ولا يجوز لمصري منا أن يدخل السودان إلا بعد قيامه بإجراءات رسمية معينة وحصوله على جواز بذلك، كما لو كان مسافرا إلى الروسيا أو الصين تماما، والله وحده يعلم كم من عقبات تعترض طريقه قبل حصوله على هذا الجواز. (3)
وليس لأبنائنا المصريين المقيمين في السودان الحق في دخولهم مدارس حكومة السودان، حتى لو كان آباؤهم من موظفي هذه الحكومة.
ويظهر أن الصفة التي لمصر في هذه الشركة تنحصر في أن تدفع الأموال لتحسين هذا الإقليم، وتريق دماء أبنائها في سبيل استعادته. وكل ذلك لتنتفع إنجلترا وتنافسنا فيما نزرعه من قطن، وتضع يدها على موارد المياه التي تروي حقولنا حتى تكون أرواحنا في قبضة يدها!
فلتعلم إنجلترا أن هذه جميع الأمور لا ترضينا؛ لأنها ليست من مصلحتنا في شيء، فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن تجد بين المصريين من يقبلها.
الخلاصة
إن شروط الاتفاقية الإنجليزية المصرية يكتنفها الكثير من الغموض؛ ولذا يمكن تأويلها بوجوه كثيرة لا سيما إذا كان أحد المتعاقدين من القوة بحيث يرغم الآخر على البقاء تحت وصايته.
ويعود فضل معرفتنا الغرض من عقدها إلى لورد كرومر الواضع الأصلي لها، فقد قال في شروحه عليها إن هذه الاتفاقية إنما عقدت للتخلص من التدخل الدولي، وإن ما رآه مجلس شورى القوانين من أن السودان جزء من مصر لا يتجزأ، هو رأي صحيح.
ولكن من سوء الحظ أن هذه النظريات مهملة وغير معمول بها الآن، والسودان بالحالة الراهنة أصبح مستعمرة بريطانية محرما دخوله على المصريين. على أن مصر لا تستطيع بعد ما بذلته من دم ومال في سبيل استعادة السودان أن تقبل بحال من الأحوال الانفصال عنه؛ إذ هو جزء مكمل لأراضيها ولا حياة لها بدونه.
الخاتمة
اضطرمت ثورة المهدي قبل وقوع الاحتلال البريطاني لمصر، وصادفت نجاحا في بدء الأمر لما كان عليه حاكم السودان العام في ذلك العهد - وهو رءوف باشا - من ضعف وقصور، ولكن الحالة تغيرت على أثر تعيين عبد القادر باشا في هذا المنصب؛ بسبب ما أبداه هذا القائد البارع من المقدرة في التصرف بقوات البلاد المحلية التي كانت لديه. ولو ساعدته المقادير وأرسل إليه الجيش الذي أرسل إلى هكس باشا فيما بعد وعدده 15000 جندي، لتمكن بلا ريب من إخماد الثورة في وقت قصير، ونشر الأمن في أرجاء السودان.
Неизвестная страница