أما الملح فقد كان ولا يزال يستخرج من بحيرة سامبهار ومناجم البنجاب وماء البحر، وكان هناك الصياغ والجوهريون والغزالون والنساجون اليدويون والصوافون وطحانو الحبوب ومخمرو المشروبات المسكرة وصانعو السجاد.
أما الواردات فكانت في القرن السادس عشر قليلة، وكان أهمها الذهب والفضة لاستخدامها في سك النقود وصنع الحلي، ثم الجياد والجواهر الفضية والقطيفة والأقمشة الحريرية والمشجرة والمطرزة والمشروبات المسكرة الأوربية. وكان هناك مواني بومباي وكالكاتا وكراتشي بل كانت سوارت وبروش وكامباي أهم الثغور. ومن سوارت كان الحجاج يذهبون إلى الحجاز. أما البرتغاليون فكانوا مسيطرين على التجارة في الخليج منذ أن استولوا على ديو، ومستعمرة دامان وجوادكوشين. وكانت جولكوندة تتجر مع بيجو ومالاقا، كما كانت هناك سريبور بعد وفاة «أكبر» بقليل، وكانت الطرق قليلة وشاقة تسير فيها الإبل والثيران وعربات تجرها الثيران إلى الثغور لنقل البضائع الواردة من الخارج، وكانت السفن هدفا للقرصان ولمطالب الموظفين المرهقة.
أما أهم الطرق البرية فهي الطريق من لاهور إلى كابل، وطريق القوافل بين غرب الصين وأوربا، أما الطريق التي بين المرتفعات فكانت تستخدم في بعض الفترات، وكانت الضرائب الداخلية البرية هي أهم إيرادات الدولة.
وقد أمر الإمبراطور جاهنجير بوضع حد لتحصيل الضرائب على الطرق والأنهار. أما التجار الأجانب فلم يكونوا يستطيعون التجوال في البلاد، إلا إذا عقدوا مع الحكومة اتفاقا، يرخص لهم بالتجول والاتجار، وكانوا يؤلفون جاليات تستمتع بالامتيازات، وتخضع لحكام منهم. (راجع الفصل الثامن من كتاب «من أكبر إلى أورانجزيب» تأليف و.ه. تيورلان).
وبينما كان التجار الإنجليز والهولنديون يجرون على هذا كان البرتغاليون وهم ممثلو ملك البرتغال - وليسوا تجارا - جاءوا إلى الهند قبلهم، قلما يعمدون إلى الاتفاق مع الحكومة أو سلطاتها المحلية، ففي كالكاتا كان الزاموريون يرحبون بهم، إذ كانت الجاليات العربية والمصرية تعرقل نشاطهم في تجارة الواردات، ثم كانوا - إلى هذا - يعمدون إلى القوة والأسطول في أخذ الامتيازات واحتلال الثغور.
هذا ولم يكن التجار الهولنديون والإنجليز يرمون إلى استعمار البلاد، بل كان همهم الاتجار معها. غير أن الحوادث قد أرغمتهم على إقامة الوكالات والمصانع ثم إقامة الحصون التي أصبح لبعضها سلطة الحكومة. ومما كانت الشركات التجارية الأجنبية تعمد إليه، أن تتقرب إلى الأمراء والحكام بل إلى الإمبراطور القائم ، بالهدايا ومنها اللعب والنظارات المكبرة والثياب الأنيقة والكلاب والحلي، وكان في مقدمة السلع التي باشرت شركة الهند الشرقية الإنجليزية الاتجار فيها البفتة المصنوعة في الهند، وصناعة الكتان في إنجلترا في دائرة ضيقة.
