فباخت حدته وقال ضاحكا: لو سار الازدياد السكاني على معدله الحالي، وعجزت الوسائل عن تغذيته فربما تقضي المصلحة العامة للحضارة بإفناء أجناس برمتها!
فهتف به أبوه: حسبك!
وقال جاد أبو العلا: ما أسعد إسرائيل بكم! - فعاودت الشاب حدته وهو يقول: أتحدى إسرائيل أن تفعل بنا مثلما فعلناه بأنفسنا!
وقد بت ليلتي متفكرا في حديث الدكتور بلال، مستعيدا جمله وعباراته، متأملا الموضوع من شتى جوانبه، حتى اقتنعت في النهاية بأنه لا نجاة للجنس البشري إلا بالقضاء على قوى الاستغلال التي تستخدم أسمى ما وصل إليه فكر الإنسان في استعباد الإنسان، وخلق صراعات مفتعلة سخيفة تستنفد خير ما فيه من إمكانيات رائعة، وذلك كخطوة أولى لجمع العالم في وحدة بشرية، تستهدف خيرها معتمدة على الحكمة والعلم، فتعيد تربية الإنسان باعتباره مواطنا في كون واحد، وتهيئ لجسمه السلامة ولقواه الخلاقة الانطلاق ليحقق ذاته ويبدع قيمه ويمضي بكل شجاعة نحو قلب الحقيقة الكامنة في ذلك الكون الباهر الغامض. إما ذلك وإما مستقبل جعلني أشعر بالامتنان لكوني من جيل يوشك أن يختم رحلته في هذه الحياة العجيبة التي تدور بخيرها وشرها فوق فوهة بركان.
وقد التقيت بعبده البسيوني بعد مرور أشهر في صالون الدكتور ماهر عبد الكريم فبادرته بالسؤال عن ابنه فأخبرني بأنه سافر، ثم قال: وستلحق به أخته في القريب!
ثم قال بنبرة اعترافية: أجد كثيرا غمزا أليما في قلبي، ولكن زماني علمني التسليم للمقادر.
وبعد قليل من الصمت عاد يقول: لا أخفي عنك أني مقتنع بقرارهما، لم لم تؤهلنا دراستنا العقيمة للهجرة؟!
فقلت: العلم لغة عالمية أما مهنتنا فألغاز محلية.
وأفضيت إليه بالخواطر التي اجتاحتني عقب استماعي لحديث ابنه فضحك طويلا ثم قال: نحن الكهول مطالبنا يسيرة، سعادتي اليومية تتحقق لدى شرب قدح من القهوة باللبن مع قطعتين من البسكوت.
ثريا رأفت
Неизвестная страница