وكانت سلمى في برد شبابها زينة شبابها، وزهرة أترابها، جسم رخص ريان ناصع البياض كأنما صيغ من صافي الدر، أو سبيك اللجين، وقامة مياسة يزيدها العجب حسنا ولدانة، وصدر ممتلئ رجراج كأنه الزئبق يفر من البنان، ووجه تأنقت يد القدرة في تكوينه وتلوينه، فجاء صورة للجمال البارع الذي حاول وصفه كل شاعر فند على أوزانه، وخطر لكل رسام فأبى على ألواحه وألوانه، جبين يتألق كأنه الصباح الباسم، وعينان فيهما سحر ، وفيهما خمر، وفيهما كل ما يثير الفتنة، ويعبث بالعقول، وأنف عربي أموي فيه الشمم، وفيه العزة، وفيه الجمال، وفم ياقوتي يبسم عن درر لم تظفر بمثلها صدفات البحار.
جلست سلمى إلى جانب الوليد فتشاكيا البعد، وتبادلا الوجد، وشربا من رحيق الحياة أكوابه صافيه مترعة، ومرت بهما ساعات هنيئات أطلق الدهر الغادر لهما فيها العنان، ومد الحب عليهما الظلال، فمن عناق إلى عناق، ومن قبلات إلى أشواق، ومن ضحك إلى بكاء هو الضحك، ومن مزاح إلى جد هو المزاح، حب وملك ونشوة وشباب وجمال، فماذا بقي من صنوف النعيم؟ وماذا تخلف من نضارة الحياة؟ حقا إن السعادة لو طمعت في أكثر من هذا لكانت بطرة ملولا!
ومضى سبعة أيام والعاشقان يتساقيان كؤوس الحب، ويتراشفان رضاب الغرام، وترك الوليد شؤون الدولة تسير كما تريد أن تسير، أو تقف كما تريد أن تقف، وانفرد بحبيبته في ناحية من قصره كما ينفرد طائران في وكن، وجعل بينه وبين صخب الحياة وضجيجها وآلامها ودسائسها حجابا مستورا، لم يخطر بباله تألب العلويين، ولا مؤامرات العباسيين، ولا تذمر الأمويين، ولا تلك الثورات التي أخذت تشتعل في أطراف الدولة، الدنيا عنده سلمى، والحياة سلمى، وكل جميل في هذا الوجود ليس إلا سلمى، وطالما كان يقول، وطالما كان يردد:
أنا في يمنى يديها
وهي في يسرى يديه
إن هذا لقضاء
ليس عدلا يا أخيه
ليت من لام محبا
في الهوى لاقى منيه
فاستراح الناس منه
Неизвестная страница