ومن أظهر الدلائل على هذه الأنفة من الامتهان والتبذل قولهم في المثل: تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها.
ومما يلحق بذلك الغناء، فإنه في الجاهلية كان من خصائص الإماء، وتسمى عندهم الأمة المغنية بالقينة والكرينة، وأول من غنى من الإماء - فيما زعموا - جاريتان كانتا لمعاوية بن بكر من قبيلة عاد الهالكة، وهما المدعوتان في الأخبار بالجرادتين.
ولا يبعد أيضا أن تكون الأمة هي التي كانت تتولى خياطة الثياب وإصلاحها بنفسها، أو تسعفها في ذلك مولاتها، إذا كان المخيط لها أو لأسرتها أو لم تكن عريقة في الشرف، وكانت النساء لذلك العهد أو بعضهن يحتفلن بملابسهن، ولا يقتصرن على لبس القطن والصوف والوبر، بل يتشحن أحيانا بالديباج والحرير حسب يسارهن. قال المنخل اليشكري:
الكاعب الحسناء تر
فل في الدمقس وفي الحرير
وأقل من ذلك لبسهن الثياب الموشاة بالذهب قال سلمى بن ربيعة:
والبيض يرفلن كالدمى
في الريط والمذهب المصون
يعني بالبيض النساء، يتبخترن في الريط وهي الملاءة الواسعة، والمذهب المصون يراد به الثياب الفاخرة المطرزة بالذهب، على أنهن كن في أوقات الخلوة يقتصرن على لبس الصدار والمجول والإتب تحت دروعهن، وهي كما ذكره الثعالبي قمص متقاربة الكيفية في القصر واللطافة وعدم الأكمام، ولا بد أن ذلك كان عاما لهن، حتى قيل في المثل: كل ذات صدار خالة.
وأما الزي الذي كن يتخذنه في ملابسهن فالظاهر أنه كان لا يخلو من بعض التأنق، ومن أغرب الشواهد الدالة على مبلغه عندهن هذه الوسادة التي تضعها نساء الفرنجة ونساؤنا تحت أثوابهن في أسفل الخصور لتعظيم ما خلف الظهور، فإنها ليست من إيجاد مخترعات الزي في أوروبا، بل هي من معلومات نساء العرب في سالف الدهر، وتسمى عندهن بالعظامة والحشية والرفاعة، وإذا قرأنا في تفسيرها قول أرباب اللغة «العظامة ثوب كالوسادة تعظم به المرأة عجيزتها»؛ علمنا أنها هي هي ما نراه اليوم في زي المرأة المتمدنة، ومن ذلك أيضا عادة إطالة الذيول وجرها تبخترا وخيلاء، وأشعار العرب طافحة بذكرها، فلا حاجة إلى النص عليها في بيت بعينه.
Неизвестная страница