بكل ما قص عليه في السورة وتخويف الذين لا يصدقونه من المشركين، وإعلان أن الله مستأثر بغيب السموات والأرض، وأن مصير كل شيء وكل إنسان إليه:
وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين * وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم إنا عاملون * وانتظروا إنا منتظرون * ولله غيب السماوات والأرض وإليه يرجع الأمر كله فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل عما تعملون .
وسور أخرى في القرآن تشبه سورة هود في خصائصها هذه وفي أنها أنزلت جملة واحدة كسورة الأنفال التي أنزلت في غزوة بدر ولم تتجاوزها إلا إلى ما يتصل بقريش وكفرها ومكرها بالنبي بما كانت وقعة بدر نتيجة له.
وكذلك سور أخرى في القرآن تكثر موضوعاتها وتتباعد الصلة بين هذه الموضوعات ولا يلتزم في فواصلها ولا في أسلوبها نسق بعينه منذ تبدأ إلى أن تنتهي. فسورة البقرة مثلا كثرت فيها الموضوعات وتباينت فدل هذا على أن السورة لم تنزل مرة واحدة وإنما نجمت تنجيما؛ فهي تبدأ بذكر المؤمنين الذين يتقون الله ويؤمنون بالغيب، ويقيمون الصلاة وينفقون مما رزقهم الله، ويؤمنون بما أنزل على النبي وما أنزل على الأنبياء من قبله، ويوقنون بالآخرة وما يكون فيها من الحساب والثواب والعقاب:
أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون .
ثم تتحدث عن الذين كفروا والذين لا يجدي إنذارهم أو إمهالهم والذين لا يؤمنون على كل حال، وقد ختم على قلوبهم وعلى سمعهم وغشيت أبصارهم وكتب عليهم عذاب عظيم. ثم تتحدث عن المنافقين الذين يقولون آمنا وليسوا بمؤمنين والذين يريدون أن يخادعوا الله والذين آمنوا فلا يخدعون إلا أنفسهم والذين في قلوبهم مرض فيزيدهم الله مرضا ويدخر لهم عذابا أليما عقابا على كذبهم بإظهارهم الإيمان وإضمارهم الكفر. ثم تصف بدء الخلق وخلق آدم وتذكر قصة إبليس حين أبى أن يسجد مع الملائكة إعظاما لخلق آدم، وطرده من الجنة، وإغوائه آدم وزوجه حتى أكلا من الشجرة التي نهاهما الله عن أن يقرباها، وإخراجهما من الجنة وتوبة الله على آدم آخر الأمر.
ثم تذكر اليهود فتطيل في ذكرهم وتفصل من أنبائهم وسيرتهم مع المسلمين ومحاجتهم للنبي شيئا كثيرا.
ثم تذكر طرفا من قصة إبراهيم حين أنزل من ذريته بواد غير ذي زرع وحين بنى البيت بمكة. وتذكر طرفا من حديث الأنبياء. ثم تذكر تحويل القبلة عن بيت المقدس إلى المسجد الحرام. ثم تذكر الصفا والمروة وأنهما من شعائر الله. وتذكر طرفا من حساب الكافرين يوم القيامة. ثم تذكر البر وتبين حقائقه. ثم يشرع فيها القصاص وبعض أحكام الوصية ويشرع الصيام وصيام رمضان خاصة. ثم يجاب فيها عن الذين يسألون عن الأهلة، ويذكر فيها شيء من أمر القتال ومن أمر الحج ومن أمر المعاندين من مشركة قريش. ثم يذكر فيها إثم الخمر والميسر، ويبين فيها للناس ما ينبغي لهم أن ينفقوا في صدقاتهم، ثم تشرع فيها طائفة من أحكام الزواج والطلاق والعلاقة بين الأزواج وعدة المرأة إذا طلقت وإرضاع الوالدات أولادهن وما لهن على أزواجهن من حق في ذلك، واسترضاع الأولاد عند غير أمهاتهن وحق المرضعات على آباء من يرضعن من الطفل.
ثم يرجع الحديث إلى اليهود ويقص ما كان بين طالوت وجالوت من القتال وقتل داود لجالوت وإيتائه الملك والحكم والنبوة. ثم تعظ المؤمنين وتذم الكافرين وتعلن ألا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي. وتذكر طرفا من حديث إبراهيم حين حاج الملك الذي كفر فحجه، وحين سأل الله أن يريه كيف يحيي الموتى، فأراه الله من ذلك ما أراد. ثم تأمر المؤمنين بالصدقة ملحة عليهم فيها مبينة لهم أحكامها ومرشدة لهم إلى خيرها وأكملها ومواضعها.
ثم تحرم الربا وتشدد في تحريمه، ثم تأمر المؤمنين إذا تداينوا وتبايعوا أن يكتبوا ما تداينوا عليه أو ما تبايعوه وأن يستشهدوا على ذلك رجلين أو رجلا وامرأتين ممن يرضون من الشهداء، وتحظر كتمان الشهادة وتبين أن من يكتمها فإنه آثم قلبه، ثم تختم السورة بإعلان ما اجتمع عليه النبي والمؤمنون من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، غير مفرقين بين أحد من رسله، ومن إذعانهم لربهم وإنابتهم إليه وسمعهم وطاعتهم لأمره حين يأمرهم ونهيه حين ينهاهم، وتضرعهم إليه في ألا يؤاخذهم إن نسوا أو أخطئوا، وألا يحمل عليهم إصرا كما حمله على الذين من قبلهم، وألا يحملهم ما لا طاقة لهم به، وأن يعفو عنهم ويغفر لهم ويرحمهم وينصرهم على الكافرين.
Неизвестная страница