بموت من حليلك أو طلاق
فأصبح شامتا وتقر عيني
ويجمع شملنا بعد افتراق
وما كدت أتم البيت الثالث حتى صرخت في وجهي، وأخذت تصيح بخدمها: خذوا عني هذا الفاسق الفاجر، جروه من رجليه، ثم اقتلوه في بستان القصر، ولا تدنسوا بدمه بساطي، فلم أملك نفسي من الرعب والوهل، وتعلقت بطرف ثوبها في ذلة وتوسل، وأنا أقول: ارحميني يا مولاتي ، ارحميني بحق جدك عثمان بن عفان، لقد والله كنت أعرف أني مقدم على مثل هذا، ولكن ماذا أصنع وأنا أشعب، وقد أغراني ثمن هذه الرسالة المشئومة؟ إن ثمنها يا مولاتي عشرة آلاف درهم! عشرة آلاف درهم! فابتسمت قليلا وقالت: والله لأقتلنك، أو تبلغه كما بلغتني؛ فهدأت نفسي وقالت: وماذا تهبين لي من أجر على رسالتك؟ قالت: بساطي الذي تحتي. قلت: قومي عنه إذا؛ فإني لا أحب بيع النسيئة، فقامت عنه وطويته تحت إبطي، ثم قلت: هاتي رسالتك جعلت فداك، قالت: قل له:
أتبكي على لبنى وأنت تركتها؟
فقد ذهبت لبنى، فما أنت صانع؟!
وما كاد ينتهي حتى وثب عليه الوليد كأنه الجمل الصائل، ولكن أشعب استطاع أن يفر منه قبل أن يلثمه بسوطه، فصرخ الوليد: إنها تقول: فما أنت صانع؟ الذي أصنعه يا ابن أم الخلندج أن أدليك منكسا في بئر، أو أن أقذف بك من قمة القصر، أو أن أضرب رأسك بسيفي ضربة أطيح بها رأسك، هذا هو الذي أنا صانع؛ فوقف أشعب في ثبات وثقة وقال: والله ما كنت لتفعل شيئا من هذا. - ولم يا ابن المجلودة؟ - لأنك لم تكن لتعذب عينين نظرتا إلى سعدة، فارتد الوليد عنه وهو يتأوه ويقول: نجوت يا ابن الورهاء، اغرب عني أيها الأزرق المشئوم.
وأذن مؤذن المغرب فانتفض الوليد كمن يرفع رأسه من لجة غامرة، وتبدلت حاله، ولبسته صورة رائعة من الخشوع والتبتل، ونظر إلى السماء في ذلة وخشية، وأسرع غلامه سبرة فأحضر إبريقا، وطستا فتوضأ، وقام القوم فتوضئوا، ثم صاح بصوت هز أرجاء القصر: الصلاة الصلاة، ونهض فأم من بالقصر، فلما فرغ من الصلاة أخذ يجاذب ندماءه طرائف الأحاديث والأخبار، حتى إذا مر طرف من الليل صاح: أين النوار؟ أين النوار؟ أين سعاد الكوفية؟ أين جامع لذتي ومحيي طربي؟ أين عمر الوادي؟ وكأنهم جميعا كانوا يترقبون هذا الأمر، فما مرت لحظات حتى أقبل الجواري والمغنون، فطلب إلى عمر الوادي أن يغنيه بشعره في سلمى، فعزفت العيدان، وارتفع صوت الناي، ودقت الدفوف ، وأخذ عمر يغني هزجا بالبنصر:
يا سليمى يا سليمى
كنت للقلب عذابا
Неизвестная страница