فقلت لرضا حمادة: ليت حكومتنا تتبع مثالها في معاملة موظفيها!
فضحك رضا حمادة وقال: هي عندي خير من صاحبنا المتدين زهران حسونة!
فقلت: بل هي عندي خير من كثيرين من الوزراء والزعماء الذين يقومون بنفس الدور مع الإنجليز، ولكن على حساب الوطن!
فقال جعفر خليل بأسى: رحم الله صديقنا خليل شعراوي الفحام فلعلها المرأة الوحيدة التي عشقها في حياته القصيرة.
وعند نهاية الحرب كانت قد جمعت ثروة طائلة، وأثبتت أنها أعقل من كثيرين، وكانت قد بلغت الخامسة والخمسين من عمرها، فصفت أعمالها، وأودعت في البنك ألوفها المؤلفة، وشيدت لنفسها فيلا في المعادي، ولكن صاحبها الرومي قد توفي ولم يكن لها وريث ولا أهل، فعاشت عيشة هنية هادئة، ثم قررت تغيير حياتها جذريا، فأدت فريضة الحج، وأغدقت الخير على أصدقائها القدامى، وتبرعت كثيرا للجمعيات الخيرية. وسمعت - عام 1950 وهي في الستين - أنها تزوجت من شاب في الثلاثين، موظف بمصلحة المساحة فأدركت أن فترة الهدوء قد انطوت وأن فترة من القلاقل قد بدأت، ومنذ ذلك التاريخ وحتى اليوم لم يبلغني عنها جديد؛ إذ إن زواجها أغلق بابها في وجه سيد شعير، وبالتالي انقطعت أخبارها عني.
طنطاوي إسماعيل
لعله الموظف الوحيد الذي لم أجد فيه شيئا من «مضمون» الموظف المتعارف عليه. كان وقت دخولي الخدمة رئيسا للسكرتارية العامة، درجة خامسة، في الخمسين من عمره، وظل يشغلها حتى أحيل إلى المعاش عام 1944، ولما اطلع على ملف خدمتي الجديد سألني: أكنت في تلاميذ الدكتور إبراهيم عقل؟
فأجبت باعتزاز: نعم ومن تلاميذ الدكتور ماهر عبد الكريم أيضا.
فقال بصوت ذي رنة نحاسية: ماهر عبد الكريم رجل عظيم أما إبراهيم عقل فوغد كافر من ذيول المبشرين!
فقلت وأنا لا أجد حافزا للدفاع عن الرجل: يخيل إلي أنه اعتزل الفكر ولم يبق من أستاذيته إلا شبح.
Неизвестная страница