وبهذا يصرح الشيخ الشوشتري أعلى الله مقامه فإنه قال : كان للحسين تكليفان واقعي وظاهري :
أأما الواقعي الذي دعاه للإقدام على الموت وتعريض عياله للأسر وأطفاله للذبح مع علمه بذلك ، فالوجه فيه : أن عتاة بني امية قد اعتقدوا أنهم على الحق وأن عليا وأولاده وشيعتهم على الباطل حتى جعلوا سبه من أجزاء صلاة الجمعة ، وبلغ الحال ببعضهم أنه نسي اللعن في خطبة الجمعة فذكره وهو في السفر فقضاه. وبنوا مسجدا سموه (مسجد الذكر)، فلو بايع الحسين يزيد وسلم الأمر إليه ، لم يبق من الحق أثر ، فإن كثيرا من الناس يعتقد بأن المحالفة لبني امية دليل استصواب رأيهم وحسن سيرتهم ، وأما بعد محاربة الحسين لهم وتعريض نفسه المقدسة وعياله وأطفاله للفوادح التي جرت عليهم ، فقد تبين لأهل زمانه والأجيال المتعاقبة أحقيته بالأمر وضلال من بغى عليه.
ب وأما التكليف الظاهري : فلأنه (ع) سعى في حفظ نفسه وعياله بكل وجه ، فلم يتيسر له وقد ضيقوا عليه الأقطار حتى كتب يزيد إلى عامله على المدينة أن يقتله فيها ، فخرج منها خائفا يترقب فلاذ بحرم الله الذي هو امن الخائف وكهف المستجير ، فجدوا في إلقاء القبض عليه أو قتله غيلة ولو وجد متعلقا بأستار الكعبة ، فالتزم بأن يجعل احرامه عمرة مفردة وترك التمتع بالحج ، فتوجه إلى الكوفة ؛ لأنهم كاتبوه وبايعوه وأكدوا المصير إليهم ؛ لإنقاذهم من شرور الامويين ، فألزمه التكليف بحسب ظاهر الحال إلى موافقتهم إتماما للحجة عليهم ؛ لئلا يعتذروا يوم الحساب بأنهم لجأوا إليه واستغاثوا به من ظلم الجائرين ، فاتهمهم بالشقاق ولم يغثهم ، مع أنه لو لم يرجع إليهم فإلى أين يتوجه وقد ضاقت عليه الأرض بما رحبت؟ وهو معنى قوله (ع) لابن الحنفية : «لو دخلت في جحر هامة من هذه الهوام ، لاستخرجوني حتى يقتلوني».
وقال (ع) لأبي هرة الأسدي : «إن بني امية أخذوا مالي فصبرت ، وشتموا عرضي فصبرت ، وطلبوا دمي فهربت» (1).
Страница 170