أما في هولندا فقد كانت من الصناعات الكبيرة. وفي سنة 1676 أنشئت مصانع للبفتة على مقربة من لندن. وفي 1696 و1697 ثار العمال الإنجليز في سبيل منع ما تصنعه الهند وتورده من البفتة والأقمشة الحريرية والصوفية، وفي 1700 صدر في إنجلترا قانون بمنع ارتداء ما يرد من آسيا من الحراير والبفتة المطبوعة والمصنوعة، على أن يستمر اتجار إنجلترا فيها لكي تصدرها ثانية في البلاد الأخرى. ومنذ 1720 إلى 1774 استجاب البرلمان الإنجليزي إلى ما طلبه أرباب مصانع الأقمشة الصوفية من منع استعمال البفتة الإنجليزية إلا قليلا، وعند س. هملتون في ص86، 89، 108 من كتاب «العلاقات التجارية بين إنجلترا والهند، طبعة كالكاتا في 1919» أن سياسة التجارة الإنجليزية والأوربية في الهند كانت في القرن الثامن عشر تقوم على: (1) الاحتكار، و(2) حماية المصنوعات المحلية مع كفالة ما تحتاج إليه من المواد الخام، و(3) مجيء الميزان التجاري للدولة بثروة أكبر من التي تخرج منها، كذلك كان من أثر الحروب التي خاضتها الحكومات الإنجليزية في عهد الملكة «آن» أن فرضت منذ 1703 ضرائب على البضائع التي كانت ترد من الهند إلى إنجلترا.
هذا ولم تكن العلاقات بين الشركات الأجنبية في الهند تتأثر من الحالة السياسية في أوربا، فقد هاجم برتغاليو الهند باخرتين في جوا في 1611. وفي 1614 أمر ملك أسبانيا الحاكم البرتغالي بأن يطرد الإنجليز من الهند. وفي 1618 تقاتلت السفن الإنجليزية والهولندية، مع أنه لم يكن هناك بين إنجلترا والحكومات الأوربية يومئذ حرب ما.
وحين اتحدت أسبانيا والبرتغال منذ 1580 في دولة واحدة، أصبحت التجارة بين هولندا والبرتغال مهددة بالزوال، خاصة حين أصبح لهولندا حكومة قوية وأسطول كبير، مما كان من أثره أنه بعد أن مضى 15 شهرا على تأليف شركة الهند الشرقية اللندنية، تألفت في مارس 1602 الشركة المتحدة الهولندية برأس مال كبير وبمجلس إدارة مؤلف من 17 عضوا على أن تكون دائرة نشاطها الاحتكاري جميع البلاد التي بين الرجاء الصالح ومضيق ماجلان، وأن يكون للشركة أن تشهر الحرب وأن تعقد الصلح والمعاهدات وأن تضم الأراضي، وكانت الأساطيل الهولندية القوية تهاجم البرتغاليين في موزمبيق ومالقا وجوا على غير جدوى إلا في جزائر التوابل فقد رسخت أقدام الهولنديين في البحار الشرقية، ثم إن الهولنديين قد عمدوا إلى إنشاء المصانع منذ 1605 في الهند خاصة في ماسولي باتام ونظام باتام في جولكاندة، وفي 1606 في سانت تومي وبيجاباتام، وإلى فرض الضرائب كثيرة على الصادرات والواردات. أما محاولة البرتغاليين في 1612 طرد الهولنديين من ساحل الكورومانديل فقد لقيت المقاومة.
وفي 1916 استطاع الهولندي بيتيرسون كوين منشئ باتافيا، أن يؤسس الإمبراطورية الهولندية الشرقية، ومنذ يومئذ أخذ الهولنديون يصدرون الأسرى ويشترونهم من البنغال وغيرها. ولئن كانت سياسة شركة الهند الشرقية الإنجليزية يومئذ تقوم على التعاون مع الهولنديين على اقتسام التجارة الشرقية على حساب البرتغاليين، إلا أن هذا التعاون قد انتهى أمره في 1623، حين وقعت حادثة أمبويانا، التي كثيرا ما وصفت بأنها مذبحة، ذلك أن السلطات الهولندية قد عذبت في مصنع إنجليزي هناك خمسة عشر عضوا ومعهم أحد البرتغاليين وتسعة من اليابانيين ثم قتلتهم بعد محاكمة غير قانونية، متهمة إياهم بارتكابهم مؤامرة كان الغرض منها الاستيلاء على هذا الثغر.
Неизвестная страница