فاضطره ذلك إلى أن يصف الخالق الحكيم بما يصف به سائر المخلوقات من الخضوع للزمان والمكان، وهذا سخف لا يقول به مؤمن.
وأكبر الظن أن أبا العلاء نفسه لم يثبت عليه؛ فهو يقول في قصيدة أخرى:
أما ترى الشهب في أفلاكها انتقلت
بقدرة من مليك غير منتقل
وما يجوز عليه التحيز في مكان يجوز عليه الانتقال منه إلى مكان غيره، ولا يجوز أن يقضي أبو العلاء على الخالق الحكيم القادر الذي يؤمن به بالعجز، وبالتزامه مكانا واحدا لا يريمه، إن كان مستقرا في مكان.
وكل هذا وأمثاله عند أبي العلاء وغيره، من الذين غرهم العقل فأسرفوا في الإيمان به، وحكموه فيما لا يستطيع أن يحكم فيه، لا يدل إلا على الحيرة والعجز، والقصور عن بلوغ الحقيقة التي حاولوا أن يبلغوها.
ومثل ذلك يقال في المجسمة والمشبهة وكل الذين حاولوا أن يعرفوا الله بعقولهم معرفة دقيقة. ولم يكتفوا بما اكتفى به النبي
صلى الله عليه وسلم
وأصحابه - رحمهم الله - من قبول نص القرآن وفهمه في يسر وإسماح، وفي غير تكلف ولا إسراف في التأويل، والله عز وجل ينبئنا في القرآن بأنه أنزل الكتاب فيه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات، وبأن الذين في قلوبهم زيغ يتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، مع أن العلم بتأويله موقوف على الله عز وجل، وبأن الراسخين في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا، وذلك في قوله عز وجل من سورة آل عمران:
هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب * ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب .
Неизвестная страница