على أن هذا الاقتراح كما يؤخذ من المذكرة البريطانية المؤرخة 14 ديسمبر سنة 1925 - التي سيرد ذكرها بعد - والموجهة إلى إيطاليا، لم يلق قبولا حين عرضه وقتذاك 1919؛ «نظرا للمعارضة القوية التي قامت ضد فكرة الترخيص لدولة أجنبية بفرض أي نوع من الرقابة على منابع الأنهار اللازمة لرخاء مصر والسودان، بل حياتهما.»
والدول التي حلت محل ألمانيا في مستعمراتها الأفريقية هي: بريطانيا وفرنسا وبلجيكا، أما إيطاليا فلم تتمكن من تسوية طلباتها إلا متفرقة؛ فالخلاف الذي شجر مع فرنسا على الحدود بين ليبيا وأفريقيا الشمالية الغربية الفرنسية سوي سريعا، كما سوي الخلاف مع بريطانيا على الحدود بين كنيا والصومال الإيطالي بتنازل بريطانيا لإيطاليا عن جوبالاند في 15 يوليو سنة 1924، وأخيرا سوي الخلاف القائم على الحدود بين ليبيا ومصر - التي كانت وقت معاهدة لندن سنة 1915 تحت الحماية البريطانية - بالاتفاقية الإيطالية المصرية التي عقدت في ديسمبر سنة 1925. (27) انضمام الحبشة إلى جامعة الأمم
غير أن التغييرات التي طرأت على خريطة أفريقيا بعد الحرب بعثت الخوف إلى نفس الإمبراطورة الحبشية جوديت ابنة منليك والرأس تفري الوصي على الملك ووارث العرش؛ فقد خشيا الاعتداء على الحبشة بحجة منع تجارة الرقيق والوسائل المؤدية لهذه التجارة وهي تجارة السلاح، وبذلك قدمت حكومة الحبشة في سنة 1923 طلبا للانضمام إلى جامعة الأمم.
وقد انقسمت الآراء في اللجنة السادسة التي فحصت هذا الطلب، فالنمسا وبريطانيا العظمى وسويسرا كانت تميل أولا إلى بحث أهلية الحبشة للقيام بتعهداتها إذا تم قبولها عضوا بالجامعة، أما فرنسا وإيطاليا فكان من رأيهما أن قبول الحبشة في العصبة سيمهد الطريق إلى إلغاء الرق ويقوي من شأن الحكومة المركزية في أديس أبابا. وأيد المندوب الإيطالي طلب الحبشة بكل قوة وهون من شأن الرق فيها، وأعلن أن للحبشة الحق في استيراد السلاح حسب حاجتها للدفاع عن نفسها ككل دولة مستقلة.
ثم ألفت لجنة من سبعة أعضاء: الإمبراطورية البريطانية، وفنلاندا، وفرنسا، وإيطاليا، ولاتفيا، وإيران، ورومانيا. وقدمت تقريرا يتضمن أن الحبشة دولة ذات سيادة، لها حكومة ثابتة وحدود معروفة تماما، ولكن لمعاونتها في التغلب على الصعوبات التي ربما سببت في الماضي قصورها عن القيام بتعهداتها، يجب أن يتوقف قبولها في الجامعة على إمضاء تعهد يتكون من مواد ثلاث؛ تقضي المادتان الأولى والثانية منها بأن تتعهد الحبشة بالقيام بما فرضه اتفاق سان جرمان سنة 1919 الخاص بالسلاح. وقد عدل هذا الاتفاق من نصوص عهد برلين سنة 1885 وعهد بروكسل سنة 1890 الخاصين بتجارة الرقيق الأفريقية، ولا سيما بالحصول على السلاح خصيصا لاستعماله في هذه التجارة في أفريقيا الوسطى.
على أن اتفاق سنة 1919 واتفاق جنيف الذي تلاه في سنة 1925 بشأن الإشراف على تجارة السلاح لم يصادق عليهما البتة. وهذا ما دعا بريطانيا وفرنسا وإيطاليا في سنة 1930 إلى تسوية مركز الحبشة باعتبارها دولة ذات سيادة وعضوا في جامعة الأمم فيما يختص بالحصول على السلاح.
أما المادة الثالثة، فتعلن الحبشة بها أنها مستعدة في الحاضر والمستقبل لأن تقدم إلى المجلس أية معلومات يطلبها، وأن تحل محل الاعتبار ما قد يقضى به في شأن القيام بهذه التعهدات التي تعترف باختصاص جامعة الأمم بها.
فلما وقعت الحبشة هذا التعهد أقرت جامعة الأمم بالإجماع طلب انضمامها بخمسة وأربعين صوتا، وكان ذلك في 28 سبتمبر سنة 1923، ومن ثم أخذت على عاتقها كافة الالتزامات المبينة في عهد الجامعة وأصبحت عضوا في مكتب العمل الدولي. (28) الاتفاق الإيطالي الإنجليزي سنة 1905
وفي سنة 1924 دخلت حكومة العمال في بريطانيا في مفاوضات مع الحبشة بشأن بحيرة تانا، ولكن هذه المفاوضات لم تؤد إلى نتيجة غير أن الحكومة البريطانية التي تلتها «حكومة المحافظين» أبرمت مع الحكومة الإيطالية اتفاقا في ديسمبر سنة 1925 تقرر فيه - طبقا للمذكرة البريطانية المؤرخة في 14 ديسمبر سنة 1925 - أن تقوم الحكومة البريطانية بمساعدة الحكومة الإيطالية في طلبها الخاص بإنشاء السكة الحديد المرغوب إنشاؤها من أريتريا إلى الصومال الإيطالي عن طريق غربي أديس أبابا، مقابل تعضيد الحكومة الإيطالية لها في طلبها الخاص بالحصول على امتياز من الحبشة لبناء خزان على بحيرة تانا وطريق للسيارات منها إلى السودان. وفضلا عن ذلك إذا حصلت بريطانيا العظمى على امتياز بحيرة تانا، وإذا تعهدت إيطاليا بعدم التعرض لجريان الماء إلى مجرى النيل الرئيسي تعد الحكومة البريطانية بأن: «تعترف بتفرد النفوذ الاقتصادي الإيطالي في غربي الحبشة وفي جميع المنطقة التي ستمر فيها السكة الحديد المشار إليها فيما تقدم، وتعد أيضا بتعضيد جميع المطالب الإيطالية قبل الحكومة الحبشية لنيل امتيازات اقتصادية في هذه المنطقة.»
وهذا الاتفاق الإنجليزي الإيطالي يتعارض في ظاهره مع نصوص الاتفاقية الثلاثية لسنة 1906، ولكن حدث في 2 أغسطس سنة 1926 أن أخبر سير أوستن تشامبرلن مجلس النواب بأنه يعتقد أن «الفرنسيين قد اقتنعوا تماما بما تلقوه من تفسيرات»، على أن الحكومة الحبشية في أثناء ذلك - فضلا عن التخوف من وجهة النظر الفرنسية - عارضت في الاتفاق الإنجليزي الإيطالي وفي نصوصه، وأبلغت ذلك إلى كل من الحكومة البريطانية والحكومة الإيطالية، وانتهت إلى إبلاغ اعتراضها هذا إلى جامعة الأمم.
Неизвестная страница