وهي أهم اللغات السامية قاطبة وأغناها، وقد حفظت لنا بعض نصوصها وصيغها النقوش الكثيرة التي وجدت فيما بين دمشق والعلا في شمال الحجاز، وأقدمها هو نقش التمارا بالقرب من دمشق، وقد وجد على قبر ملك عربي، ويرجع تاريخه إلى عام 328م. والنقش الثاني الذي يليه وجد في زبد بالقرب من حلب. وهو مكتوب بثلاث لغات: العربية، والسريانية، واليونانية. ويرجع تاريخه إلى عام 512م، والنقش الثالث وجد في حران جنوب دمشق، وهو مكتوب بالعربية واليونانية، ويرجع تاريخه إلى عام 568م. ونستطيع أن نميز بين لهجات عربية شمالية متعددة، منها اللحيانية والصفوية. وهذه اللهجات الثلاث هي أقربها إلى العربية الفصحى، ثم النبطية وهي خليط من الآرامية والعربية. أما اللهجة الخامسة - وهي أهم الجميع - فهي اللهجة المكية التي نزل بها القرآن الكريم فأكسبها قوة وحياة سادت بهما على سائر اللهجات العربية ثم بقية اللغات السامية. وقد صاحبت هذه اللغة الجيوش الإسلامية في فتوحاتها، وحازت نصرا إلى جانب نصرها؛ إذ بينما كانت البلاد المهزومة تئد مدنياتها التي هرمت وتقاليدها التي نخرت؛ حملت اللغة العربية على لغاتها فأردتها، فنجدها في مصر، وشمال أفريقيا، وبلاد الأندلس، وصقلية، ومالطة. (ب)
اللغة العربية الجنوبية أو المعينية السبئية:
وهي لغة المدنيات العظيمة التي تكونت في الممالك اليمنية الأربع، أعني المعينيين والقبطانيين والحضرميين والسبئيين. وقد عاشت اللغة العربية الجنوبية حتى القرن السادس الميلادي تقريبا. (ج)
الحبشية:
وهي تسمى الجعزية أيضا، وهي أقرب اللغات السامية إلى العربية الجنوبية. وهي لغة القبائل التي هاجرت في زمن قبل المسيحية من جنوب الجزيرة إلى البلاد الحبشية واستعمرتها، وقد أدخلت إلى تلك البلاد كتابتها وثقافتها. ولكن لم يكتب لهذه اللغة الخلود، بل أخذت في الضعف والزوال، ولم يأت القرن الثالث عشر تقريبا إلا وكانت قد حلت محلها اللغة الحبشية الحديثة، ألا وهي الأمهرية التي هي الآن لغة الإمبراطورية، وبجانبها توجد لهجات عديدة أهمها التجرانية والتجرية والجوراجية ثم الهارارية.
هذا؛ وقد كانت اللغات السامية هي السائدة في الجنوب الغربي من آسيا، أعني فلسطين، وفينيقية، وسوريا، وأرض الجزيرة، وبلاد العرب، يحدها شمالا جبال الأرمن، وجنوبا بحر العرب، وشرقا خليج العجم، وغربا البحر الأحمر، فالآرامية في الشمال والشرق، والعبرانية في الغرب. أما العربية ففي الجنوب ممتدة إلى بلاد الحبشة. وقد وصل الفينيقيون الغرب ببعض الجزائر وسواحل البحر المتوسط، خاصة قرطاجنة.
ثم إن اللغات السامية تؤلف مجموعة مماثلة لمجموعة اللغات الأوروبية الغربية، كالجرمانية وفروعها القوطية، والدانيماركية الشمالية القديمة، والأسوجية، والألمانية، ولمجموعة اللغات السلافية، وفروعها السلافية القديمة، والليتوانية، والنبطية، والسربية، والروسية، والبولية، والبوهيمية.
