أراد بتنماص الحاجب نتف ما نبت فيه وراء القوس من الشعر، وكانت العرب تحب الحواجب المزججة أي المدققة المطولة، وأما صبغها المعروف بالخطوط فلم تكن تعرفه البدويات، وإنما هو من تبرج الحضريات كما قال أبو الطيب:
أفدي ظباء فلاة ما عرفن بها
مضغ الكلام ولا صبغ الحواجيب
ولا حاجة إلى التنبيه على أن هذا الذي تقدم من حرص المرأة على التزين والتحلي كان يشاهد في غير المرأة الثاكل أو الفاقد؛ فإن حداد هذه كان يشغلها عن كل زهو وتبرج؛ ولذلك عرفوا الحداد بكونه خاصة ترك الزينة والخضاب، وإن كان في الواقع يتناول غير ذلك كلبس السلب السود، وهي ثياب المأتم، والمسوح كما قال لبيد:
يخمشن حر أوجه صحاح
في السلب السود وفي الأمساح
وقد تعصب الحاد رأسها أيضا بالسلاب، كما يدل عليه قول ضمرة بن ضمرة النهشلي:
هل تخمشن إبلي علي وجوهها
أم تعصبن رءوسها بسلاب؟!
بل ربما تناول الحداد ما هو أشد من ترك الزينة؛ كحلق الشعر وتعليق النعلين أحيانا، كما ذكر عن الخنساء أنها رؤيت بعد مقتل أخيها صخر تطوف بالبيت محلوقة الرأس وهي تبكي وتلطم خدها وقد علقت نعل صخر في خمارها، فلما عوتبت على ذلك ونهيت عنه قالت أبياتا منها:
Неизвестная страница