ومن أجل ذلك جهزت حملة قرصانية بقيادة أفاق اسمه استانلي، وغرضها الظاهر خدمة الإنسانية بإنقاذ أمين باشا ورجاله، أما الغرض الخفي أو الحقيقي فكان إقصاء أمين باشا عن تلك الجهات؛ لأنه كان يمثل السلطة المصرية فيها، وإبقاء رجاله في تلك البقاع حتى تستخدمهم بريطانيا بعد ذلك في الاستيلاء لها على ذلك الإقليم. وقد حصل ذلك بالفعل فيما بعد. أما وزراؤنا في ذلك الوقت فقد تبرعوا بمبلغ كبير من نفقات هذه الحملة، وعاونوها بكل ما في استطاعتهم من قوة. وقد فعلوا كل هذا إما عن حماقة وإما عن شهوة قوية للبقاء في مناصبهم. وأخيرا نالت هذه الحملة مأربها وعادت ومعها أمين باشا دون رجاله. أما بريطانيا فقد جندت هؤلاء الرجال لخدمة مطامعها، وقد كان أن استولوا لها على تلك النواحي.
على أنه في مناسبات متعددة صرح السياسيون البريطانيون دائما بأن السودان جزء من مصر لا يتجزأ. وها هو سير إ. غراي يقول في الخطبة التي ألقاها في مجلس العموم بتاريخ 28 مارس سنة 1895 ما يأتي:
وهناك غير ذلك مسألة حقوق مصر، «فموقف إنجلترا أمام مصر موقف خاص، يشبه موقف أمين اؤتمن على وديعة، وهذا فيما يختص بحفظ مصالحها»، وهذه الحقوق لم نؤيدها نحن فقط، بل أيدتاها أخيرا حكومة فرنسا كذلك.
ونحن نقول: إن هذا يؤيد كل التأييد ما ورد في تصريح إرل جرانفيل الذي وضعت مصر بعده تحت وصاية إنجلترا.
ومما يستدعي الالتفات أيضا أن هذا القول يؤكد من جهة الحكومة البريطانية أكثر مما تؤكده الحكومة الفرنسية ما لمصر من حقوق وامتيازات معترف بها؛ فإن سير إ. غراي يعترف بأن «إنجلترا تقف إزاء مصر موقفا خاصا، هو موقف المؤتمن على وديعة»، ومعنى هذا بعبارة أخرى: أن مصر أمانة مقدسة أودعت في يد إنجلترا لحفظها وصونها، ويقضي شرف إنجلترا عليها أن تردها كاملة للمالك وهو مصر. ولا يصح أن إنجلترا تطالب فرنسا باسم مصر احترام هذه الحقوق لكي تغتصبها هي لنفسها، كما يفعل بالضبط الوصي الخائن الذي يسلب لنفسه مال القاصر الموضوع تحت وصايته. ولسنا نعتقد أن مسلكا كهذا يتفق مع كرامة دولة كبيرة وشرفها كدولة بريطانيا العظمى ؛ إذ تتصرف هذا التصرف. وإننا على يقين أنه متى عرف الرأي العام البريطاني جميع هذه التفاصيل، فإنه يكون أول من يبرأ إلى الله من أفعال رجاله من أهل السياسة.
ولما استقر الرأي على استعادة السودان صدر الأمر بذلك، حتى يكون للإنجليز السبق على الحملة الفرنسية في الاستيلاء عليه، وهاك ما قد تم على أيدينا: (1)
فنحن الذين قدمنا ثلثي القوة المحاربة. (2)
ونحن الذين أنشأنا السكة الحديدية بأيدي جنودنا، ولم يكن ليتم أي فتح بدون هذه السكة التي لم يضع جندي بريطاني واحد يده على الإطلاق في تشييدها. (3)
ونحن الذين قمنا بأكثر من ثلثي النفقات، وهذا غير ما دفعناه من جميع مقادير العجز؛ كي تتوازن الميزانيات السودانية. (4)
ونحن الذين شيدنا بمالنا ورجالنا جميع المباني الفاخرة التي ترى اليوم في الخرطوم. (5)
Неизвестная страница