ولم يحصل له منفعة لكن برئت الذمة فاندفع العقاب، فكان على حاله لم يزدد بذلك خيرا، والصوم شرع لتحصل التقوى، كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾ ١ الآية، وقال ﷺ: "الصيام جنة، فإذا كان أحدكم صائما فلا يرفث، ولا يجهل. فإن امرؤ شاتمه أو قاتله فليقل: إني صائم" ٢. قيل: يقول في نفسه، وقيل: بلسانه، وقيل: يفرق بين الفرض والنفل، والصحيح أنه بلسانه كما دل عليه الحديث، وهو زجر لمن بدأه بالعدوان.
وفي الصحيح: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" ٣ بين أن الله لم يحرم عليه الأكل لحاجته إلى ترك الطعام، كما يحرم السيد على عبده بعض ماله، بل المقصود محبة الله، وهي حصول التقوى، فإذا لم يأت به فقد أتى ما ليس فيه محبة ورضى، فلا يثاب عليه، لكن لم يعاقب عقوبة التارك. والحسنات المقبولة له تكفر السيئات، وفي الصحيح: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، كفارة لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر"٤ ولو كفر الجميع بالخمس لم يحتج إلى الجمعة، لكن التكفير بالحسنات المقبولة، وغالب الناس لا يكتب له من الصلاة إلا بعضها، فيكفر ذلك بقدره، والباقي يحتاج إلى تكفير، ولهذا جاء: "إن أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة من أعماله الصلاة، فإن كملت وإلا قيل: انظروا هل من تطوع. فإن كان له تطوع أكملت به الفريضة. ثم يصنع في سائر الأعمال كذلك" ٥. وتكميل الفرائض بالتطوع مطلق، فإنه إذا ترك بعض الواجبات استحق العقوبة، فإذا كان له من جنسه تطوع سد مسده، فلا يعاقب.