وثمة أقسام أخرى - كما أوضحنا قبلا - للغات السامية شمالية وجنوبية. أما الشمالية فتشمل: (1) البابلية القديمة؛ أي الآشورية، ومنها كتابات ترجع إلى 4000 و250ق.م، و(2) الكنعانية، ومنها نقوش ألواح تل العمارنة، والعبرية لغة التوراة والمشنا، وما بعدهما؛ أي الموابية والفينيقية، و(3) الآرامية، ومنها الغربية، وتشتمل كتابات الزنجولي، والآرامية اليهودية والفلسطينية، والتي تشمل ترجوم «ترجمة» أو نقلوس ويوناشان. ومنها الآرامية الجليلة التي تشمل ترجوم أورشليم، ولغة التلمود الأورشليمي، والمدراشيم، وترجمة الإنجيل ، واللغة السامرية، وكتابات تدمر، والنبطية، ولغة قرية معلولا في الشام. ومنها الآرامية الشرقية، وهي تشمل نقوشا بابلية قديمة، ولغة التلمود البابلي، والماندية، وكتابات سريانية في شمالي سوريا، والسريانية الحالية في طور عبدين، وكوردستان، والموصل، وأوروميا.
أما القسم الثاني؛ أي القسم الجنوبي، فيشمل - كما أوضحنا قبلا - (1) العربية الشمالية، وهي لغة قريش، والكتابات القديمة المنقوشة على الصخور بين دمشق وبلاد العرب، والعربية الحديثة كالمصرية والسورية والتونسية والجزائرية والمالطية والعمانية. و(2) العربية الجنوبية، وهي الكتابات السبائية المنقوشة على الصخور، واللغات المستعملة الآن في مهرة وسقطرة وسائر الجهات الجنوبية العربية. و(3) الأثيوبية، وتشمل كتابات حبشية قديمة والحبشية الحديثة على اختلاف لهجاتها كالأمهارية والطغرية. •••
ومن مزايات اللغات السامية، أن بين حروفها الصحيحة حروفا حلقية كالحاء والخاء، والعين والغين، وأن كلماتها المجردة تتألف غالبا من ثلاثة أحرف، وأن لأفعالها زمانين فقط وتصاريفها قياسية، ومشتقاتها متشابهة، وأن ليس فيها سوى المذكر والمؤنث. أما علامات الإعراب فهي بسيطة، وليس فيها أفعال وأسماء حركة سوى الأعلام المزجية، وهي تكتب من اليمين إلى اليسار «حديثا على الأقل فالكتابات الحجرية من اليمين»، وأنه يستعمل فيها حركات للدلالة على بعض الأصوات، وأن ثمة مشابهة بينها في أسماء حروفها وأصل ترتيبها، غير أن العرب غيروا ترتيب الأبجدية، ووضعوا الحروف المتشابهة في الشكل بعضها تلو بعض، مثل ب ت ث ج ح خ د ذ. وينسب هذا التغيير إلى نصر بن عاصم، ويحيى بن يعمر في عهد عبد الملك بن مروان في القرن الأول الهجري. والسامية مختلفة عن اللغات المجاورة لها من الهند إلى أوروبا إلا في النادر. ففي العربية لفظ لحس لعق لعك لعص لعطم. وفي العبرية لحخ لعن لعط. وفي السريانية لحح. وعند الراب أيا أريخا العالم اليهودي في القرن الثالث، أن الآرامية أصل اللغات، وعند لوزاتو أن العبرية مشتقة من السريانية، وعند أولهاوس ومرجوليوث أن العربية هي الأصل، ويقول العرب: إنها كانت لغة آدم في الجنة، وإنها بعد الطوفان حرفت إلى السريانية، وإن جرهم هو الوحيد الذي كان يتكلم العربية في سفينة نوح، وجرهم هو هورام - المذكور في التوراة - بن يقطان بن عابر بن شالح بن أرفخشاد بن سام بن نوح، وإن آرام تزوج من بعض بنات جرهم، فامتد اللسان العربي من ولده غوص بن عاد.
Неизвестная страница