العبادة
ففي الطور الأول يبدو أن الإسرائيليين كانوا يعبدون الله مع تقديسهم لبعض الأصنام عدا الكهنة والأنبياء وبعض الأشراف والملوك والنقباء المؤمنين برسالة موسى، فقد كان هؤلاء جميعا يعبدون الله وحده مخلصين له الدين، وكان الموحدون لله قليلين ثم كثروا قليلا قليلا.
أما الطور الثاني، فيبدأ من بعد رجوع اليهود من السبي البابلي سنة 638ق.م. والمرجع في الوقوف على أخبارهم إلى يومئذ هو التوراة، فقد ذكرت صحف «أخبار الأيام» عن أول هجرة مشهورة لهم إلى بلاد العرب، بأن بطون شمعون سارت إلى طور سينا مع ماشيتها لتبحث عن مرعى لها إلى أن وصلت إلى أرض قبائل معان فقاتلتها وفازت بطون شمعون، وقد ذكر دوزي في كتابه عن الإسرائيليين في مكة أن هذه الهجرة قد حدثت قبل عصر الملك داود في نحو ألف سنة قبل الميلاد. وعند مارجوليوث في كتابه «علاقة العرب بالإسرائيليين قبل ظهور الإسلام» أنها لم تحصل إلا في عصر الملك حزقيا، الذي حكم بلاد يهوذا من سنة 717-690ق.م. وهناك من يشك في صحة رواية هذه الهجرة وأغراضها.
هذا؛ ويقول الجغرافي سترابو: إن أول الجزيرة العربية كانت يومئذ هكذا: قبائل معان وعاصمتها قربا، وقبائل سبأ وعاصمتها مارن، ودولة ثمبا في باب المندب، ومملكة حضرموت وعاصمتها سيوة.
كانت فلسطين بمثابة الجسر الذي يربط البلاد العربية وسورية بمصر والعراق، وكان تجار اليهود يذهبون إلى سبأ في عهد سليمان وبعده كما جاء في الآية 26 الفصل الأول من سفر الملوك الذي جاء فيه أيضا أن أيلة «العقبة» كانت مستعمرة يهودية.
وقد اشتدت هجرة اليهود إلى الأرجاء العربية منذ القرنين الأول والثاني بعد الميلاد، لضيق فلسطين بكثرة سكانها، ومهاجمة الدولة الرومانية لها حول القرن الأول قبل الميلاد، وإلغاء الدولة اليهودية، وإخضاع فلسطين للحكم الروماني، وثورات اليهود عليه؛ مما كان من أثره خراب فلسطين وتدمير هيكل بيت المقدس وتشتيت اليهود. قال صاحب الأغاني: «إنه لما ظهرت الروم على بني إسرائيل جميعا بالشام فوطئوهم وقتلوهم ونكحوا نساءهم، وخرج بنو النضير وبنو قريط وبنو نهدل «من القبائل اليهودية» هاربين منهم إلى من بالحجاز من بني إسرائيل، وكانت فلسطين يومئذ غنية بالصناعات والمتاجر وبالقمح والشعير والزيتون والتمر والعنب للاستهلاك والتصدير. على أن اليهود المهاجرين والمقيمين في البلاد العربية قد ضعف شأنهم وحضارتهم. قال العالم شير: «إن اليهودية في بلاد العرب كانت لها صبغة خاصة، كانت يهودية في أساسها ولكنها غير خاضعة لكل ما يعرف بالقانون التلمودي.»
وقد أقاموا هناك الحصون والآطام على قمم الجبال، ويؤخذ مما ذكره ابن هشام جزء 2 و3 وص60 من فتوح البلدان للبلاذري وغيره: «أن اليهود قد حفروا في بلاد العرب الآبار وأخذوا الربا وربوا الماشية، وعنوا بالنسيج والصياغة وصنع الأسلحة، وأن العرب كانوا يرهنون عندهم الأمتعة ليستدينوا منهم ما يحتاجون إليه.» (ص16 و45 و116 البخاري). أما لغتهم هناك فكانت العربية مشوبة بالرطانة العبرية التي كانوا يستخدمونها في صلواتهم. وقد ذكر صاحب «فتوح البلدان» أن يهود يثرب كانوا أساتذة العرب في تعلم اللغة العربية.
وكان لليهود أحبار يتولون القضاء، وكانت قبلة اليهود بيت المقدس، ويؤدون الصلاة ثلاث مرات في اليوم، وفي ص27 و314 من الجزء الأول «ابن هشام» أن سيدنا محمدا
صلى الله عليه وسلم
كان يفد إلى مكة وقبلته إلى الشام، وفي ص18 من الجزء الأول «البخاري» أن رسول الله كان أول ما قدم المدينة يصلي قبل بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرا، وكانت اليهود قد أعجبهم هذا، وفي ص498 جزء 1 «البخاري» أنه لما قدم محمد
Неизвестная страница