فلينظروا بين هاتين الخطتين وليختاروا إحداهما، وما أرى إلا أنهم سيختارون، بل عسى أن يكون كثير منهم قد اختار بالفعل، خطة اليقظة والنهوض.
8
وسبيلهم إلى هذه اليقظة الخصبة واحدة لا ثانية لها، وهي أن يذكروا ما نسوا من تراثهم القديم، لا ليقولوا إنهم يذكرونه، بل ليعرفوه حق معرفته، ويفقهوه جد الفقه، ويحسن المتخصصون منهم العلم بدقائقه وتيسيره لغير المتخصصين.
هذه واحدة، والثانية أن يستدركوا ما فاتهم من العلم الحديث، ويبتغوا إليه الوسائل التي تتيح لهم أن يتحققوه كما يتحققه أصحابه، وأن يوطنوه في بلادهم ويجعلوه ملكا لهم، وأن يبذلوا من الجهد ما يمكنهم في يوم قريب من ألا يكونوا عيالا على المستأثرين به، بل من أن يشاركوا فيه مشاركة الأنداد الأكفاء.
بهذه الخطة وحدها يستطيعون أن يسلكوا سبيل قدمائهم، الذين عرفوا حق المعرفة كيف يحافظون على ما ورثوا من العرب القدماء: الجاهليين والمسلمين الأولين. وكيف يدرسونه أحسن الدرس وأوسعه وأعمقه. وعرفوا في الوقت نفسه كيف يأخذون الثقافات الأجنبية، وكيف يسيغونها ويتمثلونها ويضيفون إليها من عند أنفسهم، وكيف ينشرون نور المعرفة بهذا كله في البلاد التي تستأثر بالعلم الآن، وتريد أن تفرض عليهم سيطرتها.
وواضح أن هذا الحديث لا يطمع في أن يرسم للمسلمين خطة دقيقة للرقي، وإنما يطمع في شيء هو أهون من ذلك، ولكنه عظيم الخطر إلى أبعد ما يمكن أن يعظم الخطر لأمر من الأمور، وهذا الشيء متصل بالإسلام وحده، فالقرآن بين أيدي المسلمين يقرءونه ويسمعونه ويتعبدون به، ولكن الذين يفهمونه حق فهمه من بينهم يمكن إحصاؤهم، ويجب أن يكونوا من الكثرة فوق الإحصاء، ويجب أن يتجاوزا به أنفسهم، وأن ينشروا العلم الصحيح به بين الناس.
والثابت من سنة النبي
صلى الله عليه وسلم
محفوظ قد نشر في الكتب، وجعل كثير من الناس ينظرون فيه، ولكن الذين يفقهونه أقل من القليل. ويجب أن يكثروا وأن ينشروا منها على الناس ما يبين لهم حقائق القرآن أولا، ويفقههم في أمور دينهم ثانيا.
وسيرة الخلفاء الصالحين من المسلمين معروفة منشورة يقرؤها المؤرخون، ولكن العلم بها لا ينبغي أن يقصر بها على المؤرخين، وإنما يجب أن يشيع بين الناس، وأن تيسر لهم قراءته وفهمه. علم العلماء سجل في الكتب ينشر قليله، وأكثره ما زال نائما كما نامت الأمة الإسلامية، فيجب أن يفيق من نومه، وأن يكون قريب التناول للذين يحسنون درسه وفقهه من العلماء.
Неизвестная страница