير الخارجية سلك في سبيل ذلك طريقا غير عادي؛ إذ طلب إلى دكتور وايزمان وصاحبه المحترم أن يزوده بالمشروع المطلوب لسياسة حكومة صاحب الجلالة حتى يعرضه هو على هذه الحكومة فينشر باسمها وكأنه من وضعها.
واتخذ الصهيونيون تدابيرهم في الحال لوضع صيغة المشروع، مؤلفين «لجنة سياسية» من أعضاء الهيئة الصهيونية كان بعضهم من إنجلترا والبعض الآخر من بلاد أخرى. وكان بينهم السادة كاون، إتنجن، هياسون، ماركس، سيف، ليون سيمون، تولكوسكي، جابوتنسكي، هاري ساشبر، شادها عام. وكان لاندمان سكرتيرا للجنة الصهيونية، التي خرج من سجلاتها القديمة مشروع الشركة الاحتكارية، والتصريح بأغراض الحرب، وبرنامج أكتوبر، وغيرها، ووضعت على أساسها عدة صيغ تبودلت بين أمريكا وبريطانيا.
وقد كتب مستر يعقوب دي هاس - مؤرخ القاضي لويس برانديس الأمريكي - يقول: «إن الرئيس ويلسون بنفسه ساعد في وضع صيغة التصريح، أو على الأقل أشرف على تعديل النصوص التي جاءت من إنجلترا، وهكذا اتسع ميدان البحث الدولي، وعرضت جميع صور التصريح على البيت الأبيض للموافقة.»
وكانت بعض الصيغ المقترحة طويلة ومفصلة، بينما كانت الحكومة البريطانية لا تود أن تضع نفسها في مركز المسئول إلا عن تصريح عام يدور حول المبدأ ليس إلا، وفي اليوم الثامن عشر من شهر أبريل سنة 1917م - وبعد موافقة الرئيس ويلسون - قدم لورد روتشيلد تصريح بلفور إلى لورد بلفور كما يأتي: تقبل حكومة صاحب الجلالة - بعد بحثها أهداف الهيئة الصهيونية - مبدأ الاعتراف بفلسطين وطنا قوميا لليهود، وتعترف بحق الشعب اليهودي في أن يشيد بناء حياته القومية في فلسطين تحت حماية تفرض عند توقيع الصلح بعد النهاية الناجحة للحرب. وتعد حكومة صاحب الجلالة أن من الضروري لتحقيق هذا المبدأ، أن تمنح الاستقلال الداخلي للجنسية اليهودية في فلسطين، وتسمح بحرية الهجرة لليهود، وإنشاء شركة يهودية قومية استعمارية لإعادة استعمار البلاد وإنهاضها اقتصاديا. و«ترى حكومة صاحب الجلالة أن شروط الاستقلال الداخلي وشكل الامتياز الذي يمنح للشركة الاستعمارية اليهودية القومية يجب أن يجري تفصيله وتقريره مع مندوبي الهيئة الصهيونية.»
كان هذا هو التصريح الذي كان سيصدره مستر لويد جورج ولورد بلفور لو لم يحدث ما اضطرهما إلى طلب تعديله، ولا شك أنه يفهم منه يقينا أن حكومة صاحب الجلالة تنوي الاعتراف بفلسطين كلها، وطنا قوميا لليهود، وإعطاء اليهود استقلالهم الداخلي من البداية، وكان مهاجرو الصهيونيين سينزلون البلاد كحكام لها. أما الهجرة فحرة بلا أي عائق يعوقها، وعلى الشركة صاحبة الامتياز أن تعيد إسكان البلاد وكأنها خالية من السكان.
على أن الصهيونيين قد ارتكبوا خطأ كان هو الباعث على طلب الحكومة البريطانية إبدال الصيغة المتقدمة ووضع أخرى تكون أقصر وأقل تضمينا للمطالب المحددة؛ فإنهم أذاعوا نص الصيغة في دوائر اليهود بإنجلترا قبل موافقة الحكومة عليها. وهكذا اطلع عليها بعض معارضي الصهيونية وبينهم مستر مونتفيور السابق الذكر؛ فقدموا للحكومة احتجاجا مطولا على صيغة التصريح. وكانت النتيجة أن الصيغة السابقة أبدلت واختفت منها مادة إنشاء شركة استعمارية يهودية قومية، ولو أنه يقال: إن السبب الحقيقي في اختفاء هذه المادة هو أن الصهيونيين لم يستطيعوا في هذا الوقت جمع رأس المال الكافي لإنشائها، وفيما يلي نص الصيغة الجديدة المقترحة: (1)
تقبل حكومة صاحب الجلالة مبدأ إعادة تنظيم فلسطين كوطن قومي للشعب اليهودي. (2)
ستستخدم حكومة صاحب الجلالة كل وسائلها للوصول إلى تنفيذ هذا الغرض، وستبحث الطرق اللازمة لذلك مع الهيئة الصهيونية.
Неизвестная страница